لن تنجو دولة دون أخرى.. الوباء عالمي ويحتاج حلاً عابراً للقارات

عدد القراءات
7,432
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/17 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/17 الساعة 14:13 بتوقيت غرينتش
لن تنجو دولة دون أخرى.. الوباء عالمي ويحتاج حلاً عابراً للقارات

إنّ الآثار على الصحة العامة والتأثير الاقتصادي لوباء كوفيد-19 على الاقتصادات النامية والناشئة بدأت تظهر للتو، ولكن من الواضح بالفعل أنّ الخسائر ستكون مدمرة. إذا أراد المجتمع الدولي تجنّب موجةٍ من التخلّف عن السداد، فعليه البدء في وضع خطة إنقاذٍ على الفور.

 لم يعر انتشار الفيروس التاجي (كورونا) الجديد من دولةٍ إلى أخرى، انتباهاً إلى الحدود الوطنية أو الجدران الحدودية "الكبيرة والجميلة". وهو ما ينسحب على امتداد آثاره الاقتصادية التي تبعت هذا الانتشار. كما كان واضحاً منذ البداية، فإن جائحة كوفيد-19 مشكلةٌ عالميةٌ وتتطلّب حلاً عالمياً.

في الاقتصادات المتقدّمة في العالم، ينبغي أن تكون الرحمة دافعاً كافياً لدعم استجابةٍ متعددة الأطراف. لكنّ العمل العالمي هو أيضاً مسألة مصلحةٍ ذاتيةٍ. طالما أنّ الوباء لا يزال مستعراً في أي مكان، فإنّه سوف يشكل تهديداً – وبائياً واقتصادياً – في كل مكان.

بدأ تأثير كوفيد-19 على الاقتصادات النامية والناشئة في الكشف عن نفسه فقط. هناك أسباب وجيهةٌ للاعتقاد بأنّ هذه البلدان ستعاني من هذا الوباء أكثر بكثيرٍ من الاقتصادات المتقدمة.  يميل النّاس في البلدان المنخفضة الدخل إلى العيش على مقربةٍ من بعضهم البعض. تعاني نسبةٌ أعلى من السكان من مشاكل صحيّةٍ موجودةٍ مسبقاً تجعلهم أكثر عرضةً للإصابة بالمرض. والأنظمة الصحية في هذه البلدان أقل استعداداً لإدارة الوباء من تلك الموجودة في الاقتصادات المتقدمة (التي بالكاد تعمل بسلاسة).

يقدّم تقرير 30 مارس/آذار الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لمحةً مبكرةً عمّا يخبئ للاقتصادات الناشئة والنامية. يعتمد أكثر هذه الاقتصادات نجاحاً على النمو القائم على التصدير، والذي سينهار الآن مع انكماش الاقتصاد العالمي. ليس من المستغرب أن تدفقات الاستثمار العالمي تتراجع أيضاً، وكذلك أسعار السلع، ممّا يشير إلى طريقٍ صعبٍ أمام الموارد الطبيعية أيضاً.

وقد انعكست هذه التطورات بالفعل في فروق العائد على الديون السيادية للبلدان النامية. سوف تجد العديد من الحكومات أنّه من الصعب للغاية تجديد الديون المستحقة هذا العام بشروطٍ معقولةٍ، إن وجدت.

علاوةً على ذلك أمام البلدان النامية خياراتٌ أقل وأصعب بشأن كيفية مواجهة الوباء. عندما يعيش الناس يداً بيدٍ في غياب الحماية الاجتماعيّة الكافية، فإنّ فقدان الدخل قد يعني المجاعة. ومع ذلك لا تستطيع هذه البلدان تكرار الاستجابة الأمريكية، التي تتضمّن (حتّى الآن) حزمةً اقتصاديةً بقيمة 2 تريليون دولار ستفجّر العجز المالي بنحو 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي (بالإضافة إلى عجزٍ سابقٍ للوباء بنسبة 5٪).

بعد قمّةٍ طارئةٍ في 26 مارس/آذار أصدر قادة مجموعة العشرين بياناً تعهّدوا فيه "بالقيام بكل ما يلزم واستخدام جميع أدوات السياسة المتاحة للحد من الأضرار الاقتصادية والاجتماعيّة الناجمة عن الوباء واستعادة النمو العالمي والحفاظ على استقرار السوق وتعزيز الصمود". ولتحقيق هذه الغاية يمكن القيام بشيئين على الأقل بشأن الحالة السيئة في الاقتصادات الناشئة والنامية:

أولاً: يجب الاستفادة الكاملة من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، وهي شكلٌ من أشكال "الأموال العالمية" التي تمّ تفويض المؤسسة بإنشائها عند تأسيسها. حقوق السحب الخاصّة هي عنصرٌ أساسيٌّ في النّظام النقدي الدولي الذي دافع عنه جون ماينارد كينز خلال مؤتمر بريتون وودز لعام 1944. والفكرة هي أنه: لأن من الواضح أن جميع البلدان تريد حماية مواطنيها واقتصاداتها خلال الأزمات، يجب أن يكون لدى المجتمع الدولي أداةٌ لمساعدة الدول الأكثر احتياجاً دون مطالبة الميزانيات الوطنية بتحمل كافة التبعات.

