قبل أي شئ أقول أنه لا يوجد ما يبرر أو يسطو على النفس ويصور، بأن لنا أو لها الحق، في أن نأكل لحم إنسان بيننا وبينه خلاف قد دقّ، بلا أخلاق ولا لين ولا رفق. بالخوض في حياته وخصوصياتها، فإن لها حرمة مَن تجاوزها لا ضمير له ولا ذمة، فلكل إنسان أيما يكن ومع أي تيار أو فريق كان كامل الحق في أن يُصان شخصه وعرضه وبيته، ويسعنا في النقد لسعاً ولدغاً الصفات وما نقدمه من بذل وعطاءات في شتى التخصصات والساحات في إطار الموضوعية.
كنت أود أن أنطلق مباشرة نحو توجيه ما وجدته من مآخذ -وفق وجهة نظري- على محتوى بعض حلقات عبدالله الشريف، ولكن متابعتي لحملات التشويه المنظمة التي تستهدف عبدالله على مدار الأيام الماضية والترويج لما سمَّوه فضائح أخلاقية عبر نشر محادثات وتسجيلات صوتية ومقاطع فيديو تدعي المنصات أنها بينه وبين فتيات على علاقات عاطفية معهن، أردت أن أوكد أن مثل هذه التسريبات -وإن صحت- لا وزن لها ولا قيمة ما دامت تمسّ حياته الخاصة، وكل منا حر ولا سلطان لأحد عليه أو حكم.
وكان يسعه أن يُكذب كل ما جاء إن كان غير صحيح في كلمة ويتمسك بحقه في ألا تنتهك حياته الخاصة، بدلاً من أن يخصص لها حلقة قل فيها كلامه الذي شابه التخبط وغمض الرسالة، حيث بدأ معترفاً بصحة ما نُشر مبرراً بأنه إنسان وكل إنسان له زلات ثم تطرقه لفبركة المحادثات على استحياء قبل أن يودع جمهوره على أمل اللقاء بعد العيد، واستكمل الحقلة بعرض المراسلات المنسوبة إليه!
ثم عاد في اليوم التالي للحلقة ببث مباشر وبرواية جديدة حول المراسلات ذكر فيه أنه مَن أوقع بالصحفي الذي نشر التسريبات الخاصة به وتواصل معه على أنه إحدى ضحاياه! فالأمر لا يعدو كونه تمثيلية من سيناريو وإخراج وبطولة عبدالله! رواية لا تساعد على محاصرة نقاش غير شرعي حول حياته الخاصة ولكنها تفتح الباب أمام مزيد من اللغط والتفسيرات، فإذا كانت كذلك فلماذا لم يعلن عنها في حلقة الأمس الذي خصصها من الأساس للرد على التسريبات؟ استفهام يثير الشكوك بأن هناك منَ نصحه بأن يختلق مثل هذه الرواية لينتقل من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، ناهيك عن حالته في البث المباشر التي لم ألاحظ فيها ثقته المعتادة عند صدقه، وربما صدق ونحن عن صدقه لغافلون!
وعلى أية حال دعونا ننتقل إلى مقصدي من المقال والكشف عن ما صال وجال في البال.
ظهر أمامي منذ أيام مقطع فيديو لبرنامج أحمد طه على قناة "الجزيرة مباشر" مستضيفاً عبدالله الشريف، للتعقيب على واقعة اعتقال أشقائه بعد نشره مقطع فيديو لعناصر من الجيش المصري تمثيل بجثة الشاب في سيناء، لفت انتباهي عصبية شديدة على ردوده، وهذا بالتأكيد متفَّهم ومحل تقدير لصعوبة الموقف.
وأعلن بصراحة وعفوية اعتزامه نشر فضائح للسلطة في حلقاته القادمة كانت خارج خريطة عمله بدافع المروءة والأخلاق، ولكن السلطات تجبره على تجاوز تلك القيم والتحول من الاعتدال إلى التطرف. بمشاهدة هذا الفيديو تملكتني الرغبة في مشاهدة الحلقة القادمة له على عكس عادتي بعدم الاهتمام بمشاهدة حلقاته.
تابعت كمشاهد الحلقة والذي أطلق فيها توصيفاً لأتباع السلطة ونعتهم بـ"المعيز" وبعيداً عن النظرات التقييمية للرجل وغيره من أصحاب الإطلالات المماثلة على مواقع التواصل الاجتماعي، مع حفظ حقه في إتقان عمله وتوظيف إمكانياته للظهور بأفضل أداء ممكن وإحداث قلق وصداع في رؤوس مؤيدي النظام في مصر بالمواد التي تعرض في بعض حلقاته.
