تعالج البلدان حول العالم تداعيات وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بناءً على احتياجاتها الفريدة وقدراتها على مواجهته. ويطرح حاليًا موقع المغرب تحديات اقتصادية واجتماعية عدة، بصفته بلدٍ في شمال أفريقيا تربطه علاقات شاملة مع أوروبا شكّلت ميزةً أساسيةً للاقتصاد المغربي. وتعيّن على المغرب مواجهة هذه التحديات على جبهات اقتصادية وقانونية واجتماعية متعددة.
الجدول الزمني لردود الفعل إزاء الوباء
في خلال المراحل الأولى لتفشّي الوباء، وعلى غرار بلدان أخرى متعددة حول العالَم، أصدر المغرب الأوامر بإجلاء المواطنين الذين يعيشون في منطقة ووهان الصينية، حيث ظهر الفيروس للمرة الأولى. وعند عودة الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم إلى المغرب، فُرضت عليهم قيود إضافية شملت الحجر الإلزامي لمدّة 20 يومًا في مستشفًى عسكري في الرباط.
للتخفيف أكثر من خطر انتشار فيروس كورونا المستجدّ في المغرب، شُرع بالفحص على كافة نقاط الدخول – بما فيها المطارات – في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير. وفي الشهر التالي، أتاح المغرب الفحص المجّاني لعامة الناس.
رغم الجهود الأوّليّة، سُجّلت الإصابة الأولى المؤكَّدة بكوفيد-19 في المغرب في 2 آذار/ مارس. ومنذ ذلك الحين، واصلَ الفيروس انتشاره في المغرب – فارتفع العدد من 33 حالة في 3 آذار/ مارس إلى 3537 حالة في 23 نيسان/ أبريل. ومع ارتفاع عدد الإصابات المحلّيّة، ارتفع أيضًا عدد الوفيّات. ففي 10 أذار/ مارس، أعلنت وزارة الصحة المغربية عن حالة الوفاة الأولى من جرّاء الفيروس – وهي امرأة مغربية تبلغ من العمر 89 عامًا عادت إلى المغرب من بولونيا، إيطاليا. وبعد شهرٍ تقريبًا، بلغ عدد الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا 151.
رغم المعدّل المنخفض نسبيًّا لعدد الإصابات في المغرب مقارنةً بالبلدان الأوروبية المجاورة له (ثلاثة أشخاص من أصل 100 ألف شخص)، إنّ التوقعات لمستقبل المغرب جد صعبة في ظروف هذه الجائحة. فتوقّع عدد من الخبراء أن تصبح المراكز الطبّيّة في المدن ربما غير قادرة على التحمل وأن تعجز المناطق الريفية عن الفحص لاكتشاف المرض وعن معالجته. وبما أنّ الحكومة المغربية طلبت أيضًا المزيد من فحوصات كوفيد-19 من الصين وكوريا الجنوبية، يتوقّع عدد من الخبراء رؤية طفرة كبيرة في معدّل الإصابات.
بُعيد الإعلان عن حالة الوفاة الأولى، بدأت الحكومة بتعزيز القيود على السفر التي كانت موضوعة مسبقًا من خلال إغلاق حدودها البحريّة والجوّيّة مع فرنسا وإسبانيا، وأيضًا حدودها البرّيّة مع مدينتيْ سبتة ومليلية المحتلتين من طرف إسبانيا. واختار المغرب أيضًا أن يحذو حذو بلدان كثيرة من خلال تعليق الأنشطة المدرسية كافة حتى إشعارٍ آخر في 13 آذار/ مارس.
تضاعف عدد الحالات المؤكّدة بين 14 و16 آذار/ مارس، مع العلم أنّ العدد الفعلي للإصابات في تلك الفترة الزمنية كان أعلى ربما نظرًا إلى الطلب المرتفع على معدات فحص كوفيد-19 ونقصها على الصعيد العالمي. ومع الطفرة في عدد الحالات، طلب رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني من عامة الناس ألّا يهلعوا، وقال إنّ تفشّي الوباء في المغرب تحت السيطرة. ولكن انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات محال السوبرماركت ومتاجر السلع الغذائية المزدحمة بالحشود، ما زاد خوف الناس من احتمال النقص في المواد الغذائية. وفي خلال هذه الفترة، فيما كان مواطنو المغرب لا يزالون يخضعون لأوامر البقاء الطوعي في المنزل، روّجوا لهاشتاغ #restecheztoi الذي يعني "إلزم منازلك"، والذي لاقى شعبيّةً على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها "تويتر".
في 18 آذار/ مارس، اجتمعت هيئة العمل المشتركة بين وزارة الصحة وجمعية العيادات الخاصة لمناقشة حشد موارد العيادات الخاصة لصالح المستشفيات الحكومية. وبعد أسبوعيْن من تأكيد المغرب الإصابة الأولى بكوفيد-19، أعلنت الحكومة رسميًّا "حالة الطوارئ الصحّيّة" التي ستبقى سارية المفعول حتّى 20 نيسان/ أبريل، أي قبل بضعة أيّامٍ فحسب من بدء الصوم في شهر رمضان وتم تمديدها بعد ذلك لحدود 20 أيار/مايو.
