أصبحت مأساة انتشار فيروس كورونا فرصة ذهبية لترعرع نظريات المؤامرة التي يعشقها كثير من الناس والإشاعات التي يتنفسها حتى المتعلمين منهم.
1- أكثر نظريات المؤامرة اتساعاً لدرجة ذكرها 79 ألف مرة على فيسبوك، هي أن السلطات الأمريكية اعتقلت البروفيسور "تشارلز ليبر" رئيس قسم الكيمياء والكيمياء البيولوجية بجامعة هارفارد؛ لتصميمه فيروس كورونا الجديد ونقله إلى الصين. وحقيقة الأمر أنه قد قُبض عليه وعلى باحثين صينيين في 28 يناير/كانون الثاني الماضي؛ لكذبه على السلطات الفيدرالية ونفيه أموالاً تقاضاها مقابل مساعدة جامعة ووهان للتكنولوجيا من 2012-2017، في برنامج "الألف متفوق في البحث"، وذلك في محاولة للولايات المتحدة لوقف سرقة الصين للعلوم الأمريكية. وهذا ليست له علاقة من قريب أو بعيد بفيروس كورونا. والكذب على السلطات جريمة ضخمة في الولايات المتحدة عقوبتها السجن.
2- مؤامرة أن الفيروس جزء من الحرب البيولوجية وأنه من صُنع الإنسان! ولقد قُتل هذا الموضوع بحثاً من علماء الفيروسات الذين وجدوا أنه تطوُّر طبيعي لفيروسات كورونا في دورتها بالحيوانات وليس عن طريق تغيُّر في المكون الجيني له، فبرامج الكمبيوتر التي تبحث افتراضات الطفرات الجينية للفيروس وجدت أن جميع الاحتمالات المُنتَجة من الطفرات الجينية له غير ضارة بالإنسان، ولكن ما حدث هو اندماج ما بين فيروسين ينتشران في الحيوانات وغالباً في الخفاش والحيوان آكل النمل، ليخرج منهما فيروس جديد بخصائص فريدة تجعله واسع الانتشار وبقدرة أكبر على الالتصاق بالجهاز التنفسي. وقد يتحور هذا الفيروس لعدة سلالات، وُجدت منها اثنتان حتى الآن، وسرعة انتشارة قد تؤدي إلى طفرات جينية تنتج سلالات جديدة مستقبلاً.
3- شائعة تقول إن مصر طوَّرت علاج الملاريا وأهدته إلى العالم لتجربته، وهو سبب انحسار الفيروس في الصين! وهي أكثر الإشاعات مدعاةً للسخرية والشفقة على عقولنا المغيَّبة. فعلاج الملاريا استُخدم كغيره من الأدوية منذ بداية الأزمة في الصين، ونتائجه ما زال مشكوكاً فيها حتى تجرى دراسة مقارنة، وهو ما يتم الآن في الولايات المتحدة. والدراسة التي أُجريت في مرسيليا بفرنسا كانت على عدد محدود جداً من الأشخاص، معظمهم مصاب بالفيروس في الجزء العلوي من الجهاز التنفسي وهو الأقل خطورة. أما سبب انحسار المرض في الصين فهو الإجراءات الصارمة لعزل البؤر المرَضية هناك، وهو ما عجزت عنه معظم أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ما زلت وسأظل أحاول جاهداً، إيضاح الحقائق العلمية، حتى لا نقع في براثن الجهلة الذين يعيثون في عقولنا فساداً، وأتمنى أن يقف سيل الفيديوهات والمقالات التي يُمطرني بها القريب والبعيد، خاصةً التي تأتي للأسف، من المثقفين منهم. حمى الله مصرنا وعافاها في هذا الظرف الحرج، وهدانا وهدى مسؤوليها إلى سبل الرشاد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.