"استعدوا لفراق أحبائكم" كانت تلك العبارة التي استخدمها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في وصفه أزمة فيروس كورونا التي تواجه العالم بأكمله، ربما يصنفها البعض على أنّها الجملة الأصعب في وصف الكارثة، لأنّها تصف خطورة الوضع، مع الزيادة اليومية في عدد الحالات المصابة حول العالم لرقم يقترب من مليوني فرد.
لكن هل سيكون خيارنا الوحيد في الأزمة هو الخوف؟ بالطبع لا، ربما يكون هو الشعور المسيطر في البداية، لكن مع مرور الوقت علينا أن نكون قادرين على تحجيم هذا الخوف، والتعامل مع المسألة بما تستحقه، فنحن في الأزمات نمر بمجموعة من المراحل، تبدأ بالخوف ثم يأتي بعد ذلك التعلّم للتأقلم على الوضع، ثم التطور وإمكانية التعامل مع المسألة بأفضل شكل طبقاً للمتاح، وهذا ما سوف نتحدث عنه في مقالنا اليوم، سنذكر كل المناطق التي نمر بها، وما هي السلوكيات التي تظهر على الأفراد؟ وكيف يمكن معالجتها للوصول إلى منطقة التطور؟
منطقة الخوف
كما ذكرنا هي المنطقة الأولى التي يتواجد بها الأفراد، وهي بداية مفهومة نتيجة أنّ الأزمة غير مألوفة لدى أغلبنا، لذلك تكون أغلب السلوكيات معتمدة على شعور الخوف فقط.
والخوف في حد ذاته ليس بمشكلة، لكن المشكلة أن تتركه يسيطر عليك طوال الوقت، وأن ينعكس على كل تصرفاتك التي تقوم بها.
1- شراء ما يزيد على الحاجة: نتيجة الخوف والاعتقاد بأنّنا سنواجه أزمة كبيرة مستمرة، يبدأ البعض في شراء ما يزيد عن حاجته من الطعام والشراب والدواء لتخزينه، كتصور أنّ هذا سيساعد مستقبلاً.
هذا الأمر حدث في بعض الدول، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قام الناس بشراء البضائع الموجودة في المحلات.
2- نشر المشاعر السلبية: يؤدي الخوف إلى إنتاج العديد من المشاعر السلبية، ولا بد أنّك في بداية الأزمة رأيت كيف وصل الحال بالبعض إلى وصف ما يحدث على أنّه نهاية العالم، وبالطبع فإن نشر هذه المشاعر يؤدي إلى تفاقم المشكلة، بسبب أن الخوف يُنتج المزيد من التصرفات الخاطئة.
3- الشكوى باستمرار: الكثير من الأعمال تعطلت نتيجة قرارات الحظر لتقليل التجمعات، مثل المطاعم والمقاهي، والبعض مهدد بخسارة عمله للأبد، لذلك تكثر الشكوى من الأفراد نتيجة لهذا الأمر، ويبدأ البعض في البحث عمّن يمكن لومه على ما يحدث، كالأشخاص الذين يخرجون من منازلهم، أو الحكومات التي تأخذ قرارات خاطئة، ظناً منه أنّ هذا قد يساعده في تخطي الشعور.
4- مشاركة الأخبار دون تحقق: لا نسلم يومياً من الآلاف من الأخبار عن الأزمة، والكثير منها يكون خاطئاً ومن مصادر غير موثوق منها، مثل الوصفات الغريبة التي يذكرها الناس كعلاج للكورونا، أو أن تناول المشروبات الكحولية يقي من العدوى، وغيرها من الأخبار الخاطئة.
وبالطبع نتيجة للخوف، فإن الكثير يشارك ما يقابله من أخبار دون التحقق من صحة المصدر، فيصبح من الصعب على من يتابع تحديد الصحيح من الخاطئ، فيؤدي هذا لمزيد من السلوكيات الخاطئة.
