الأسرة الأردنية.. ماذا فعل بها الحظر المنزلي؟

عدد القراءات
8,649
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/12 الساعة 13:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/12 الساعة 13:07 بتوقيت غرينتش

يسألُ الصغيرُ أُمَّه: هل سَتطول إقامة أبي في بيتنا طويلاً؟

قدْ تَظُن الظنون حول علاقة الطفل بأبيه، وقد يرأف قلبُك لما قد تتخيله من قصصٍ مؤثرةٍ حول هذا السؤال، ولكن ببساطة ما هذا السؤال سوى سؤال بريء من طفلٍ لم يعتدْ وجود والده معه طويلاً كما في فترة الحظر المنزلي هذه الأيام، فاختلط عليه الأمر، ليظن وجود والده هو الطارئ، بينما غيابه هو الأمر الطبيعي!

بعد أسابيع من الحظر المنزلي الإلزامي يُعيد المجتمع الأردني النظرَ في علاقاتهِ الأُسرية، ليجدَ نفسهُ أمام طبيعة أسرية جديدة لم يَعْتدها قبلاً، ولكنها فَرضتْ نفسها بحكم الظرف المفاجئ الذي عطل الجميع عن أعمالِهم ومدارسهم وجامعاتهم ليجتمعوا لفترةٍ طويلةٍ دون خروج، وهذا ما لم يألفوه من قبل.

في تعليق لطيف على مواقع التواصل الاجتماعي، وصَفت إحدى السيدات زوجها "بالمجنون"، وهو الأمر الذي لم تكتشفه إلا بعد سبع سنوات من الزواج، وفي هذا الوقت تحديداً، نظراً لغيابها كزوجة عاملة عن المنزل لتسع ساعات يومياً، ما عدا الجمعة والسبت، لتكون بعد كل هذه السنوات أمام شخصية جديدة لم تَعتدها من قبل، أو بأكثر دقة لم يتسنّ لها معرفته جيداً من قبل بحكم الغياب المستمر.

أُخرى اكتشفت أنها لمْ تُربّ أبناءها جيداً، وثالثة عرفت قيمة الوظيفة التي لطالما كانت تتذمر منها، فكانت تدخل في سبيل تذمُّرها بنقاشات حادة تصل مراحل جنونية مع غيرها من غير الموظفات، ليحاول كُل طرف شدَّ الحديث لصالحه، بينما لا تستطيع إحداهن وضع نفسها في مكان الأخرى، لأن في ذلك إعلاناً للاستسلام أمام الطرف المقابل، الذي لا يعي كمّ الالتزامات التي يُكابدها كل طرف، ودون أدنى شعور بعمومية أو خصوصية الحالة.

أَتَتْ طاحونةُ الحياة على الكثير من تفاصيل حياتنا الطبيعة، لتتحول معها تلك التفاصيل المهمة إلى تفاصيل هامشية لا محل لها من الإعراب في جملة التواصل العائلي بشكل عام، والزوجي بشكل خاص، حتى جاء هذا الالتزام اليوم تحت سقف واحد، ووجهاً لوجه مع أبنائنا وأزواجنا، ليكشف عورة بعض العلاقات المُزيفة من جهة، ويعيد ترتيب الأولويات وحتى الأفكار في سياق علاقاتنا العائلية من جهة أخرى.

تقول الإحصائيات إنّ حوالي 85% من النساء في الأردن واللاتي سبق لهن الزواج لا يعملن، وفي هذه الحالة فالرجل هو العامل الغائب عن البيت، بينما تتربع المرأة على عرش الأعمال المنزلية التي تَأتّتْ في "وقتنا الحاضر" كنتيجة حتمية لكونها بلا عمل، وهي هنا الأقرب لمعرفة كل تفاصيل البيت والأبناء. هذه الزوجة -وفي حال شمل زوجها الحظر العام- فهي أمام تجربة زوجية وعائلية جديدة، خصوصاً لو كان الزوج ممن يغيبون طويلاً عن المنزل لساعات أو أيام طويلة، وبهذا تكون هي وهو أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تجديد العهود بالوفاق والمحبة، بالتالي تواصل عائلي أقرب، وفرصة للتعارف القريب، الذي قد يفتح آفاقاً تواصلية بعنفوان وشغف جديد، أو قد يكونان أمام تجربة سيئة تكشف لهما أو حتى للأبناء ثغرات تواصلية عميقة قد تُسبب التعب والإجهاد وحتى الاكتئاب، في ظل هذا الحبس المنزلي الذي لا مفر منه.

