إذا كانت دول العالم التي أصابها وباء "كورونا" تُجمع على نجاعة الحجر الصحي للمواطنين في الحد من انتشار الفيروس، فإن الانتشار الكبير للأخبار الزائفة والمعطيات المضللة أو المشكِّكة في حقيقة الفيروس، يعد من بين الأسباب التي أثرت سلباً على سلوك الناس، وخلقت حالة من الهلع ونوعاً من الاستسهال وعدم الامتثال للتدابير الوقائية في عدة بلدان. ومنذ إعلان المغرب عن أول حالة إصابة، وتعبئة مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمواطنين لإنجاح الحجر الصحي، شكَّل الوباء مصدر كمٍّ هائل من الأخبار الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي ذات الاستقطاب الجماهيري المفتوح وتطبيقات التراسل الفوري على الهاتف المحمول، وبذلك تحولت الأنظار إلى جبهة أخرى لا تقل خطورة وضرراً عن الوباء نفسه، في معركة تصدي السلطات المغربية لفيروس كورونا المستجد.
وابتدأت حملات الأخبار الزائفة على مستوى تقديم الإحصاءات أو عرض البيانات والمعطيات، و"فبركة" بيانات رسمية تخص مؤسسات الدولة واجتماعات على درجة عالية من الحساسية، وادعاء أن طائرات تستعد لرش سوائل للتعقيم والتطهير على المدن المغربية، والترويج لحالات مشتبه في إصابتها بـ"كورونا"، وتطوّر الأمر إلى استعمال صور غير صحيحة وترويج لأسماء تم التشهير بها، وانتشار قصاصةٍ مفادها أن "كوفيد" غير ضار في الواقع مثل نزلات البرد ولكن يتم استخدامه للتغطية على أمراض أخرى، كما تناسلت أخبار أخرى كاذبة في مواقع مختلفة بحثاً عن البروز والإثارة وطمعاً في حصد أكبر قدر من المشاهدات والتداول، تتعلق بفرض غرامات على متأخرات فواتير استهلاك الماء والكهرباء، ومقاطع فيديو تتضمن معطيات مغلوطة وكاذبة عن تسجيل إصابات مفترضة في مناطق خالية من الوباء، وبث صور ومقاطع فيديو مجهولة الهوية، أغلبها إشاعات باطلة أو أخبار زائفة، بعضها مختلقة من الأساس أو "مفبركة"، أو مأخوذة من أفلام، أو أخبار مجتزأة من سياقها، ونشر فيديوهات لمواطنين مغمى عليهم أو يتساقطون في الشوارع، في توظيف سيئ لمقاطع من أفلام أو صور وأحداث لا علاقة لها بالواقع ولا بالفيروس.
كما اقتحم محترفو الدجل مجال الطب والصيدلة، معتقدين إيجاد الوصفات العلاجية واللقاحات المناسبة لهذا الداء، من خلال منشورات وفيديوهات يدَّعي أصحابها أن هذه المادة أو تلك النبتة أو هذه الوصفة سبيل للقضاء على الوباء. وفي ظل عدم وجود علاج طبي، يحاول بعض المحتالين ترويج وسائل وقاية وعلاجات خاطئة بين الناس لسلبهم أموالهم، ومن ذلك استخدام زيت السمسم في جميع أنحاء الجسد، أو استهلاك القنب أو تناول الكوكايين، فضلاً عن الادعاءات القائلة بأن معجون الأسنان والمكملات الغذائية والكريمات ستمنع وتعالج "كوفيد"، وهناك من يعتقد أن الناس يمكنهم حماية أنفسهم عن طريق غسل أيديهم ببول الأطفال!
