سارق طعام، زعيم مشجعي ليفربول.. من هو بيل شانكلي؟

عدد القراءات
2,982
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/17 الساعة 12:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/23 الساعة 21:06 بتوقيت غرينتش
سارق طعام، إله مشجعي ليفربول.. من هو بيل شانكلي؟

طويت صفحة الحرب العالمية الثانية، وتبلورت القوى اليسار في العالم؛ وعاشت عصرها الذهبي منذ الستينيات حتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين. لكن منذ سقوط الجدار الحديدي عام 1991 وحتى الوقت الراهن، انقلبت موازين القوى وعانت اليسارية والاشتراكية من إنهاك الهزائم المتكررة، وغياب كوادر تملك الحضور والكاريزما، والمقدرة على خوض المعارك. قياساً على تلك الفترة، يمكن الجزم بكل أريحية بأن بيل شانكلي هو الاشتراكي الأنجح منذ منتصف القرن الماضي.

ولد ويليام "بيل" شانكلي ونشأ في قرية جلينبوك الريفية النائية، في أقصى جنوب إسكتلندا. لذلك وعى وفهم المعنى الحرفي للجوع؛ إذ كان الفقر واقعه، كما جاء في سيرته الذاتية: "كان الطعام نادراً، والماء متسخاً، والشتاء قاسياً، والتفكير في حياة أفضل مخصصاً للأحلام".

جرت كرة القدم في عروق بيل، ومع مرور الوقت أصبحت المتنفس الوحيد خلال وقت الراحة من العمل في المناجم. في شبابه لجأ للسرقة: الطعام من أجل البقاء، والفحم للتدفئة والخبز لمشاركته مع إخوته. أمضى سنوات تكوينه في حالة عوز، كانت كفيلة لكسره، أو تشكيل رجل غير الذي سيصبح في وقت لاحق إله مدينة ليفربول.

تمتع العديد من مدربي كرة القدم العظماء، ممن لا يقل شانكلي في مجده عنهم، بممارسة اللعبة على الملاعب الخضراء المشذبة، وسائل تعليم حديثة وعديد الخيارات والفرص التي لم تتح أمام من قضى سنواته الأولى في محاربة التعب، وغازات المناجم ، والفئران، وتناول الخضراوات الفاسدة والخبز التالف.

 في الفصول الأولى من سيرته الذاتية، كتب شانكلي: "لم نكن نظيفين حقاً، بقاؤنا على قيد الحياة كان أمراً لا يصدق".

ترك التعليم في سن الـ15 وتوجه للعمل حتى إغلاق مناجم الفحم في ثلاثينيات القرن الماضي. تفشت البطالة، وكحال أصحاب الياقات الزرقاء مضى كل منهم للبحث عن سبيل النجاة. استمر شانكلي في ممارسة كرة القدم، دخول الاختبارات على أمل الحصول على عقد احترافي، حتى ناله أخيراً في عام 1932.

في الـ26 من عمره اندلعت الحرب العالمية الثانية، وتوجه للخدمة في سلاح الجو الملكي، وبحلول عام 1946، بلغ شانكلي الـ33 من عمره ومضت سنوات أوج مسيرته كلاعب خلف ظهره، ومع ذلك بدأت قصته حينها.

بيل شانكلي اللاعب

عملاً بقول كارل ماركس بأن "تكون راديكاليًا هو فهم الأشياء من جذورها وجذر الرجل هو الرجل نفسه". كان من الضروري البدء بسرد طبيعة البيئة والظروف التي نما منها شانكلي؛ إذ اكتسب من المنزل والمدرسة الابتدائية معايير أخلاقية صارمة لازمته طوال حياته المهنية، إضافة لتعلمه القيادة عبر سنوات الكفاح في المناجم وساحات المعارك. حيث أرجأ نجاحه كمدرب لتمسكه بالمبادئ التي أبقته على قيد الحياة: "العمل الشاق والصدق والشجاعة والمرونة والحس السليم".