تشمل هذه التدابير الجديدة الإغلاق وحظر التجوّل الإلزامييْن في جميع أنحاء البلاد، ويحرص كلٌّ من الشرطة والجيش على تطبيق هذه التدابير وحثّ المواطنين على الحدّ من تنقّلاتهم في خلال اليوم لتقتصر على الأنشطة الضرورية جدًّا. وتطبّق الحكومة هذه التدابير بحزمٍ عبر الطلب من الأفراد الذين يخرجون من المنزل الحصول على إذنٍ خاص، إمّا من مكان عملهم وإمّا من السلطات المحلّيّة. ومنذ 20 آذار/ مارس، اعتقلت السلطات آلاف الأفراد بسبب خرق حالة الطوارئ أو بسبب نشر المعلومات الخاطئة. إلّا أنّ الحكومة أطلقت أيضًا سراح آلاف المساجين من سجونها بهدف تقليص خطر التجمعات هناك.
بعد حوالي شهر من إعلان الطوارئ، ومع استمرار تزايد عدد الحالات المؤكدة والوفيات المرتبطة بالفيروس التاجي، مددت الحكومة حالة الإغلاق حتى 20 أيار/مايو لمواصلة مكافحة انتشار الفيروس.
التحديات الاقتصادية والاستجابات
وسط حالة الإغلاق في البلد، يتساءل المغاربة أكثر فأكثر بشأن التبعات الاقتصادية المترتّبة عن هذا الفيروس. فيحيط الشك بتأثير الوباء في الاقتصاد المغربي في حين تشير رسالة وُجّهت مؤخرًا إلى "الاتحاد الأوروبي" إلى أنّ الأثر سيكون شديدًا رغم اختلافه بحسب القطاع.
بعثت الحكومة المغربية هذه الرسالة إلى وفد "الاتحاد الأوروبي" في 26 آذار/ مارس وتوقعت خسائر ملحوظة في قطاعات السياحة والسيارات والأقمشة في عام 2020. وتسلّط الرسالة الضوء على تشكيل "الاتحاد الأوروبي" أكثر من 58% من صادرات المغرب، و59% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، و70% من قطاع السياحة في المغرب. وفيما لم يختبر المغرب بعد التأثيرات الكاملة للفيروس في اقتصاده، سينعكس قريبًا الانخفاض المتوقَّع من الأسواق الأوروبية على المستوى المحلّي.
أفاد وزير الشغل والإدماج المهني محمد أمكراز بأنّ إجمالي 113000 شركة أوقفت أنشطتها منذ 15 آذار/ مارس. وقال الوزير أيضًا إنّ أكثر من 700000 موظّف عجزوا عن العمل أو جرى فصلهم نتيجةً لذلك، مع أنّ الحكومة حددت يوم الجمعة الواقع في 3 نيسان/ أبريل كمهلة نهائية للتبليغ عن البطالة.
يتوقّع "اتحاد النقل الجوي الدولي" أيضًا أن يتسبب الوباء بتراجع الحركة الجوّيّة بشكلٍ هائل، مع توقع خسائر إجمالية تبلغ حوالي 728 مليون دولار وتطال 225000 وظيفة. وبعد الحظر العام على حركة مركبات الركّاب في 24 آذار/ مارس، يمكن أن ينتظر النقل على الطرقات والنقل بالسكك الحديدية مستويات مشابهة من التدهور.
تشمل الآثار الجانبية الاقتصادية الأخرى لوباء كوفيد-19 الانخفاض الهائل في أموال الشتات المغربي، التي تعتمد عليها عائلات كثيرة. ويلعب الشتات المغربي دورًا بارزًا في اقتصاد بلاده؛ فيحوّل نحو 69% من المغاربة المقيمين في الخارج ربع دخلهم السنوي تقريبًا إلى وطنهم.
يُتوقَّع أن تكون السياحة القطاع الأكثر تضررًا في الاقتصاد، وتقدّر "الكونفدرالية الوطنية للسياحة" أنّ الخسائر المتوقّعة لعام 2020 تبلغ تقريبًا 34.1 مليار درهم في إيرادات السياحة الإجمالية و14 مليار درهم من قطاع الفنادق وحده. وتتوقّع الكونفدرالية تراجعًا بنسبة 98% في عدد السيّاح الذين يزورون البلد، ما سيعرّض 500000 وظيفة و8500 شركة للخطر.
لكن تشير التقارير من "اللجنة الاستقصائية الاقتصادية" إلى أن عدد الموظّفين الذين قدّموا طلبًا منذ ذلك الوقت للحصول على المنافع يتجاوز إلى حدٍّ كبير القدر الذي تستطيع الوكالة إعانته. فتوقّعت اللجنة استهداف حوالي 430000 موظّف ليحصلوا على مبلغٍ إجمالي من التعويضات يُقدَّر بـ 4 مليارات درهم مغربي من 15 آذار/ مارس 2020 إلى نهاية حزيران/ يونيو 2020. كما منع المغرب موقّتًا التوظيف في القطاع العام، ما عدا في قطاعيْ الأمن والصحة، كتدبير تشددي إضافي في معالجة أزمة فيروس كورونا.
يضع هذا الواقع القاسي المغرب في موقعٍ مشابهٍ لبلدان كثيرة في المنطقة – فيبدو أنّ تأثيرات هذا الوباء في كلٍّ من الصحة العامة والاقتصاد ستكون واسعة النطاق ولن يكون التعافي سريعًا على الأرجح. ومع ذلك، يبدو أن الشعب والحكومة يقومان حتى الآن بما يستطيعان فعله للحد من تفشي فيروس كورونا والاستعداد للتحديات اللاحقة المرتقبة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.