بطالة وعنف منزلي وزواج القاصرات.. ماذا سيحدث لو تفشى كورونا في إفريقيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/18 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/18 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
بطالة وعنف منزلي وزواج القاصرات.. ماذا سيحدث لو تفشى كورونا في إفريقيا؟

يمكن أن يؤدي وباء كوفيد-19 إلى تدمير وتهشيم أجزاءٍ من العالم النامي. ولكن باتباع نهجٍ منسقٍ تعاوني وشمولي، يمكن للمجتمع الدولي أن يتجنّب مأساةً إنسانيةً واسعة النطاق في تلك المناطق المعرضة للخطر، وأن يحمي بقية العالم من تبعات زعزعة الاستقرار في تلك المناطق.

أعطى انخفاض معدلات الإصابة بفيروس كورونا، والتخطيط للبدء في تخفيف إجراءات الإغلاق في بعض أجزاء العالم المتقدم بصيص أملٍ بعد أسابيع من الكآبة المتفشّية تفشي الفيروس. ولكن بالنسبة للعديد من البلدان النامية، ربما بدأت الأزمة بالكاد، وستكون الخسائر البشرية الناجمة عن تفشي كوفيد-19 فيها أكبر من نظيرتها في الدول المتقدمة.. إذا لم يتحرك المجتمع الدولي الآن فقد تكون النتائج كارثية.

إن منطقة جنوب الصحراء الكبرى مثالٌ واضح عما نتحدث عنه. ستواجه العديد من البلدان هناك تحدياتٍ كبيرة في تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي وغيرها من التدابير لتسطيح منحنى العدوى. وهذا يعني أن أنظمة الرعاية الصحية الضعيفة بالفعل في تلك المنطقة ستنهار سريعاً في حال تفشي المرض، خاصةً في منطقةٍ عالية الكثافة السكانية.

عانت إفريقيا منذ فترةٍ طويلةٍ من نقصٍ حادٍ في العاملين بمجال الرعاية الصحية، مع وجود 2.2 عامل فقط لكل 1000 نسمة (مقارنةً بـ 14 لكل 1000 نسمة في أوروبا) في عام 2013. وقليلٌ من البلدان الإفريقية لديها أعدادٌ ذات معنى من أجهزة التنفّس، وهي أداةٌ حاسمةٌ لعلاج الحالات المتقدمة من كوفيد-19. يقال إن نيجيريا لديها أقل من 500 في المجموع، في حين أن جمهورية إفريقيا الوسطى قد لا يكون لديها أكثر من ثلاثة.

علاوةً على ذلك لا تملك الحكومات الإفريقية جنوب الصحراء إمكانياتٍ ماليةٍ ونقديةٍ كبيرةٍ (أو القدرة التشغيلية) لمتابعة الدول المتقدمة في مواجهة التأثير الهائل لتدابير الإغلاق على العمالة وسبل العيش؛ إضافة إلى تبعات انخفاض عائدات السلع (بسبب انخفاض الطلب والأسعار)، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وانهيار السياحة، وانخفاض توافر السلع الأساسية، ونقص الاستثمار الأجنبي المباشر، وانخفاضٌ حادٌ في محفظة التدفقات المالية. 

دول جنوب الصحراء لا تخلو من بعض الوسائل الدفاعية في مواجهة فيروس كورونا -بما في ذلك الشبكات الأسريّة القوية والمرونة الثقافية، بالإضافة إلى الدروس المستفادة من أزمة إيبولا وغيره من الأوبئة- لكنْ هناك خطرٌ حقيقيٌّ من أن ضربة كوفيد-19 هذه ستجعلها في سباقٍ بين الجوع المميت من جهةٍ وتفشي الفيروس المميت من جهةٍ أخرى. قد تفشل بعض الدول التي أصبحت بالفعل هشّةً بسبب عقودٍ من القيادة السياسيّة الضعيفة أو الاستبداد الفاسد، الأمر الذي قد يؤجّج الاضطرابات العنيفة ويخلق أرضيةً خصبةً للجماعات المتطرفة.

لا تقتصر المخاطر على المدى القصير فقط، كما أن البلدان معرضةٌ لخسائر إنتاجيةٍ كبيرةٍ في المستقبل، سواءً من ناحية العمالة أو حتى رأس المال. ويمكن أن يسهم إغلاق المدارس المطوّل والبطالة في زيادة العنف المنزلي وحمل المراهقات وزواج الأطفال، خاصةً في البلدان التي تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية للتعليم عن بُعد.

