«بيلا تشاو» أو «وداعاً أيتها الجميلة».. أغنية هزمت الرأسمالية

عدد القراءات
7,175
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/21 الساعة 12:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/21 الساعة 14:54 بتوقيت غرينتش
"بيلا تشاو": الحظ في زمن المأساة

بعد أن اجتاحت جائحة كورونا العالم وبدأت حكومات العالم في اتخاذ التدابير الصحية اللازمة للحد من انتشار الفيروس، والتي كان من أهمها التباعد الاجتماعي، وعدم الاختلاط. وطبقت تلك التدابير نسبياً بحسب وضع كل دولة والتزامها مرحلياً بهذه التدابير. حتى وصل الحال مع تزايد حالات الإصابة، والتي تعدت الــ2.5 مليون والوفيات إلى ما يتجاوز الـ170 ألفاً، لأن تعاني أوروبا ثم أمريكا بشدة غير مسبوقة، ومن ورائهما يعاني العالم كله حتى أقاصي إفريقيا من فيروس كورونا. وتحول العالم إلى مدن أشباح متصلة جغرافياً أو إعلامياً، ما زاد من مخاوف البشر، وجعل الحكومات تشدد إجراءاتها وأغلقت مشاريع قائمة وتوقفت مشاريع بادئة أو حتى كانت تتطلع إلى البدء فيها.

تجارب صناعية وتجارية وفنية وإعلامية خسرت قبل أن تبدأ. فكم من مشروع وضعت له دراسات جدوى دقيقة صرف عليها الكثير لضمان نجاح المشروع؛ دراسة للسوق والعينة المستهدفة وأسعار المنافسين وجودة المنتج وقدرته على المنافسة والمناطق الجغرافية المخطط التسويق فيها مع انطلاق المشروع، وتلك التي سيتوسع في حدودها المشروع، وتكاليف الإنتاج وأجور العاملين، كلها وضعت في الاعتبار عند دراسة الجدوى للمشروع، لكن شيئاً واحداً لم يوضع في الاعتبار، وإن كانت العلوم الإدارية المحاسبية والقانونية نصت عليه في فضاءاتها التنظيرية.. نظرية الخطر الداهم. وهي النظرية التي كتب فيها كتاب الإدارة والتأمين والمحاسبات والاستراتيجيات ونظم لها كتاب القانون في الغرب والشرق، وسبقهم في ذلك كتاب الشريعة الإسلامية وفقها، مع ذلك لم يدرك أحد أن جائحة كالتي يعيشها العالم الآن يمكن أن تحول كل دراسات الجدوى التي أجريت إلى ماكينات إعادة التدوير.        

رأسمالية تشاو 

على الرغم من أن المسلسل الإسباني لا كاسا دي بابيل أو (بيت من ورق) وإن كان ناجحاً، إلا أنه مع ذلك لا يمتلك مقومات المسلسلات الدرامية الكبيرة التي تترك الأثر اللازم لكي تضع بصمة في تاريخ الدراما العالمية أو حتى الإسبانية. مع ذلك فإن الظروف التي عرض فيها المسلسل والأغنية التي تضمنها، جعلت المتابعين في العالم يبحثون عن المسلسل نفسه ليشاهدوه. الأغنية التي نتحدث عنها هي أغنية بيلا تشاو (وداعاً أيتها الجميلة) وعلى الرغم من أن المسلسل إسباني فإن الأغنية إيطالية، مستمدة من أغاني المقاومة الإيطالية ضد الفاشية في الحرب العالمية الثانية، وهي الأغنية التي كان يودع بها المقاومون زوجاتهم قبل الذهاب للقتال.

في مشهد عبقري موحٍ ومعبر، يؤدي البروفيسور، زعيم عملية سرقة دار سك وهي العملة التي يقوم عليها محور المسلسل في أجزائه الأربعة، وبرلين، صديقه وزميله في العملية، الأغنية النضالية الإيطالية بيلا تشاو: (صباح يوم ما، أفقت من النوم يا جميلة وداعاً.. وداعاً، أفقت من النوم ورأيت وطني محتلاً، إن مت كمقاوم فعليك دفني أعلى الجبل تحت ظل وردة، حتى إذا ما مر الناس يقولون ما أجمل تلك الوردة، إنها وردة المقاوم الذي استشهد حراً.. وداعاً.. وداعاً يا جميلة)  

وعلى الرغم من أن سير الأحداث لا يتفق ظاهرياً مع الأغنية الأشهر في العالم الآن تقريباً، إلا أنها حققت نجاحاً مبهراً رفع أسهم المسلسل في جزئه الرابع وباقي أجزائه الثلاثة السابقة إلى أعلى مشاهدات على الشبكة العنكبوتية. ذلك لأن الخلفية الرمزية للأغنية وتوظيفها مع ملابس العصابة التي لم تكن لتختار جزافاً وإنما لإكمال الفكرة، فقد كان القناع الذي يرتديه اللصوص (سلفادور دالي) الذي يعتبره البعض مجنوناً فوضوياً نرجسياً، والبذلة الحمراء التي يلبسها المحكومون بالإعدام عادة وتلك الأغنية الثورية ضد الفاشية هي رسالة مفادها أن عملية السرقة هي عملية مقاومة اجتماعية نفذها الفقراء ضد الرأسمالية المتوحشة. والتي في الأغلب ستنتهي بالإعدام مع اتهامات بالفوضوية وعدم احترام القوانين التي وضعتها الأغنية للمحافظة على مكاسبهم المادية والاجتماعية. 

جائحة كورونا التي هزمت الرأسمالية العالمية وأنظمتها الصحية والمالية والاقتصادية وهزمت كذلك البروباغندا الخادمة لها كشفت الغمام عن أعين الكثيرين، ومع بقاء الناس في منازلهم وانفكاكهم من سطوة الرأسماليين المتوحشين الذين يستخدمونهم كتروس لا يريدون لها أن تتوقف لجني مزيد من المال. بدأت هذه التروس تشاهد العالم من حولها وكان الحظ حليف تلك الأغنية (بيلا تشاو) التي روج لها الإعلام كرمز لصمود الفقراء للبقاء على قيد الحياة، ليظلوا في خدمة تلك الطبقة المتوحشة، وتناقلها العامة على أنها أحد دوافع النضال ضد تلك الحياة التي لم يخططوا لها وإنما دفعوا لها دفعاً منذ أن سيطر الرأسماليون على العالم، فلقد كانت تلك الأغنية (بيلا تشاو) كلمة الحظ للفقراء في زمن المأساة.    

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسر عبدالعزيز
كاتب وباحث سياسي
ياسر عبد العزيز هو كاتب وباحث سياسي، حاصل على ليسانس الحقوق وماجستير في القانون العام. كما حاز على دبلوم الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، وهو الآن عضو مجلس إدارة رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج في اسطنبول ومدير مركز دعم اتخاذ القرار بحزب الوسط المصري.
تحميل المزيد