رفع العقوبات الاقتصادية والإعفاء من الديون ووقف الترحيل .. مسؤولية أمريكا تجاه العالم في وقت الأزمة

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/28 الساعة 11:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/28 الساعة 14:52 بتوقيت غرينتش
فيروس كورونا

لقد بات من المهم، أكثر من أي وقت مضى، أن يكون للولايات المتحدة، بوصفها قوةً عظمى عالمية، دورٌ قيادي في الاستجابة الدولية لأزمة كورونا. لكن ما حدث، حتى الآن، هو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وضع مصالحه السياسية قريبة المدى فوق الدولة والعالم، وألقى بالمسؤولية عن الفيروس على دول أخرى، حتى أنه أقدم على اتخاذ الخطوة الأكثر تطرفاً بوقف تمويل الولايات المتحدة لمنظمة الصحة العالمية. وفي عالم مرتبط ببعضه كعالمنا، ستكون الاستراتيجية الانعزالية مدمرةً لملايين الناس في جميع أنحاء العالم وفي الولايات المتحدة نفسها. ومن ثم، فإن الأجدر بالولايات المتحدة أن تغتنم تلك الفرصة لقيادة جهود الاستجابة العالمية للأزمة وتعيد استثمار إمكاناتها في السياسات الدبلوماسية.

وعلى الرغم من خطورة التهديد الذي يكتنف الشعب الأمريكي جرّاء تلك الأزمة، فإن التهديد الأخطر يعتري الدول الفقيرة. فقد أعرب المنتدى الاقتصادي العالمي عن شديد قلقه بشأن الكيفية التي يؤثر بها الإغلاق الاقتصادي على سلاسل التوريد، وما ينطوي عليه ذلك من تعطيل أو إيقاف لها، ومن ثم ما قد يفضي إليه من تفاقم الجوع في العالم النامي. ففي عالمٍ تسوده المجاعات، تنتزع فيه البلدان الأغنى الإمدادات المنقذة للحياة وترفع أثمانها، وهو ما يترك البلدان الفقيرة عاجزة. فثمة ملايين يعيشون في مخيمات اللاجئين، حيث يتقاسمون المياه والمراحيض، وملايين آخرون يعيشون في مناطق حضرية مكتظة بالسكان، لكن التواصل الاجتماعي بينهم يُعد خيالاً. وهناك 1.2 مليار شخص يعيشون في إفريقيا، التي تشح فيها أسرّة العناية المركزة إلى 5 أسرّة لكل مليون شخص، وهو ما يجعلها بالأساس قنبلةً موقوتة يجب محاولة إطفاء فتيلها.

وفي حين أننا مستهلكون بطبيعة الحال في محاربة الفيروس داخل حدودنا، فإن ذلك لا يعني أن ليس ثمة خطوات يجب أن نتخذها لإعانة الدول الأخرى على التعامل مع انتشار الفيروس في مجتمعاتها.

أولى هذه الخطوات أننا يجب أن نضمن أن يكون لقاح فيروس كورونا متاحاً للجميع في كل مكان فور توفره. ومع ذلك، ففي حين يؤكد القادة الأوروبيون أنهم سيجعلون اللقاح متاحاً على مستوى العالم، فإن الولايات المتحدة والصين تخوضان سباق تسلح فعلياً ليكونا أول من يمتلك براءة الاختراع. كما تجادل أطراف الضغط في الشركات بأن اللقاح لن يُكتشف دون ضمان حماية براءات الاختراع ويدفعون باتجاه احتكار هذا الامتياز، رغم أن اللقاح يمثل منفعة عامة. وقد خصص قانون الرعاية الصحية مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب لإجراء الأبحاث. ومن ثم يتعين التخطيط لضمان أن يكون اللقاح متاحاً وصوله إلى جميع دول العالم بمجرد التوصل إليه.

ثانياً، على الدول الغنية أن تصدر إعفاءات عن أعباء الديون التي لا يمكن تحملها، والتي تفرض حالياً التزامات رهيبة على الدول الفقيرة. فقد كان من المقرر أن تسدد الدول النامية عشرات من المليارات إلى دول أخرى ومؤسسات متعددة الأطراف ومُقرضين خاصين في عام 2020. وقد ألغى صندوق النقد الدولي بالفعل مؤخراً ستة أشهر من مدفوعات الديون في حزمة بلغ مجموع إعفاءاتها 750 مليون دولار. لكن هذا ليس سوى جزء ضئيل مما هو مطلوب حقاً. إذ تقول الأمم المتحدة إن الدول النامية في حاجة إلى ما يزيد على 2.5 تريليون دولار، وتدعو منظمات العدالة الاقتصادية العالمية إلى المزيد.