ببساطةٍ قد تكون دول إفريقيا جنوب الصحراء على وشك مواجهة مأساةٍ إنسانيةٍ عميقةٍ لدرجة أنها يمكن أن تخلف وراءها جيلاً متخلفاً في بعض البلدان، مع عواقب تمتد إلى ما وراء حدود المنطقة. يوضح هذان المثالان تماماً مخاطر الآثار المتعددة الأوجه:

أولاً: من خلال تقليل الآفاق الاقتصادية الحالية والمستقبلية للأفارقة بشكلٍ كبيرٍ، يمكن أن تؤدي أزمة كوفيد-19 في النهاية إلى زيادة الهجرة أكثر بكثيرٍ من الأرقام المرتفعة حالياً بالأساس.

ثانياً: من خلال إحداث سلسلةٍ من حالات التخلّف عن سداد ديون الشركات والديون السيادية، يمكن أن يؤدي تفشٍّ غير منضبطٍ لكوفيد-19 إلى تفاقم عدم استقرار السوق المالية، على الرغم من الإجراءات التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي. وهذا يزيد من فرص امتداد الارتدادات من القطاع المالي إلى الاقتصاد الحقيقي.

إن حجم التهديد جعل صندوق النقد الدولي يتحرك بسرعةٍ وبجرأةٍ من خلال جهدٍ هائلٍ ومستمرٍ لزيادة تمويل الطوارئ. وقد اتصلت أكثر من 90 دولةٍ ناميةٍ بالفعل بصندوق النقد الدولي للحصول على مساعدةٍ مالية. ودعا الصندوق جنباً إلى جنب مع البنك الدولي الدائنين الثنائيين الرسميين، بما في ذلك الصين التي أصبحت دائناً رئيسياً في السنوات الأخيرة، إلى تعليق مدفوعات الديون من قبل البلدان النامية الأكثر فقراً. إضافةً إلى ذلك يقدم صندوق النقد الدولي تخفيفاً فورياً لأعباء ديون 25 دولةً من الدول الأعضاء ذات الدخل المنخفض، باستخدام موارد المنح لتغطية التزامات خدمة الديون المتعددة الأطراف لمدة 6 أشهر.

وفي الوقت نفسه قدمت بعض الدول مثل الصين، تبرعاتٍ طبيةٍ عينيةٍ كبيرةٍ (ما وصفه مراقبون باسم "دبلوماسية أقنعة الوجه").

ولكن لتفادي الكوارث في المناطق المعرضة للخطر، يجب على المجتمع الدولي أن يفعل الكثير. يجب على الاقتصادات المتقدمة على وجه الخصوص، أن تضيف للتحيز للداخل الذي يبدو (مفهوماً الآن) استجابةً أوسع للتأثيرات العالمية، بما في ذلك الآثار غير المباشرة على إفريقيا وآثارها. مثلما عليهم توسيع المساعدة التمويلية الرسمية، وتخفيف أعباء الديون على نطاقٍ أوسع، وإنشاء صندوق تضامنٍ دوليٍّ على وجه السرعة يمكن أن تنضم إليه دول أخرى، بالإضافة إلى القطاع الخاص.

علاوةً على ذلك ينبغي للبلدان المتقدمة أن تفعل المزيد لتتشارك أفضل الممارسات لاحتواء الوباء وتخفيفه. لتسهيل هذه العملية تحتاج منظمة الصحة العالمية إلى القيام بعملٍ أفضل يتمثّل في مركزة ونشر المعلومات ذات الصلة. يأمل المرء أن تقوم قيادات الاقتصادات المتقدمة قريباً بجعل أيّ علاجٍ يشفي من المرض أو حتى لقاحٍ متوفراً على النطاق العالمي.

وأخيراً يجب على المجتمع الدولي أن يفعل الكثير لحشد موارد القطاع الخاص. وكما فعل في البلدان المتقدمة يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً هاماً في الاستجابة للأزمات في المناطق المعرضة للخطر، سواء بشكلٍ مباشرٍ أو من خلال تكاثر الشراكات بين القطاعين العام والخاص. في حين أن شركات الأدوية والتكنولوجيا ستقوم بالكثير من العمل الشاق، يمكن للدائنين من القطاع الخاص المساعدة من خلال العمل على اتّخاذ إجراءاتٍ للحد من عبء الديون الفوري على البلدان النامية الأكثر تعرضاً للتحديات.

ولكن مرةً أخرى سيتطلب هذا تركيزاً أكبر على آليات التمكين. وستكون هناك حاجةٌ إلى تحولٍ أكبر في العقلية من جانب المقرضين متعددي الأطراف والهيئات الدولية الأخرى (بما في ذلك البنك الدولي).

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد العريان
كبير المستشارين الاقتصاديين لدى شركة Allianz الألمانية
تحميل المزيد