منطقة التعلم
عند إدراك الأشخاص بأهمية الخروج من منطقة الخوف، فإنّ هذا يعني إدراكهم لحقيقة ضرورية جداً في الوقت الحالي، وهي أننا لا نواجه هذه الأزمة بمفردنا، وبالتالي لا يمكن النظر لمسألة النجاة على كونها عملية فردية، فإمّا يمكننا تجاوز الأزمة سوياً كجماعات، أو سنفشل فيها كلنا كأفراد.
وبناءً على هذا الإدراك سيكون هناك فهم أعمق لأهمية المشاعر وأثرها على تجاوز الأزمة، بدايةً من أهمية التخلّص من المشاعر السلبية، ومروراً بما نتشاركه مع الآخرين من أفكار بهدف نشر مشاعر جيدة.
يمثل هذا الإدراك وما يتبعه من سلوكيات سنتحدث عنها، الانتقال من منطقة "الخوف" إلى منطقة "التعلم".
1- التخلّي عما لا يمكننا التحكم به: هناك العديد من الأشياء التي لا سلطة لنا عليها، مثل ما يقوم به الآخرون، وبالتالي يجب علينا أن نتخلى عن تفكيرنا في هذه الأشياء وكيفية التعامل معها، فنحن غير مسؤولين عن التزام الآخرين بالبقاء في المنزل، لكن نحن مسؤولون عن أفعالنا والالتزام بعدم الخروج إلا للضرورة.
2- التوقف عن الاستهلاك المبالغ به: فإن كانت النجاة عملية جماعية، فلا بد أن استهلاكي الزائد سيؤثر على خيارات الآخرين، وقد يؤدي إلى زيادة الأسعار لبعض السلع، بالتالي يجب التحكم في عمليات الشراء والاستهلاك من الطعام والشراب والدواء.
3- التعرّف على المشاعر: نحن لا نريد أن نترك الغضب والخوف يتملكان زمام الأمور، يجب أن نكون قادرين على التعرّف على كل المشاعر بداخلنا، وأن نفسح المجال للمشاعر الإيجابية أيضاً للظهور.
4- الوعي بالموقف وبما يجب علينا فعله: هل سنكتفي فقط بمشاهدة الأخبار ومتابعة الأرقام؟ هذا ليس الخيار الأفضل، يجب علينا فهم الموقف جيداً وخياراتنا في المواجهة، والتفكير فيما يجب فعله الآن، وعمل برنامج لاستغلال الوقت، مثلاً تعلّم أشياء جديدة أو ممارسة رياضة معينة.
5- التحقق من المعلومات: يجب أن نركّز جيداً مع مصادر المعلومات التي تصل إلينا، والتأكد من صدقها أو كذبها قبل التسليم بها كحقائق، والأفضل أن تكون متابعتنا متجهة من البداية للمصادر الموثوق منها كموقع منظمة الصحة العالمية، هذا الأمر يساعد في الحفاظ على سلامتنا النفسية.
6- إدراك أن الجميع يبذل قصارى جهده: كما ذكرنا فإن الأزمة غير مألوفة، وبالتالي فإن الجميع يبذل قصارى جهده، أو على الأقل يجب أن نتخلّص من مشاعر اللوم من داخلنا، لأنّ هذا سيؤدي إلى تفاقم الوضع وعمل فجوة بيننا وبين الآخرين.
7- البحث عن الفرص: في كل محنةٍ منحة، هذا مبدأ أؤمن به حقاً، وبالطبع قد تكون هناك العديد من الفرص التي يمكننا الاستفادة منها، لا سيّما مع التغيّر المحتمل لشكل العالم بأكمله بعد نهاية الأزمة، وظهور أفكار جديدة للعالم.
فيمكننا على سبيل المثال أن نبدأ في تعلّم البرمجة أو التجارة الإلكترونية، لأنّها وظائف تشهد زيادة في حجم الطلب عليها حالياً.