إنّ إصدار حقوق السحب الخاصة المعيارية – مع توجيه حوالي 40٪ من حقوق السحب الخاصّة إلى الاقتصادات النامية والناشئة – سيُحدث فرقاً كبيراً. ولكن سيكون من الأفضل إذا تبرعت الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة أو قدّمت (بشروطٍ ميسّرةٍ) حقوق السحب الخاصة الخاصة بها إلى صندوقٍ ائتماني مخصصٍ لمساعدة البلدان الأكثر فقراً. يمكن للمرء أن يتوقّع أنّ البلدان التي تقدم هذه المساعدة سوف تضع شرطاً يتمثّل في: أنّ هذه الأموال لا تذهب لإنقاذ الدائنين.

من المهمّ أيضاً أن تساعد البلدان الدائنة الاقتصادات النامية والناشئة عن طريق الإعلان عن وقف خدمة الدين. لفهم سبب أهمية ذلك ضع في اعتبارك الاقتصاد الأمريكي. في الشهر الماضي أعلنت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية أنّه لن يكون هناك حبس الرهن "إنهاء العقد مع المدين" على الرهون العقارية المؤمّن عليها اتحاديًّا لمدة 60 يوماً. من حيث الجوهر فإنّ هذه السياسة هي جزءٌ من "إبقاءٍ" أوسع على الاقتصاد الأمريكي بأكمله كاستجابةٍ لأزمة كوفيد-19. يقيم العمال في منازلهم وتظل المطاعم مغلقةً وتغلق شركات الطيران جميعها. لماذا ينبغي السماح للدائنين بمواصلة جمع العائدات، خاصةً عندما كان ينبغي أن تكون أسعار الفائدة التي يتقاضونها قد خلقت بالفعل وسادة مخاطرٍ كافيةٍ؟ وما لم يمنح الدائنون مثل هذا "الإبقاء"، سيخرج العديد من المدينين من الأزمة بخسائر أكثر مما يمكنهم سداده.

إنّ مثل هذا "الإبقاء" لا يقلّ أهمية على المستوى الدولي مثلما هو في الدّاخل. في ظلّ الظّروف الحالية لا تستطيع العديد من البلدان ببساطةٍ خدمة ديونها، والتي في حالة عدم وجود "إبقاءٍ"عالمي على السداد، يمكن أن تؤدي إلى حالات تخلّفٍ هائلةٍ ومتداولة. في العديد من الاقتصادات النامية والناشئة، فإنّ الخيار الوحيد للحكومة هو إمّا توفير المزيد من الدخل للدائنين الأجانب أو ترك المزيد من مواطنيها يواجهون خطر الموت. من الواضح أنّ هذا الأخير لن يكون مقبولاً بالنسبة لمعظم البلدان، لذا فإنّ الاختيار الفعليّ للمجتمع الدولي إذن، هو بين "إبقاءٍ" منظّمٍ أو غير منظّمٍ، حيث يؤدّي السيناريو الأخير حتماً إلى اضطرابٍ شديدٍ وتكاليف بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي.

بالطبع سيكون من الأفضل لو كانت لدينا آلية مؤسسيّةٌ لإعادة هيكلة الديون السياديّة. حاول المجتمع الدولي تحقيق ذلك عام 2015، عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعةً من المبادئ المشتركة بدعمٍ ساحق. ولكن لسوء الحظ افتقر هذا الإطار إلى الدعم اللازم من البلدان الدائنة الرئيسية. ربما يكون قد فات الأوان لإنشاء مثل هذا النظام الآن لاستخدامه في الأزمة الحاليّة. ولكن سيكون هناك حتماً المزيد من الأزمات، ممّا يعني أنّ إعادة هيكلة الديون السيادية يجب أن تكون على رأس جدول أعمال حساب ما بعد الوباء.

في كلمات جون دون الخالدة: "لا يوجد رجلٌ يساوي جزيرةً…" ولا توجد دولةٌ،  كما أوضحت أزمة كوفيد-19 بجلاء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسر المعادات
مدرس وكاتب أردني
مدرس وكاتب أردني
تحميل المزيد