استوقفني في مجريات الحلقة بعض الأمور التي وردت على لسانه تستوجب من وجهة نظري تسليط الضوء ولو قليلاً، بموضوعية بحتة بعيداً عن دوائر الاستقطاب، فمن كان من المحبين هلل وكبر واستكبر رافضاً أن يرى ما يدعو للتوقف عند وقوع خطأ، وعلى النقيض من لا يتوافق هواهم معه واختاروا أن ينطلقوا دائماً من مربع المتربصين المتصيدين للأخطاء.
تسليط الأضواء على الإيجابي وطمس الأخطاء مهما تعاظمت، إفراد مساحات وتسخير طاقات وتطويع كلمات وتسليط الألسنة على خطأ الرجل وجلده وإغفال ما جاء به من حق مهما كبرت قيمته.
أولاً:
وفق معايير حرمة الحياة الخاصة شرعاً وقانوناً فلا يحق لأحد الخوض فيها وعرض معلومات وصور خاصة لأي إنسان حتى وإن كان أحد المنتمين لنظام استبدادي لا يراعي أبسط الحقوق وينتهك الحرمات. ومن وجهة نظري أنه لا يمكن التذرع باستبداد الخصم وبقواعد السياسة التي تسمح بهذه السلوكيات، لقبول التلصص أو فضح إنسان.
على الصعيد السياسي نجد أن التلصص والتجسس والحصول على صور ومراسلات خاصة للأشخاص السلوكيات الرائجة بين الفاعلين السياسيين في مصر تقوم بها السلطة وغيرها من مكونات العملية السياسية، لكن انتهاج هذه السلوكيات بانتهاك حرمة الحياة الخاصة لأي إنسان جريمة غير قانونية وغير أخلاقية بغض النظر عن أشكال استخدام المعلومات الناتجة عن عمليات التجسس.
أعتقد أن أي طرف سياسي سطت عليه النظرية الشعبية المصرية "اللي تلعب به إكسب به" واجتذبته نحو إجادة الممكن دون ضابط أو رابط للإثخان في عدوه فضحاً وتجريساً بالنيل من أحد جنرالات السلطة، فما الداعي للإفراط في الأذى وفضح ستر مَن لا علة له معهم ولا زعل بذكر اسم الزوج الذي تقيم زوجته علاقة غير مشروعة مع اللواء المقصود فضحه، والتطرق لتفاصيل غير أخلاقية أكثر انحداراً.
لقد كان كافياً جداً ما دام المذيع لا يجد حرجاً ولا تقيده قيمة في هذه النقطة أن يركز فقط على اسم اللواء دون التطرق لتفاصيل تُسيء لمن لا حساب له معهم.
ثانياً:
أطلق لفظ المعيز على كل مؤيد للسلطة أو منتمٍ لها، وهو أيضاً نعت يحطُّ من كرامة المقصودين به ولا يقل في وضاعته عن لقب "الخرفان" المراد به إهانة كل معارض للسلطات وفي مقدمتهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
أما موقف الشرع من تلك الألقاب المنتقصة لقيمة من كرمه الخالق فلا أعرف إن كان هذا النعت جائزاً شرعاً أم لا لكلا الطرفين وخاصة عبدالله باعتباره من المنتمين للتيار السلفي أو هكذا يبدو من سَمْته. اللقب دارج ومعمول به وفق قواعد الشارع المصري وأصول الصياعة والقلش الدارج فيه لا غير ذلك.
ثالثاً: الختام وحُسن الكلام
لم أتابع من حلقات المذيع ذائع الصيت إلا حلقتين طوال حياتي، الحلقة محل النقاش وحلقة الكشف عن مشاهد التمثيل بجثة الشاب في سيناء، وتشابها في مدد تقديم الموضوع الطويلة والتي تستحوذ على أكثر من 90% من وقت الحلقة "14 دقيقة تقريباً" يستعرض فيها حبكة الإعداد ورصّ الكلمات ونقل الوجه بين الكاميرات.
وبعد الإفراط ومع قرب انتهاء الحلقة يكشف عن الموضوع في ثوانٍ معدودة "من الدقيقة 09:29 إلى الدقيقة 10:25" ويعرض المادة المرئية مع تعقيب وتصويب سهامه نحو المستهدفين ثم الخاتمة وهنا أصل رابعاً.
لاحظت ثقة جمة في حديث ختام الحلقتين وبصورة كربونية قائلاً وبدا عليه الإعجاب بنفسه وما وصل له من درجات تأمين وسائل اتصاله تستعصي على الأجهزة الأمنية المصرية عارضاً رقم هاتفه الأمريكي المخصص لتواصل جمهوره وإمداده بما لديهم من مستندات.
جميل جداً الأخذ بالأسباب وإغلاق كل باب في وجه المتجسسين والمتلصصين وتأمين أنفسنا وأعمالنا ولكن بوعي وإدراك لحقيقة عالمنا وقدرات المتحكمين فيه، وأعتقد أنه لا يخفى على عاقل مميز للأمور المحيطة أنه لا يوجد ما يستعصي على من يقودون عالمنا، خاصة إذا لاح في الأفق ما ينغص عليهم حياتهم أو يحبط مخططاتهم ويبدد آمالهم ويهدد مرادهم.
