مهندس ماركسي أشعل ثورة كروية.. من هو فاليري لوبانوفسكي؟

عدد القراءات
6,335
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/10 الساعة 13:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/10 الساعة 13:45 بتوقيت غرينتش
مهندس ماركسي أشعل ثورة كروية.. من هو فاليري لوبانوفسكي؟

عقب تسجيله ركلة الجزاء الأخيرة في مرمى جانلويجي بوفون، انفجرت السعادة بداخله، وركض دون هدف إلا الخضوع لنشوة التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا على حساب يوفنتوس. توقف أندري شيفتشينكو للحظات وغط في موجة تفكير عميقة، وبمجرد خفوت صيحات جماهير ميلان السعيدة، تحوّل أولد ترافورد لصومعة ذكريات استحضرت "أب وإله كرة القدم الأوكرانية"، فاليري لوبانوفسكي.

مرت بضعة أيام، وتوجه شيفتشينكو صوب مدينة كييف، استبدل باقة الزهور بميداليته، وكانت زيارته لضريح لوبانوفسكي بمثابة تكريم ابن لوالده، الذي رحل قبل عام واحد فقط من تتويج ميلان بلقب دوري الأبطال على حساب يوفنتوس عام 2003. قد نستشفّ بشكل خاطئ أن ما بدر من شيفا امتداد لسلسلة من المواقف العاطفية جمعته مع  فاليري، لكن على العكس تماماً، فقد كان الأب الروحي للكرة الأوكرانية ذا عقلية سوفيتية تُقدّس العمل على حساب العاطفة، ولذلك تحمل مسيرته التدريبية مزيجاً من الفلسفة، والتاريخ، والعلوم، والرياضيات. 

تشيفشينكو يهدي فاليري كرته الذهبية

المدرب الماركسي

ولكي نفهم أسلوبه ونستكشف الطريق الذي جعله أحد أعتى العقول في عالم كرة القدم، علينا البدء مع والد الشيوعية كارل ماركس، الذي كتب في أطروحة فيورباخ: "لقد اكتفى الفلاسفة بتفسير العالم بشتى الطرق، إلا أن تغييره هو الأهم".

وهذا ما حققه لوبانوفسكي، متأثراً بالفلسفة الماركسية، "كل مدرب في العالم يقول إن أصعب شيء هو قيادة الرجال. هم على حق، ولكن هل يعرفون أن قراءة الأعمال الفلسفية يمكن أن تساعدنا؟"

فاليري لوبانوفسكي: "أهم شيء في كرة القدم هو ما يفعله اللاعب عند عدم امتلاكه الكرة، وليس العكس. لذلك عندما نقول لدينا لاعب ممتاز يأتي من المبدأ التالي: 1% موهبة، و 99% عمل شاق".

قدم ماركس الجماعية بدلاً من الفردية، وهي أيديولوجية اعتنقها الاتحاد السوفييتي طوال القرن العشرين، حتى انهيار الستار الحديدي في عام 1991. تلك الأفكار اعتنقها لوبانوفسكي؛ حيث رأى أن كرة القدم لا تعنى بالأفراد قدر ارتباطها بالروابط الجماعية بينهم.

ولَطالما اعتُبر لوبانوفسكي مثالاً يحتذى به عند الإشارة  للانضباط والصرامة، فهو يطمح للتحكم في كل جانب من جوانب حياة لاعبيه داخل وخارج الملعب. عاشق لكرة القدم، لا يبحث عن الانتصارات فحسب، بل يضع في حسبانه الطريقة التي يأتي بها الانتصار.

كان فاليري جناحاً أيسر في سن الثانية والعشرين حين فاز دينامو كييف للمرة الأولى بلقب الدوري السوفييتي. بينما انشغلت الجماهير بالاحتفال باللقب، أشار لوبانوفسكي بوضوح لعدم فرحه برغم الإنجاز، جاء ذلك في أثناء الزيارة الاحتفالية لمعهد علوم وبحوث صناعة البناء والتشييد.

يتذكر فولوديمير سابادير رد فاليري على التهاني: "لكن ماذا بعد؟ لم نلعب ببراعة في بعض الأوقات، كل ما في الأمر أننا جمعنا نقاطاً أكثر من منافسينا؛ لذا لا أستطيع قبول مدح لا أساس له"

ثم سأله سابادير عن شعوره بتحقيق إنجاز لَطالما حلمت به جموع سكان مدينة كييف، فأجابه متسائلاً: "ما حلمك كعالِم؟ هل هو درجتك العلمية، أم حصولك على درجة الدكتوراه، أم أطروحة ما بعد الدكتوراه؟". أجاب سابادير بالإيجاب قائلاً: "ربما، لكن ما يحلم به العالم الحقيقي هو المساهمة في التقدم العلمي، وترك بصمته على تلك المساهمة". فأجابه لوبانوفسكي: "ها هي الإجابة عن سؤالك".

بينما مثلت مدينة كييف معقل صناعة الكمبيوتر في خضم هوس الاتحاد السوفييتي بالتقدم في السباق التكنولوجي، درس لوبانوفسكي هندسة التسخين، بالتزامن مع بزوغ نجم الكمبيوتر وتطبيقاته المحتملة في شتى المجالات. نظر لكرة القدم باعتبارها علماً، بالنسبة له اعتبرت أرضاً خصبة لزراعة أفكاره الرياضية، وبدأ في التعامل مع اللعبة على اعتبارها مجموعة من المعادلات والرسوم البيانية، وكما قال لاحقاً: "الحياة كلها عبارة عن مجموعة من الأرقام".