وفي سياقٍ مقابل، تُشكل نسبة النساء العاملات في الأردن حوالي 14%، وهنا تتشكل حالة مُغايرة قليلاً، حيث إن الرجل والمرأة والأبناء -ممن يشملهم الحظر- هم أيضاً أمام تجربة جديدة من العيش المُشترك لأسابيع طويلة دونما خروج، بعد أن اعتاد الجميع حياة العمل والدراسة والعودة المتأخرة للمنزل وبالتالي تواصل أقل، وربما في بعض الحالات معرفة عائلية تشاركية شخصية أقل، أو فلنقل "محدودة".

بعضُ ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي اليوم يكشف عن مواهب كثيرة خرجت من شرنقة ضيق الوقت قبل الحظر إلى مساحاتٍ شاسعة من الفراغ، ليتصدر المطبخ مثلاً صدارة المشهد العام بتجارب ناجحة، تَعمُ وتنتشرُ بمكوناتها كالنار في الهشيم بين جموع المتابعين، وأخرى فاشلة تُثير الضحك، وتنشرُ التسلية لدرجة التفاخر بصور التجارب غير الموفقة من باب إثارة الضحك والسخرية. وفي هذا السياق يُزاحِم الرجلُ المرأةَ في مَهمةٍ التصقت نمطياً ولوقت طويل بالمرأة، فبدأ يَحفِر الكوسا ويصنع الكعك والحلويات، ولا نعلم أَهو توجُّه فطري طبيعي لم يُعط حقه من قبل، أم أنّ قلة العمل تُعلم التطريز كما يقولون!

هذه المواقع التفاعلية باختلافها، تعكِسُ سَير حياة المجتمع، وتستطيع من خلالها بناء انطباع عام عما يحدث في المُحيط الواقعي وراء الشاشات، عبر تفاصيل ينشُرها الجميع للعامة، لتعرف ما يؤرق العائلة الأردنية، كعبء التعليم الإلكتروني -مثلاً لا حصراً- والذي كَشفَ النقاب عن تفشي الأُمِّية الإلكترونية من جهة، وعن عدم استعداد مُعظم المؤسسات التعليمية وكوادرها لأسلوب تعليمي كهذا كان قدْ آتى أُكله في العديد من الدول، وما زال في طور النمو في مُجتمعاتنا من جهة ثانية.

ومن جهة ثالثة، سلّط الضوء على الفجوة التعليمية الفاجرة بين مختلف مناطق الدولة، لتَجِد طالباً يُكمل تعليمه عن بُعد ومن دون توقف وبحِرفية تامة، يُقابله آخر لا يملك حتى هاتفاً ذكياً يتابع عبره فيديو متواضعاً لدرسه الذي لا تُجيد أُمه أو حتى والده شرحَه له. وهذا في حد ذاته يُشكل عبئا نفسياً ومادياً على الأُسرة، خُصوصا إذا كان عدد أفرادها من الطلبة يفوق مقدرتهم على المتابعة العلمية والمادية في الوقت ذاته.

كمّ المشكلات التي نُطالعها يومياً عبر الصفحات المغلقة والعامة، والناتجة عن هذه الحالة الجديدة على البعض من القُرب المحكوم بالحبس الإلزامي، تستدعي التوقف والدراسة، وعلى ما يبدو فالمثل القائل "ابعد تحلى" هو سيد الحلول حينما لا نُجيد فنَّ الاقتراب!

يوماً ما سيجني هذا الحظر ثماره، وسينتهي لا محالة، وسيبقى السؤال حينها: هل سَتُعيد الأسرة الأردنية بنيتها التواصلية في شِقيها السلبي والإيجابي؟ وفي حال وجود الفجوة التواصلية هل ستتسع أم ستضيق بعد هذه التجربة الغريبة في أمرها، والعميقة في تبعاتها على كافة الصُّعد في الدولة محلياً، والعالم ككل.  لِحينها نتمنى لكم تجربة حظر ناجحة وخالية من أمراض البدن والنفس على حد سواء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سمية الشخانبة
كاتبة ومدوّنة أردنية
كاتبة ومدوّنة أردنية
تحميل المزيد