أكن ساذجاً غافلاً إذا كانت إجابتي بنعم عن السؤالين، وقطعاً لم ولن يسمح ولم ولن يترك دون تجسس وإذا زاد خطره وتأثيره لم ولن يسمح باستضافته في دولة جزء من المجتمع الدولي وأحد ركائز التطبيع وخاصة إعلامياً مع الصهاينة ولا حرج في ذكر المعلوم والثابت للجميع ولمن أراد أستطيع بما لديّ من وثائق ووقائع حدثت معي إثبات ذلك.
فهذه الثقة لا تخرج إلا من ثلاثة:
١- محدود في الرؤية واستيعاب أبعاد المساحة التي يهتم بها وصعد بحديثه عنها ولا عيب في ذلك أو سُبة فهناك من يجيد الكلام ويُحسن الظهور وهناك من يجيد التفكير والكتابة والفهم ولا يمتلك مهارة التعبير.
٢- على علم بحقيقة الأمور ولكنه أراد أمراً لا أفهمه بقول ما قاله في هذا الصدد، فإن قلت إنه أراد بذلك أن يبرز عنترية ويستعرض قوة غير حقيقية أمام محبيه لتزداد حفاوتهم به، وأرى أنه هدف بعيد لأنه لا يحتاج مثل هذه الخدعة.
٣- على علم بحقيقة الأمور، لكن حماسته في قول المحبوك مسبقاً بإتقان دفعه نحو الاستجابة لإشارات انفعالية يخلقها حماس الخاطبين المجيدين للخطابة وإلهاب مشاعر المناصرين.
حاولت أن أرى الحلقة برمتها في إطار رد انفعالي لغاضب على اعتقال أشقائه والنظر إلى المحتوى من هذا الجانب، ولكن هناك ما هو سابق لواقعة الاعتقال من أحداث منها حلقة تسريب الجيش وأيضاً حلقة هشام عشماوي.
تلك الحلقة التي نشر فيها أخباراً لها وجهان، فتمثل الوجه الأول في تجاوز معايير الوصول للحقيقة والبحث عنها من مصادر متعددة وإفساح المجال لأطراف الموضوع، حيث شاب معلوماته انتقائية المصادر وحصرها على رواية الأمن الوطني وإنزالها منزلة الحقيقة دون إفساح مجال لمحامي الطرف الثاني أو أسرته للرد.
أما الوجه الثاني فجاء مبنياً على أوله بيد ممثل الطرف الثاني الذي كذّب تلك المعلومات ووصفها بـ"المغلوطة"، وممثلي الطرف الثاني أهل ثقة بالنسبة لي سواء الأستاذ خالد المصري محامي عشماوي، أو الأستاذ نزار غراب محامي زوجته، ورغم ذلك أصرّ عبدالله على ما جاء به وأبى أن يكون كريماً مع نفسه قبل الجمهور بمجرد الاستماع لطرف تناوله في إحدى حلقاته.
حتى أنه لم يُفِض من عطائه إلا بتَكَبُّر غير مبرر مع المحامي وعضو مجلس الشعب السابق الأستاذ نزار غراب عندما تواصل معه بعد سعي لإطلاعه في إطار أخوي على الوجه الحقيقي للأمور التي شابها المغالطات باعتباره مطلعاً على الأمر. حيث فوجئ به يقول: "عندك اليوتيوب تقدر تعمل فيديو وترد عليّ".
هناك كارثة أعظم من الصراع بين الخير والشر تكمن في الاستسلام للأهواء وتآكل قيم أهل الخير بقدر غير محسوب، ظانين أن في ذلك خيراً ونصراً لن يتحقق إلا بالمواجهة المفتوحة من حيث الأدوات وتعطيل القيود مؤقتاً حتى تحقيق الغاية، هذا ما يصوره الشيطان لكل عبد يريد غوايته وصرفه عن الطريق المستقيم.
وبعيداً عن حساب الخالق لعباده فلا أعتقد أن هناك ضمانةً تسمح لأي إنسان بالتنازل عن قيمه وأخلاقه وربما دينه "بترك تعاليمه" للاستمرار في معركة لا يعرف مداها ومنتهاها، فالأقرب أن الاعتياد على أفعال يبدل من مواقعها في ضمائرنا.
فإذا كان الفعل يوماً كارثياً مع التكرار سيصبح خطأً غير مقبول ثم يقبل على مضض ثم يرى في وضع المقبول ولا ينتهي إلا سلوكاً يتميز به صاحبه وينتقل من دون علم أو رضى إلى معسكر الشر الذي عاداه في مستهلّ نضاله وإذا أراد العودة إلى الطريق سيجد نفساً شريرة تحاربه حرباً لن يقوى عليها.
رابط الحلقة:
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.