نحو كرة قدم رقمية 

أثناء تدريبه نادي دنيبرو دنيبروبتروفسك، اتصل بالأستاذ أناتولي زلينتسوف، عميد المعهد المحلي للعلوم الفيزيائية، والذي أصبح في وقت لاحق مساعده في دينامو كييف. معاً أسَّسا واحدة من أكثر الثنائيات ابتكاراً، حيث أسَّسا نظاماً يحلل جميع مناطق الملعب بشكل تلقائي، عن طريق جهاز كمبيوتر يقيس سرعة اللاعبين، والمدة التي يقضونها في كل منطقة محددة، وتحركهم مع ومن دون الكرة. وقتها بدأ لوبانوفسكي في تطبيق المنهج العلمي الذي رأى فيه المستقبل.

شرح لوبانوفسكي رؤيته لكرة القدم في وقت لاحق على أنها نظام مكون من 22 عنصراً، ومجموعتين فرعيتين، تتكون كل منهما من 11 عنصراً، يتحرك اللاعبون في نطاق مساحة محددة -أرض الملعب- ويخضعون لمجموعة من القيود -قوانين اللعبة- إذا تساوت المجموعتان الفرعيتان ستؤول المباراة للتعادل، أما في حال تفوق أحدهم فسيفوز الأقوى. 

في أواخر عام 1973، عاد لوبانوفسكي لنادي دينامو كييف مجدداً، تلك المرة كمدرب، رفقة جهاز فني مدعم بثلاث دعامات رئيسية: زيلنتسوف مسؤول تحضير اللاعبين، وبازيلفيتش المشرف على التدريبات، وميخايلو أوشيمكوف مسؤول الدعم المعلوماتي (جامع إحصائيات المباريات السابقة). 

مجرد الخوض والبدء في سرد وتحليل تلك الفترة وما تلاها من نجاحات رفقة الاتحاد السوفييتي يشبه إلى حد كبير الكتابة باليد الأضعف عند محاولة ضغط المقال في عدد كلمات معين؛ لذا ما يهم هو تسليط الضوء على انعكاس واحد فقط عند تلك المرحلة، ألا وهو تفكيك عناصر اللعبة، وتحديد الأهداف بالأسلوب الذي تبناه لوبانوفسكي ومساعدوه، متسلحين بالنموذج الخاص الذي طوره زيلينتسوف.

على الرغم من تحقيق الفريق 9 بطولات محلية و2 أوروبية في ثلاث سنوات، فإن لوبانوفسكي لم يرضَ عن الإنجاز، وهو ما جعله يضيف المزيد من الحمل على تدريبات الفريق، وهو ما أثار ضيق اللاعبين. نجح البرنامج المذكور أعلاه أن يوازن بين رغبة المدرب وقدرة اللاعبين على التحمل.

ثورة الأرقام 

للإيضاح، يعتمد ليفربول على جمع وتحليل بيانات وإحصائيات الفريق، والخروج باستنتاجات مبنية على هذه الأرقام، يقوم بذلك فريق كامل لا يتابع مباريات الفريق بالضرورة. بعد تحليل قاعدة البيانات تقدم اقتراحات رياضية ورقمية، يحولها فريق المدرب يورغن كلوب إلى تكتيكات وتحركات على أرضية الميدان، أو أسماء لاعبين مناسبة لتدعيم الفريق، ثم كيف ينبغي توظيف الصفقات الجديدة، وبناءً على هذه التحليلات استطاع ليفربول أن يطور من أدائه بصورة ملحوظة وسريعة، جعلته على قمة أندية العالم، وليس البريميرليغ فقط.

انتشار ليفربول هكذا ليس صدفة

تيم واسكيت وويل سيبرمانما ثنائي آخر أسهم في ارتفاع منحنى الريدز. بالاعتماد على برمجيات كمبيوتر تقدم إحصاءات واحتمالات لمناطق تسجيل الأهداف داخل الملعب، وتعتمد على جمع البيانات من مقاطع الفيديو وتحليلها والخروج باحتمالات تسجيل هذه الأهداف. الطفرة الحالية في عالم الإحصائيات معروفة بـ(XG).

ما يحدث داخل أندية أوروبا، كثورة في عالم تحليل البيانات، بدأ من إيمان لوبانوفسكي في السبعينات. تحدث زيلينتسوف عن تحليل مقاطع الفيديو وتحليل البيانات ثم إعطاء نصائح للمدرب، بعد تبريرها بترجمتها للغة الأرقام. 

إرث لوبانفوسكي قليل الكلام بارع التحليل لا يزال قائماً، لا يزال أعظم شخصية في كرة القدم الأوكرانية، تجاوز حدود كرة القدم، وغرق في تأملات لمستقبل مبني على الأرقام. وبهذا المعنى نال الإرث الذي طلبه فاليري لوبانوفسكي من كرة القدم، واستحق مع الختام التهنئة التي رفضها في وقت مبكر من حياته المهنية كلاعب. من غير المحتمل أن يُنسى ما دام الحديث عن اللعبة يتجدد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد أشرف
كاتب وقاص مصري
كاتب وقاص مصري مهتم بالثقافة العربية وعلم الاجتماع وتقاطعاتهما مع عالم الرياضة
تحميل المزيد