كما يمكن لصندوق النقد الدولي أن يسهم في فتح الباب أمام إصدار "حقوق السحب الخاصة" [أصل احتياطي دولي استحدثه صندوق النقد في عام 1969 ليصبح مكملاً للأصول الرسمية للبلدان الأعضاء، ويمكن لصندوق النقد "تخصيصه" للبلدان الأعضاء بصفة دورية حين تنشأ الحاجة إليه من تصحيحٍ لميزان المدفوعات، أو تعزيز موجوداته الاحتياطية، وغيرها]، التي ستسمح لمئات من المليارات بالخروج إلى الدول الأفقر. وقد حدث ذلك في فترة الركود الاقتصادي عام 2009، ويدعم من قيادة صندوق النقد الدولي والدول الأوروبية، لكن ترامب يقف عقبةً أمام ذلك حالياً. وثمة المزيد مما يمكن تقديمه، ليس فقط فيما يتعلق بتقليل الأعباء، وإنما بتقديم دعم فعلي. إذ بصفتها أكبر مساهم في صندوق النقد الدولي والقوة الرائدة وراء إنشاء البنك الدولي، يجب على الولايات المتحدة أخذ زمام المبادرة في المطالبة بالإعفاء الكامل والتخفيف من أعباء الديون على الدول النامية.

ثالثاً، يجب رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية. فإذا كان ثمة وقت يجدر بنا فيه وضع المظالم القديمة مع خصومنا جانباً، فهو الآن. وإيران، على سبيل المثال، هي إحدى أكثر الدول تضرراً من وباء "كوفيد 19″، إلى جانب إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران تُنشئ نقصاً حاداً في الإمدادات الطبية الأساسية للبلاد، مثل الأقنعة، وتجعل الأزمة الاقتصادية أسوأ بكثير. وقد دعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مؤخراً إلى تخفيف العقوبات عن عدة دول، من بينها إيران وكوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا وزيمبابوي. وأيدت "هيومن رايتس ووتش" تلك الدعوة، كما أيدتها النائبة الأمريكية إلهان عمر وعدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين. إذ لا يُعقل وضع أعباءٍ إضافية على البلدان وهي تصارع من أجل حياتها.

وأخيراً، يجب أن نوقف عمليات الترحيل من البلاد أثناء تفشي المرض. فكما رأينا، لا يميّز فيروس كورونا على أساس حدود أو جنسيات. وقد أفادت وزارة الصحة الغواتيمالية مؤخراً بأن أكثر من نصف مجموع المرحَّلين الذي أُعيدوا إلى غواتيمالا في الأسابيع الأخيرة ثبتت إصابتهم بفيروس كورونا. حتى أن إحدى الرحلات كان أكثر من 75% من أفرادها مصابين بالفيروس. كما أن ترحيل مرضى "كوفيد 19" إلى بلدان تعاني الضعف فما يتعلق بالبنى التحتية للرعاية الصحية، يعد طريقة فعالة لنشر الفيروس. إن الدول تتوسل إلى الولايات المتحدة لوقف عمليات الترحيل، ويجدر بالولايات المتحدة أن تستمع إليهم وتشجع حلفاءها على الأمر ذاته.

وبينما نتخذ هذه الإجراءات، قد نعيد النظر أيضاً فيما ينبغي أن تكون عليه قيادة العالم اليوم. فقيادة العالم اليوم يجب أن تشمل قيادة قطاع الصحة أيضاً، وليس فقط التفوق العسكري. يجب أن تعني دعم المؤسسات العالمية التي تسهل التنسيق وتبادل المعلومات وتوزيع الموارد، ليس لأن ذلك مربح، ولكن لأنه ضرورة وجودية. يجب أن تعني الاستثمار في نوع مختلف من التسلح، ليس المتعلق بمخزون الأسلحة، وإنما مخزون المستلزمات الصحية؛ لا الطائرات الحربية، وإنما القطارات الخفيفة؛ وليس الاستعداد للمعارك الحربية، بل الاستعداد لإعادة توطين عديمي الجنسية وإسكان المشردين.

تتطلب قائمة السياسات المذكورة آنفاً القليل من التضحيات من جانب الشعب الأمريكي، إلا أنه سيكون لها فوائد هائلة على المدى الطويل. فالآن ليس الوقت المناسب للنكوص إلى الانعزالية. لقد حان الوقت لإعادة تصور ما تعنيه القيادة، وكيف يمكننا العمل معاً كمجتمع عالمي.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إلهان عمر
نائبة ديمقراطية في الكونغرس الأمريكي عن ولاية مينيسوتا
نائبة ديمقراطية في الكونغرس الأمريكي عن ولاية مينيسوتا
تحميل المزيد