وجَّه الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، خطاباً للأمة في 17 مارس/آذار، أعلن فيه عن سلسلة من التدابير لمواجهة فيروس كورونا، من بينها تشديد القيود على حرية الحركة والتنقل.
شملت تلك التدابير أيضاً إغلاق حضانات الأطفال والمدارس والجامعات والمساجد، بالإضافة إلى إغلاق الحدود البرية، وتعليق الملاحة البحرية ورحلات الطيران وحظر التجمعات والمسيرات.
بعد ذلك بأيام، أعلن وزير الصحة الجزائري، عبدالرحمن بن بوزيد، أنَّ الجزائر "يجب أن تستعد للأسوأ". وقال بن بوزيد إنَّ 15 شخصاً لقوا حتفهم جراء فيروس كورونا (كوفيد-19) في حين ثَبُت معملياً إصابة 139 بالفيروس. ومع ذلك، لا يثق العديد من الجزائريين في حقيقة تلك الأرقام لأنَّهم يُشكّكون في شفافية حكومتهم.
وقد ارتفع إجمالي عدد المصابين حتى 7 أبريل/نيسان ليصل إلى 1468 مصاباً و193 حالة وفاة بسبب فيروس كورونا، وذلك منذ خطاب الرئيس الجزائري.
انعدام الثقة
بالنسبة للنظام الجزائري، تأتي هذه الجائحة في أسوأ وقت ممكن. تهتز البلاد بفعل حركة شعبية سلمية لم يثنها مرور الوقت والانقسامات والترهيب والانتخابات الرئاسية عن مواصلة التظاهرات المطالبة بالتغيير. وبينما تفتقر القيادة الجزائرية الحالية إلى الثقة الشعبية، فإنها تفتقر في المقام الأول إلى الموارد الصحية والاقتصادية لمواجهة المرض.
إنَّ ثقة الناس بعبدالمجيد تبون وحكومته متدنية للغاية لدرجة أنَّه على الرغم من دعوات السلطات الجزائرية بوقف التظاهر، خرج المحتجّون مؤخراً إلى الشوارع في الجمعة الـ56 على التوالي منذ بداية الحراك الشعبي. وعلى الرغم من تأثير فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، تجاهل الآلاف دعوات الحكومة بتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي ونصيحة البقاء في المنزل، معتقدين أنَّها خدعة سياسية قذرة لتخويف الناس وإنهاء الحراك.
وقد أُلغيت في نهاية المطاف المظاهرة الـ57 بفضل فقط دعوات الفنانين والصحفيين والمثقفين ونشطاء المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية المؤثرة.
تفتقر الحكومة الجزائرية إلى ثقة مواطنيها بدرجة كبيرة للغاية؛ وفي حال أساءت التعامل مع أزمة فيروس كورونا، فإنَّ تلك الثقة ستشهد مزيداً من الانخفاض وهذا بدوره ربما يكلّف الحكومة الجزائرية ما تبقى من شرعيتها.
ظلَّ النظام الصحي، مقترناً ببيروقراطية مختلة، في حالة يرثى لها على مدار سنوات. وفي ضوء ذلك، فإنَّ البلاد غير مستعدة للاستجابة بطريقة مُنسّقة لحالة طوارئ صحية عامة.
تتولّى الدولة بصورة رئيسية إدارة قطاع الرعاية الصحية في الجزائر، والذي طُوّر بالتركيز على ضمان توفير خدمة صحية مجانية لجميع المواطنين، لكنّه يواجه تحديات كبيرة تتمثّل في خدمات سيئة غير متّسقة، ونقص في الأدوية والمعدات الطبية التشغيلية، فضلاً عن ضعف آليات التخطيط والتنظيم والمراقبة.
على الرغم من انخفاض أعداد الإصابات في الأيام الأولى من انتشار فيروس كورونا، كانت المستشفيات والطواقم الطبية مثقلة تماماً وتفتقر إلى معدات الوقاية الشخصية للعاملين في القطاع الصحي. وقد نظَّم الأطباء احتجاجات رمزية للتنديد بنقص المستلزمات الطبية، مع استمرارهم في علاج المصابين.
تداعيات اقتصادية
في الوقت نفسه، سيترك فيروس كورونا تداعيات اقتصادية وخيمة على الجزائر لأنَّ الموارد المالية محدودة، مما سيكون له تأثيرٌ مباشر على قدرة النظام الجزائري على الاستجابة للأزمة الصحية الناجمة عن تفشي المرض.
تضررت البلاد بشدة جراء انخفاض أسعار النفط، واستنزفت احتياطياتها من النقد الأجنبي، التي يُتوقع أن تنخفض من 62 مليار دولار إلى 51 مليار دولار بحلول نهاية العام. ويُرجح أن يكون الوضع على أرض الواقع أسوأ مع وصول أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في التاريخ لتسجل 19.46 دولار للبرميل هذا الشهر.
يعاني الجزائريون بالفعل من عدة نواحٍ. فقد أثَّر انخفاض قيمة الدينار الجزائري بنسبة 49% بين عامي 2014 و2019 على قدرتهم الشرائية بدرجة كبيرة. وفقاً لدراسة أجراها الديوان الوطني للإحصائيات عام 2019، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 1.3% وزادت أسعار المواد الغذائية بنسبة 2.3%، في حين ظلَّ متوسط الرواتب والأجور راكداً إلى حدٍ كبير منذ عام 2012.
أصبح معظم الجزائريين يواجهون صعوبة أكبر في تغطية نفقاتهم مع متوسط راتب شهري يُقدّر بنحو 300 دولار. باتت الفجوة بين الأسعار والأجور عميقة لدرجة أنَّها تؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للطبقة الوسطى أيضاً.
علاوة على ذلك، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك ارتفاعاً كبيراً منذ بداية تفشي كورونا في البلاد. وزادت أسعار أقنعة الوجه ومعقمات اليدين بنسبة 200% في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية أيضاً، مما دفع وزير التجارة، كمال رزيق، إلى التهديد بتحديد سقف للأسعار.
تُعد البطالة أيضاً واحدة من القضايا الرئيسية، حيث يُرجح أن يفقد المزيد من الجزائريين وظائفهم في حال تواصلت التداعيات الاقتصادية السلبية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا.
ردة فعل محتملة
مع اشتداد حدة الأزمة، يُرجح أن تطلب الجزائر، التي قدَّمت سابقاً ما يُقدّر بـ20 مليار دولار من الدعم المالي لصندوق النقد الدولي، المساعدة المالية الخارجية كما فعلت في تسعينيات القرن الماضي.
سيضطر تبون وحكومته حينذاك إلى فرض تدابير اقتصادية لا تلقى تأييداً شعبياً من شأنها تعريض الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد للخطر، مما قد يثير ردة فعل قوية ضد نظام استمد شرعيته طويلاً من المنح والهبات الاقتصادية والاجتماعية.
ستؤدي تداعيات أزمة فيروس كورونا إلى مزيد من الكشف عن عدم الكفاءة الملموس للرئيس الجزائري وحكومته. ومع ذلك، ستتوقف الاحتجاجات الشعبية في الشوارع مع بقاء الجزائريين ملازمين منازلهم، وقد استنزفتهم الصعوبات الاقتصادية والخوف من العدوى.
قد يتعيَّن على المواطنين الانتظار وتأجيل التغيير في الجزائر. ستنتهي تلك الجائحة في نهاية المطاف -وحينئذ فقط يستطيع الجزائريون العودة إلى الشوارع لمواصلة المطالبة بالتغيير.
-هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.