انطوائي وأحب العزلة.. لماذا أفضل رمضان في زمن الكورونا؟

عدد القراءات
1,688
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/24 الساعة 11:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/24 الساعة 18:48 بتوقيت غرينتش
انطوائي وأحب العزلة.. لماذا أفضل رمضان في زمن الكورونا؟

كل عام وحضراتكم بألف خير. نشهد شهر رمضان بشكل جديد هذا العام. لأول مرة في عمري القصير تكون الأجواء مختلفة لهذه الدرجة؛ مليئة بالتشاحن، ومتكدسة في عزلة قسرية يشهدها العالم بسبب فيروس كورونا المستجد. ومن الطبيعي أن يؤثر هذا الوباء على أكثر الأجواء اجتماعية وروحانية على الإطلاق، بعد ما أثر على أعياد القيامة المجيدة وشم النسيم.
ونحن نرى العزل يحاول جاهداً فرض سيطرته على حياة المصريين، الذين يتعاملون وكأن شيئاً لا يحدث. 

بالنسبة لي، وفي ظل إجراءات العزل تلك، كرجل انطوائي طوال سنين حياتي فإنني لا أعاني معاناة مثلما يعاني الآخرون، الأمور اختلفت بشكل طفيف. اضطررت لجلب الأرجيلة إلى المنزل، نظمت مواعيد شرب القهوة في البيت. وهكذا فقط، أعمل عدد ساعات أقل طبقاً لحظر التجول، أقرأ أكثر وأكتب أكثر، هذا ما يجعلني ألتزم بصدر رحب بالإجراءات المتخذة للتصدي للفيروس، أحياناً يصيبني الملل، ولكن في أغلب الأحيان أجد نفسي أعيش في نعيم أرضي بسبب قضاء الوقت بين القراءة والكتابة ومشاهدة المسلسلات والتدخين. عكس كل المحيطين بي تقريباً، مَن يعانون الملل بسبب الجلوس في المنزل لأكثر من 12 ساعة.
لكن في الخارج الأمر مختلف تماماً، الزحام في الأسواق، والمسلسلات في آخر مراحل تصويرها، والبعض الآخر تم الانتهاء منه في ظل الأجواء المرعبة ما بين الخوف من العدوى والخوف من الفقر والخوف من أن يقتلنا الملل من الجلوس في منازلنا. نجد أن بعض الأمور لم تتغير، ونجد أن البعض يحاول أن يحافظ على طقوس معبودة في غباء وجهل يثير الاستفزاز، وأن الرأسمالية لا تهتم إلا بالمال، وأنها يمكنها أن تُبدل أي عامل بآخر وينتهي الأمر. لا مشكلة من موت عامل أو موظف في مؤسسة خاصة، سيتم تعيين غيره بعد دفن الأول أو ربما قبل الدفن.

ونجد أن كل طلبات إيقاف إنتاج المسلسلات والبرامج التافهة لم يتم الالتفات إليها إلا للاستهانة بها والنظر إليها باحتقار، ممسكين بأيدي الناس العليلة الممدودة للحصول على قوت اليوم، صائحين في وجوهنا كالديكة أن هؤلاء أول المتضررين، مثلهم مثل كل رأسمالي قبيح صدّر لنا وجهه طالباً بفك الحظر لعودة الحياة الاقتصادية، هم يريدون اقتصاداً حياً يتنفس حتى لو على أساس بشر في الحجر بين الحياة والموت.

وعلی الجانب الآخر نجد فريق المزاحمين، أصحاب السبق في تخزين المواد الغذائية كعلف المواشي. في العالم كله نجد أن التكدس في الأسواق أصبح أمراً عادياً لمحاولات التصدي للوباء! في غباء واضح من عامة العالم متصدري كوادر الصور التي تظهر الزحام. وكأننا عدنا لحياة الإنسان البدائي الذي لا يشغله سوی تأمين طعامه وشرابه، ولكن الفرق هنا أن هذا الإنسان هو من يصنع الأزمة بغبائه المعهود دوماً، وانسياقه خلف الرأسمالية التي أنجبت لنا كل الأسواق الاستهلاكية التي تهدف إلى مصّ أموال العامة حتی آخر جنيه. هؤلاء العامة يتوهمون أن استهلاكهم لكل هذا قد يحميهم بالفعل من المجاعة الحقيقة وقت حدوثها.

وبين هذا وذاك نجد الصائحين بفتح دور العبادة لأداء الصلوات الجماعية، داعين أن الرب سيتكفل بحمايتهم، والحقيقة أن هذا القول يشبه دعوات الانتحار الجماعي. 

لا أعتقد أن الأمر في النهاية سيمر مرور الكرام، لن ننجو بشكل تام من هذا الوباء، ولكن كل الاحتياطات والتدابير القائمة حالياً في مصر هي محاولات دؤوبة لتأجيل الكارثة أو إرجاء السقوط الفعلي أمام فيروس انهار أمامه جبروت العالم. لذا فلو مثلًا حدث فتح لدور العبادة فإن هذا لن يؤدي سوی لانهيار المنظومة الصحية، التي تعاني في الوقت الحالي، والتي لن يتم إنقاذ الناس إلا من خلالها، لا أظن أن الله بعظمته وحكمته وبهائه وسلطانه ورحمته قد يقبل بدعوات الانتحار تلك. لأن هناك ما يسمح للجميع أن يؤدوا الصلاة في منازلهم دون أي مانع، لأن الوباء الذي أغلق كل شيء في العالم، من مطارات ودور عبادة بكافة الطوائف ومدارس وجامعات ووزارات. هذا الوباء حقيقة. والله يعلم حقيقة ما تعانيه الأرض والبشرية الآن، فإن كنت تظن أن الله قد يقبل منك دعوات إصابة ملايين الناس بالعدوى كي تؤدي طقس عبادة يسمح الله لك بأدائه في منزل آمناً ومُعافی فأنت مخطئ. وإذا كنت تقارن دور العبادة بالأعمال الخاصة التي ما زالت مستمرة في العمل لجني المال فأنت مخطئ؛ لأن الإيمان لا يهتم بالمظهر وممارسة الشعائر على الملأ، ولا يجب أن يتم مقارنته بشيء، ناهيك عن أن المقارنة تتم بأفعال ندينها ونسبّها جميعاً ونصفها بأنها غير إنسانية، لأن أصحاب رأس المال من المفترض أن يحافظوا على شركائهم كما يدعون العمال الغلابة دائماً.

في كل هذه الأجواء يأتي رمضان، بين محاولات منع الاختلاط وتوقف الموائد والعزومات العائلية، وبين إصرار على فتح دور العبادة واستمرار العمالة وأكل العيش، بين المعقول واللامعقول يأتي شهر الصيام الذي سيضر بالكثير من الناس ولكنهم سيؤدون الفريضة على سبيل العند في الطب والناس التي ترفض ذلك. أتمنى أن لا يمر الشهر الكريم بخسائر أكثر من قدرة تحملنا، لأن الإنسان ضعيف، ولا يمكنه تحمل أكثر مما قُدر له تحمله.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد