انهيار الأساطير
حتى الاستراتيجيات الصحية المتمثلة في سياسة القطيع، التي تبنتها أغلب دول الغرب، كشفت مدى خواء النظرية الرأسمالية الليبرالية، فسياسة القطيع التي بنى عليها كثير من دول الغرب استراتيجيتهم تقوم على أن يُصاب الجميع ليتحصن الجميع، ولن يبقى إلا الأقوى. هذه النظرية الأنانية مبنية على فكرة الرجل الأبيض القوي. وعلى الرغم من انتهازيتها فإن الغرب يعتنقها، وهم في ذلك ينظرون إلى الإنسان كقوة محركة ومنتجة، فالإنسان في نظرهم أداة، لكن السؤال الذي لا يجيب عنه أصحاب الفكرة، والذي لا ينتبه الناس في تلك المجتمعات لسؤالهم عنه: ذلك الإنسان المصنف كقوة محركة ومنتجة، يُنتج لمن؟!
والإجابة مستقاة من تلك المدينة الفاضلة التي بشَّر بها أفلاطون، والتي بنى طبقاتها المجتمعية على ثلاث طبقات، تخدم فيها طبقة العمال الحكام، كما يحميهم طبقة الجند فيها، إنها الرأسمالية ونظرتها للإنسان، لكن الغرب لم يدرك أن طبقة الشباب القوية لن يبقى منها بعد الجائحة الكثير، لأن عدد ساعات العمل والتغذية غير الصحية المبنية على الوجبات السريعة عالية السعرات الحرارية أنهك أجساد الشباب، وأصبحوا نهباً للفيروس، لذا فإن من خيرات الفيروس على البشرية أن أدركوا ذلك وبدأوا بفرض الحظر الصحي لإراحة تلك القوى المنتجة.
هذه الحالة التي أحدثها فيروس كورونا جعلت نظرة الرأسمالية للإنسان تتراجع، النظرة المبنية على الأخذ حتى يرى عطاء الدولة، أو بقدر ما تملك يمكن أن تأخذ.
فقد بدأت النظم الرأسمالية في اعتماد المعونات العاجلة للمؤسسات والأفراد، وهو الدور الذي كانت تلعبه منظمات المجتمع المدني، تلك الفكرة التي أسس لها متوحشو الرأسمالية، للتخفيف من وطأة مصِّ دماء المواطن. وعليه فقد انهارت فكرة العولمة بمفهومها الغربي، بعدما أظهرت أنانيتها وتقوقع كل بلد في حدوده وتمحوره حول ذاته. كما أن البعض يرى أن فكرة الغرب القادر والفاعل والمدبر والمخطط للعالم قد انهارت، مع فشلها هذا في مواجهة القاتل التاجي، فالوباء أظهر أن أوروبا وأمريكا اللتين تمثلان قوة اقتصادية عالمية بات من المحتمل أن تلتحقا بصفوف الإمبراطوريات العالمية الكبرى، التي كان مآلها السقوط. لكن هل الغرب القوي الذي أسقط كل نظير سيسقط من أجل عدم إمكانية توفير كمامة الوجه!
أكثر من مجرد كمامة
الصين قوة اقتصادية كبيرة لا شك، لكن أزمة العالم الآن هي أزمة مبادئ وأخلاق أكثر منها أزمة مادية اقتصادية، مع ذلك لن تستقيم الحياة إلا بأسباب القوة. فصراع الإنسان ليس مع أخيه الإنسان، ولكن مع الطبيعة التي أفسدها نمط الحياة التي فرضها طمع الغرب في الاستحواذ والتملك، دون النظر إلى التوازن والتوزيع العادل بين مكونات هذا العالم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.