أصبح يورغن كلوب المدرب الثالث عشر على دكة بدلاء الريدز منذ تقاعد شانكلي في عام 1974، وخلال مقابلة مع غاري لينيكر، قال الألماني، مشيراً إلى صورة تجمع شانكلي وخليفته بوب بيزلي، في مكتبه في ميلوود: "أنا لا أعيش في الماضي ولكن هناك سبباً لوجودي هنا – بسبب آبائنا وأجدادنا". والحقيقة بدون مبالغة للتضخيم، جماهير ليفربول حتى اليوم مدينة لشانكلي؛ فبدونه لم يكن أحد منا سيسمع عن الريدز.

على الرغم من عدم توافر الظروف المهيئة للنجاح، وهو ما سنذكره لاحقاً. انعكست جذور الاشتراكية المدفونة في أعماق روح ليفربول كمدينة على النادي، وتماشى الفكر اليساري المتمرد لها مع مبادئ شانكلي، الذي قال ذات مرة:"الاشتراكية التي أؤمن بها هي أن يعمل الجميع لنفس الهدف والكل يحصل على المكافأة، هكذا أرى كرة القدم، هكذا أرى الحياة".

وقال الكاتب ستيفن كيلي: "كانت كرة قدم شانكلي كرة قدم اشتراكية، كانت حكومة أتلي –زعيم حزب العمال ورئيس وزراء بريطانيا- بعد الحرب، كانت تتعلق بكرامة الرجل العامل".

بالعودة للظروف، تولى الإسكتلندي مهمة قيادة دفة الريدز والسفينة محطمة، لم يعان النادي من الركود فقط بل ناضل للبقاء على قيد الحياة في دوري الدرجة الثانية، الملعب ينهار بالمعنى الحرفي، قال شانكلي ذات مرة واصفاً إياه: "لا أعرف ما إذا كنت قد رأيت آنفيلد عندما أتيت، لكنه كان أكبر مرحاض في ليفربول".

في الوقت الحالي، توجد لافتة تحمل شعار "الاتحاد قوة" في مدرج الكوب، تعود جذورها لحقبة شانكلي، الذي عمل على تعزيز الروح الجماعية للفريق. تناولوا الطعام معاً، دخلوا وخرجوا من ملعب التدريبات والمباريات كمجموعة لا تنفصل. أصر على التدريب بجدية المباريات، وقال في هذا الصدد: "الحماس الطبيعي، هذا هو كل شيء، أعظم شيء في العالم، ولا يتحقق شيء بدونه".

"حتى في الجيش قد توكل إليك بعض المهام المريعة، تذهب إلى المطبخ لتجفيف حوالي 6000 طبق وتنظف الحمامات. حسناً، إذا كان علي القيام بعمل حتى لو كان تنظيف الأرض، فإنني أريد أن تكون أرضي أنظف من أرضك. إذا فكر الجميع على هذا المنوال وقاموا بجميع الأعمال الصغيرة بأفضل ما في وسعهم – فهذا هو الصدق، فعندئذ سيكون العالم أفضل وستكون كرة القدم أفضل. لذا، ما أريده هو العمل الشاق. ولا ينجح أي ناد لكرة القدم بدون عمل شاق".

بحلول عام 1962 عاد ليفربول لدوري الدرجة الأولى بعد ثماني مواسم في الدرجة الثانية، بعد عامين سيتوج الريدز بالدوري بعد صيام 17 عاماً، والعام التالي سيوجه أنظاره صوب المنافسة القارية، قبل أن يخسر نهائي كأس الكؤوس الأوروبية لصالح بروسيا دورتموند.

بين توليه قيادة ليفربول في 1959 وتقاعده بعد 15 عاماً، قام بتحويل نادٍ عالق في الدرجة الثانية، إلى أفضل فريق في تلك الحقبة، ثلاثة ألقاب دوري، ولقبان من كأس الاتحاد، ولقب كأس الاتحاد الأوروبي. قاد ليفربول مثل الزعيم الثوري، جعل اللاعبين أقرب لمناضلين تبعاً لمذهبه، وأصبح بطلاً شعبياً للجماهير. في الوقت نفسه وضع أسس الفريق الذي سيطر على الدرجة الأولى والمنافسة الأوروبية للعقد الذي تبع اعتزاله.