منطقة التطور
بعد الانتقال إلى منطقة "التعلّم" وبداية الوعي الحقيقي بكيفية التعامل مع الأزمة، يمكن تصنيفها على أنّها مرحلة الأمان، لكن مع مرور الوقت يمكننا أن نبدأ في تطوير سلوكياتنا وما نقوم به، وهذا يعني انتقالنا إلى المرحلة الثالثة، وهي مرحلة "التطور".
1- التفكير في الآخرين وكيفية مساعدتهم: لم يعد الأمر هنا مقتصراً على الأفعال التي أقوم بها لذاتي، بل يشمل أيضاً التفكير في الآخرين من حولي، وكيف يمكنني أن أساعدهم.
هذه المساعدة قد تحدث بالاعتماد على مهاراتك الشخصية، كأن تقوم بتعليم مجموعة من الأشخاص هذه المهارات من خلال التعلم الإلكتروني.
أو إمكاناتك البدنية، كأن تساعد جيرانك من كبار السن في شراء احتياجاتهم.
أو أي شيء تملكه ويمكنك من خلاله تقديم العون للآخرين.
2- العيش في الحاضر والتفكير في المستقبل: كما ذكرنا فإنّ الأزمة قد تطول، بالتالي فنحن نعيش في الحاضر ونخطط للتعامل معه بأفضل شكل، مثل التفكير في كيفية العمل من المنزل ومواجهة التحديات الخاصة بهذا الأمر.
ونفكّر كذلك في المستقبل وفي الخطط المناسبة له، مثل هل يجب علينا تعلّم أو شراء شيء معين ليساعدنا في استمرارنا في وظائفنا الحالية؟ وإن كنّا بصدد تعلّم شيء جديد متى ينبغي علينا الانتهاء من ذلك حتى يكون في مقدورنا استغلاله للعمل.
3- التعاطف مع الذات ومع الآخرين وتقديرهم: في المنطقة الماضية فنحن قد توقفنا عن لوم الآخرين، لكننا في هذه المنطقة نبدأ في التعاطف مع ما يمرّون به من أزمات، ونبدأ كذلك في تقدير مجهوداتهم التي يقومون بها في ظل الأزمة.
كأن نشارك على صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي أي أفعال إيجابية، مثل مجهودات الأطباء أو اتّباع الأفراد للإجراءات الوقائية، أو الالتزام بتنفيذ الحظر والبقاء في المنزل.
4- الحفاظ على الحالة النفسية ومحاولة نشر المشاعر الإيجابية: من المهم التفكير في الحالة النفسية وكيفية الحفاظ عليها في الظروف الحالية، وأن نستبدل المشاعر السلبية بالإيجابية، بل والعمل على نشرها بين الأفراد.
5- البحث عن وسائل للتأقلم: في رأيي فإن مهارة التأقلم بشكلٍ عام هي من أهم المهارات التي يحتاج إليها الإنسان في حياته، لأننا دائماً ما نمر بظروف متنوعة، وبالتأكيد لا يوجد ظرف أصعب مما نمر به حالياً، ونحن لا نريد أن نظل واقفين دون حركة، فالحياة ستستمر بلا توقف، لذلك لا بد أن نفكر في كيفية التأقلم معه، ومحاولة الوصول إلى الطرق المثلى للقيام بذلك، مثلاً: نحن غير معتادين على البقاء في المنزل، كيف يمكننا أن نفعل هذا، بل وبشكلٍ مفيد؟ البعض الآخر غير معتادٍ على أداء الوظائف من البيت، كيف يمكنه أن يحافظ على إنتاجيته في هذا الظرف؟ وغيرها من المواقف التي تحتاج إلى التأقلم.
