يواجه العالم نتائج غير معروفة لتحدي جائحة فيروس كورونا، ويمكن القول إن كرة القدم واحدة من أكثر الصناعات عولمة، ردت على التحدي بالإغلاق.
رغم استعار الحرب العالمية الثانية، واصلت كرة القدم مسيرتها بالرغم من الصعوبات الواضحة. كان الإغلاق الكلي، في معظم الأحيان، مؤقتاً، وتمت ممارسة الرياضة كلما أمكن ذلك. تتناقض الطريقة التي تعاملت بها كرة القدم خلال الحرب مع استجابتها لأزمة كوفيد-19. ففي زمن قياسي، أوقفت جميع البطولات تقريباً في العالم، للمرة الأولى منذ تأسيسها.
الحرب العالمية الثانية
لن يكون من المفاجئ أن نعلم أن اندلاع الحرب العالمية الثانية يعني أن كرة القدم احتلت مقعداً خلفياً في العديد من البلدان حيث كان الناس يركزون اهتمامهم الكامل على المعركة الحربية. في إنجلترا، تم تعليق معظم الدوريات في منتصف موسم 1939-1940 ولم تستأنف الخدمة العادية مرة أخرى حتى 1946-1947. انضم العديد من لاعبي كرة القدم للقتال في الحرب، ومات الكثير منهم بشكل مأساوي.
في حين تم تعليق الدوريات خلال هذا الوقت في إنجلترا، كانت مباريات كرة القدم الإقليمية لا تزال معلقة. استبدلت المسابقات المعروفة باسم "دوري الحرب" و"كأس الحرب".
ومع ذلك، كان الأمر مثيراً للجدل، لأنه كان هناك شعور بأن التجمعات واسعة النطاق من الناس، مثل تلك الموجودة في مباريات كرة القدم، ستكون معرضة للخطر كهدف محتمل للأعداء.
كما تم إلغاء الدوري الفرنسي طوال فترة الحرب، قبل استئنافها في 1945-1946.
كان للحرب أيضاً بشكل غير مفاجئ، تأثير على كأس العالم، وهي المنافسة التي كانت في بدايتها، حيث تم إلغاء نسختي: 1942 و1946.
ومع ذلك، حتى في ظل الظلام الذي كانت عليه الأمور في الفترة ما بين 1939 و1945، استمرت بعض الدوريات.
في إسبانيا، تم تعليق دوري الدرجة الأولى خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)، ولكن دون انقطاع بسبب الحرب العالمية الثانية، في حين استمر الدوري الإيطالي كالمعتاد حتى عام 1943 قبل إلغائه في 1944-1945.
واستمر الدوري الألماني طوال فترة الحرب، مع تميز وتفوق واضح لنادي شالكه، حيث فاز بثلاث بطولات من أصل ست بطولات بين عامي 1939 و1944. تأثرت كرة القدم الألمانية لاحقاً في أعقاب الحرب، مع عدم وجود دوري وطني حتى عام 1948.
الحرب العالمية الأولى
كرياضة، كانت كرة القدم لا تزال في مراحلها التكوينية عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914 وتأثرت اللعبة بشكل كبير بسبب العديد من الأعمال العدائية التي طالت مؤسساتها.
إذ تم تعليق الدوريات في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وغيرها أثناء القتال. بالطبع لم يكن الدوري الإسباني قيد التشغيل لأنه لم يتم تأسيسه حتى عام 1929.
كما هو الحال في الحرب العالمية الثانية، وقع العديد من لاعبي كرة القدم فريسة للقتال في الحرب العالمية الأولى، وكان للقوات البريطانية "كتيبة كرة القدم" مخصصة، وكان يقودها لاعب بيرمنغهام سيتي فرانك باكلي رفقة لاعبين من كل الأندية، بما في ذلك بعض من لاعبي مانشستر يونايتد وتشيلسي .
البلاي ستيشن يعوّض التوقف
تم تعليق جميع المباريات في الدوري الإنجليزي الممتاز بسبب فيروس كورونا حتى إشعار آخر، في حين تم تأجيل معظم البطولات في أوروبا والعالم، لكن كرة القدم التنافسية ستستمر في شكل رقمي بعد توقيع 128 فريقاً للمشاركة في بطولة ألعاب فيديو ضخمة ينظمها ليتون أورينت.
ستلعب 16 دولة مختلفة، بما في ذلك فرنسا وإيطاليا وهولندا، ومن بينها أندية الدوري الممتاز مثل مانشستر سيتي، وست هام، ونيوكاسل.
سيتم تمثيل كل ناد من قبل لاعب واحد فقط، ستأخذ البطولة شكل خروج المغلوب على غرار كأس الاتحاد الإنجليزي، مع تقدم المنتصرين حتى تتويج الفائز.
اقتصاد كرة القدم في خطر
التأثير الاقتصادي للحرب العالمية الثانية على كرة القدم لم يكن بذلك الشكل المخيف مقارنة بما يحدث الآن فيروس كورونا.
سأترككم الآن مع بعض الأرقام المهمة والمحتملة.
العائدات التجارية
شكّلت العائدات التجارية بين 43 و50% من إيرادات الأندية الخمسة الأغنى من حيث الإيرادات في موسم 2018/2019. والأندية الخمسة هي: برشلونة (370 مليون يورو)، ريال مدريد (350 مليوناً)، مانشستر يونايتد (330 مليوناً)، بايرن ميونيخ (350 مليوناَ) وباريس سان جيرمان (300 مليون).
أما الفرق التي تليها، وأبرزها مانشستر سيتي (250 مليون يورو)، وليفربول (200 مليون)، تشيلسي (200 مليون)، يوفنتوس (190 مليوناً)، بروسيا دورتموند (170 مليوناً)، آرسنال (120 مليوناً) والإنتر (180 مليوناً)، فتشكّل العائدات التجارية بين 20 و30% من إيراداتها.
كل هذه الملايين قد تبخرت مع تصاعد حدة الفيروس.
كما أن الأندية تجني الملايين من العقود التجارية والرعاة الرسميين مثل Nike وAdidas Reebok Puma و"طيران الإمارات".. إلخ، بل وتقبض الأموال سلفاً دفعة واحدة أو تتلقى نسبة معيّنة قبل كل موسم.
ماذا سيحدث لو أن المباريات توقفت حتى مايو/أيار أو يونيو/حزيران، أو حدث ما هو أسوأ كإلغاء الموسم الحالي أو تقليصه ليصبح على شكل "أدوار إقصائية"؟
الأندية مُلزمة ببنود جزائية في هذه الحالة أو ستُطالب بتمديد عقودها مع الرعاة لمدة عدة أشهر (حسب مدة التوقّف) من دون مقابل مادي إضافي.
إيرادات حقوق البثّ التلفزيوني والإذاعي
من غير المتوقّع أن تتنازل شبكتا Sky Sports وBT Sports عن حقوقهما بعد أن دفعتا سلفاً 4.95 مليار يورو من أجل ضمان حقوق بث الدوري الإنجليزي الممتاز في الفترة الممتدة بين 2019 و2022، بحسب موقع Goal (عام 2018). وبينما تدفع SkySports حوالي 10.32 مليون يورو في المباراة الواحدة، تدفع BT حوالي 10.24 مليون يورو مقابل كل مباراة.
هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة التي وقعت بها الشبكتان اللتان تكبّدتا حتى الآن خسائر توازي عشرات الملايين.
تعد هذه الخسائر الأقسى والأعلى، لكنها بالتأكيد ليست الوحيدة، إذ إن ذلك ينطبق على الفائزين بحقوق بثّ البريميرليغ خارج أوروبا، كما الفائزين بحقوق بث الدوريات الأوروبية الأخرى.
وفي حال ألغي موسم البريميرليغ الحالي أو فشل ختمه قبل 31 يوليو/تموز المقبل أو لم يبدأ الموسم المقبل في أغسطس/آب 2020، فسيتحتّم على أندية الدوري الإنجليزي الممتاز تسديد 836 مليون يورو للشبكتين، كما ينص البند الجزائي في العقد.
قد لا تكون كل عقود الدوريات الأوروبية بقسوة عقد البريميرليغ، إلا أنه لا مفرّ من النزاع، والأمر ـبالتأكيدـ لن يكون بمثابة "نزهة" بالنسبة إلى الأندية الأوروبية وروابطها المنظمة. وخير مثلٍ على ذلك نادي يوفنتوس، الذي تقدّر خسائره الإجمالية، بسبب "كورونا"، بحوالي 110 ملايين يورو، بحسب مجلة Forbes. نسبة الخسائر المتعلّقة بحقوق البث حوالي 40%، والـ60% المتبقية هي مجموع العائدات التجارية وثمن بيع التذاكر وتوابعها.
وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أن إيرادات حقوق البث شكّلت بين 30 و35% من إيرادات الأندية الخمسة الأغنى من حيث الإيرادات في موسم 2018/2019. ولاحظنا أن كل ما انخفض ترتيب النوادي على اللائحة المذكورة (تتضمن 20 نادياً)، زاد اعتمادها على إيرادات حقوق البث، ليصل إلى حدود 60% من مجمل الإيرادات في الأندية صاحبة المراكز الخمسة الأخيرة، وهي روما، ليون، ويست هام يونايتد، إيفرتون ونابولي.
ببساطة.. الكل خاسر، ولا مفر من ذلك، لكن من المتوقّع أن يحاول الجميع أن يقلّص خسائره بقدر الإمكان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.