شانكلي مع كأس الاتحاد الأوروبي

في دراسة بعنوان " Believing without Belonging. A Liverpool Case Study" يكتب غريس ديفي: "عند تحليل كرة القدم كما لو كانت ديانة، في حالة ليفربول، تُمكن البيئة المشجعين من التمسك بـ "تصورات قيمة ودقيقة عن الأفراد الكاريزميين.. ولا سيما بيل شانكلي. وببساطة، ينظر الكثيرون في ميرسيسايد إلى كرة القدم على أنها تجربة دينية، ويُنظر إلى شانكلي على أنه إله مشجعي ليفربول المتشددين".

يتذكر راي كليمنس، حارس مرمى ليفربول السابق: "الأوقات التي سافر فيها المشجعون مع الفريق خلال المباريات خارج الديار، العديد منهم لم يشتروا التذاكر، كان شانكلي يدفع ثمن تذاكر المشجعين لأنه عرف مدى أهميتهم للنادي. حتى أنه شوهد يتسوق لكبار السن في قرية ديربي الغربية، كانت تلك كلها أفعالاً طيبة حقيقية قام بها شانكلي، كان مؤمناً حقيقياً بالاشتراكية وأراد مساعدة شعبه قدر استطاعته".

عاد فريق ليفربول للمدينة محملاً بخيبات الهزيمة ضد أرسنال في نهائي كأس الاتحاد عام 1971، مع ما لا يقل عن مئة ألف مشجع استعدوا لتحية اللاعبين رغم الخسارة، وقف شانكلي على سلم قاعة سانت جورج في وسط ليفربول وتحدث إلى شعبه.

وقف فاتحاً ذراعيه، في صورة لا تزال مشهورة حتى اليوم، لكن لو لم تعرف سياقها التاريخي، مستحيل أن تعترف بأنها جاءت بعد خسارة كأس، قال حينها: "منذ أن أتيت إلى ليفربول، إلى آنفيلد، أخبرت لاعبينا مراراً وتكراراً أنهم محظوظون للعب من أجل تلك الجماهير". وإذا لم يصدقوني، فإنهم يصدقونني الآن".

خيم الصمت على الحاضرين أثناء الاستماع لكلمات الزعيم شانكلي، بعدما فرغت كلماته تعالت الأصوات تهتف باسمه. 

كان شانكلي ملكاً لمشجعي ليفربول، ليس فقط لتحقيق البطولات ولكن بسبب طريقة تعامله داخل وخارج الملعب، امتزجت عقليته مع ثقافة المدينة، وبرهن على قوله "أنا رجل الشعب، المهم هو الناس فقط". آمن على حد تعبيره بثالوث كرة القدم المقدس: الجماهير واللاعبين والمدربين.

شانكلي ليس المدرب الأنجح في تاريخ ليفربول بعداد الألقاب، ولم تشكل تكتيكاته ثورة في عالم التدريب، لكن أسلوبه في الإدارة لا يمكن تدريسه في الدورات التدريبية، عكس تفانيه في كرة القدم نشأته، إذ أثبتت التجربة بأن أكثر الناس سعادة هو من جعل كثيراً من الناس يشعرون بالسعادة، كما قال ماركس. فخير دليل على ما قدمه شانكلي لجماهير ليفربول، النص المكتوب أسفل نصبه التذكاري خارج آنفيلد "لقد جعل الناس سعداء". وبذلك تحقق مسعاه عندما قال "أود أن أعتقد بأنني قدمت للعبة أكثر مما أخذت، وأنني لم أغش أحداً، فأنا أعمل مع الناس بصدق على طول الخط. لأهل ليفربول الذين يذهبون إلى آنفيلد، أود أن أقدر على محاولتي منحهم الترفيه".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد أشرف
كاتب وقاص مصري
كاتب وقاص مصري مهتم بالثقافة العربية وعلم الاجتماع وتقاطعاتهما مع عالم الرياضة
تحميل المزيد