كيف يمكنني الوصول إلى منطقة التطور؟ 5 خطوات ستساعدك على فعل ذلك
لكلٍّ منّا منطقته التي ربما ينتمي إليها في الوقت الحالي، لكن يجب علينا أن نحاول دائماً الوصول إلى منطقة التطور، فهي المرحلة التي تجعلنا قادرين على التأقلم مع الأزمة حتى يمكننا تجاوزها على خير، وعليك أن تدرك جيداً أنّ الأمر لا يشبه الألعاب، فعندما ننتهي من مستوى معين فإنّه لا يعود، فنحن في تطوّر دائم مع الأحداث، فالمهم هو سعيك الدائم للوصول إلى منطقة التطور، من خلال هذه الخطوات الخمس:
1- افهم السلوكيات الخاصة بكل منطقة جيداً: يجب أن تتأكد من فهمك للسلوكيات الخاصة بكل منطقة، والهدف من هذا الأمر أن تدرك محور كل منطقة، فالخوف يدور حول التصرفات التي نقوم بها بصورة فردية، وتشمل ضرراً علينا وعلى الآخرين، أما التعلّم فيدور حول سلوكيات تركّز على فهم الأزمة، وتعريف مشاعرها، والتأكيد على مبدأ المشاركة ما بيننا جميعاً كأفراد، ثم تأتي منطقة التطور لتخبرنا بالسلوكيات التي من شأنها أن تجعلنا قادرين على التعايش والاستفادة من الوضع الحالي بأفضل شكل ممكن.
2- حدِّد منطقة وجودك حالياً: طبقاً للسلوكيات التي عرضناها لكل منطقة والمحور الخاص بها، في أي واحدةٍ يمكنك أن تصنف وجودك حالياً؟ لأنّ هذا سيساعدك على فهم نفسك جيداً، وسيجعلك قادراً على تحديد ما تحتاجه للانتقال للمنطقة التالية.
3- راقِب تطورك تدريجياً: يجب أن تراقب ذاتك أثناء قيامك بالسلوكيات المختلفة، وتحدد الاختلافات التي تحدث معك حتى يمكنك الوصول إلى منطقة التطور.
عليك أن تدرك أنّه من المحتمل في بعض الأوقات أن تملك سلوكيات من كل منطقة، فربما لا يكون في مقدرتنا السيطرة على الخوف بشكلٍ كامل، لكن المهم أن يكون هناك توازن بين السلوكيات، ولهذا فإنّ المراقبة مهمة، لأنّها تجعلنا أكثر وعياً بالتغيّرات التي تحدث معنا من وقتٍ لآخر.
4- احذر من الآثار السلبية للأزمة: لاحظ أنّه في بعض الأحيان قد تواجهك بعض الأزمات والمشاكل، والتي من شأنها أن تجعلك تتراجع خطوة، وربما منطقة كاملة، لذلك عليك أن تنتبه لهذه الأسباب، وأن تبدأ في التعامل معها حتى لا تؤثر عليك مرة أخرى.
وتذكّر أن الوصول إلى القمة قد يكون أسهل من الحفاظ عليها، لذلك عند وصولك لمنطقة التطور فلا تظن أنّ الأمور انتهت، فطالما الأزمة موجودة، فإن هذا يعني ضرورة أن نبذل مجهوداً للتعامل معها.
5- جهّز خطتك للأمر: نحن نتحدث عن مراحل انتقالية من منطقة لأخرى بما يشمله هذا من تحديات عديدة، فلا يمكن أن نواجه الأمر بشكلٍ جيد دون التخطيط له، بما يشمل كل الخطوات التي ينبغي علينا القيام بها، وكيف يمكن لنا التعامل مع كل منطقة حتى الانتقال للتالية، ختاماً بالوصول إلى منطقة "التطور" والبقاء بها دائماً.
تذكّر صديقي القارئ، ما بين الخوف والتعلّم والتطور، أنت وحدك من يمكنه اختيار الانتماء لأي منطقة، فاحرص على أن يكون خياراً يساعدك على النجاة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.