وفضلاً عن تبخيسها للجهود الوطنية التي تبذلها الدولة لتطويق الوباء من خلال قانون الطوارئ الصحية، فإن الأخبار الزائفة يتم توظيفها لنشر التعصب والكراهية والتمييز على أساس عرقي، وهو ما عكسته حوادث كان ضحيتها أشخاص من أصل آسيوي أو غربي ينحدرون من منطقة ظهر فيها الفيروس أولاً، ما جعل الجهات المسؤولة تنشغل ببلاغات النفي وبيانات الحقيقة. وعلى الرغم من تطمينات المسؤولين بأن هذه الأخبار عارية من الصحة، فإن تنامي الشعور بالقلق والخوف والغموض المرتبط بسرعة انتشار الفيروس والمدى الزمني للقضاء عليه، شكَّل حاضنة أخرى للإشاعة، مما ساهم في خلق مزيد من التوجس والهلع، تجسد في التهافت غير المبرر على المواد الغذائية ومواد التطهير وغيرها.
وفي ظل التنامي المطرد للأخبار الزائفة أفادت السلطات الحكومية بأن الإجراءات المتخذة في هذا الإطار يتم الإعلان عنها من طرف المؤسسات المختصة، من خلال إصدار بلاغات عبر القنوات الرسمية المخصصة لذلك، داعيةً المواطنات والمواطنين إلى ضرورة توخي الحذر أمام ترويج أخبار كاذبة ووهمية منسوبة إلى جهات رسمية بواسطة تقنيات التواصل الحديثة. كما سارعت الحكومة إلى تمرير قانون يجرّم تلك الأخبار وبعض السلوكات الإجرامية الماسة بالشرف والأشخاص والقاصرين على شبكات التواصل الاجتماعي. وينص القانون المغربي على أن "كل من قام عمداً وبكل وسيلة، وضمن ذلك الأنظمة المعلوماتية، بنشر إشاعة أو أخبار مغلوطة دون وسائل إثبات صحتها، أو التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها، سيعاقَب بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وغرامة مالية من ألفين إلى 20 ألف درهم".
وفي هذا الإطار، جرى اعتقال عديد من "المتورطين" في مدن مختلفة وملاحقتهم قانونياً من قِبل النيابة العامة، كما تمكنت عناصر الشرطة القضائية بمدينة طنجة، مساء يوم السبت، من توقيف فتاتين للاشتباه في تورطهما في نشر أخبار زائفة والتبليغ عن حالات إصابة بوباء كورونا. وذكر بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، أن مصالح الأمن الوطني كانت قد رصدت شريط فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، تظهر فيه أربع فتيات يربطن الاتصال، بشكل ساخر، بنظام اليقظة الخاص بوباء كورونا المستجد، للتبليغ عن حالات زائفة للإصابة بالوباء. كما تقرر فتح تحقيق على أثر تداول لائحة اسمية ببعض منصات التواصل الاجتماعي، تتضمن أسماء أشخاص يدَّعون إصابتهم بداء كورونا، وتحديد الجهة المسؤولة عن تسريبها من جهة ثانية، بالنظر "إلى ما يمكن أن يشكّله الفعل من مخالفات تتعلق بنشر الأخبار الزائفة أو بخرق السر المهني، والمساس بالحياة الخاصة للأفراد والمعطيات الشخصية المتعلقة بهم".
وأمام التدفق الرهيب للأخبا وكالة المغرب العربي للأنباء الكاذبة التي تنتشر كالنار في الهشيم، أطلق صحفيون مهنيون هاشتاغ "صحفيون ضد الإشاعة"؛ للتحسيس بخطورتها وما تسببه من تهديد للسلم الاجتماعي، خصوصاً في هذه الظرفية التي تتطلب الثقة بالخبر المؤسساتي، والعمل على استقاء المعلومة من مصادرها الرسمية، كما كشفت عن خدمة عبر قصاصاتها سمَّتها "الصواب والخطأ بخصوص فيروس كورونا المستجد بالمغرب"، عبارة عن فرز بين ما هو صائب وخاطئ من المعلومات المرتبطة بهذا الداء.
ومع بدايات شبكة الإنترنت لم يكن هناك قلق كبير؛ نظراً إلى محدودية مستخدميها، علاوة على كونها مقصورة على فئة معينة، لكن مع توسُّع استخدام الشبكة العنكبوتية، بدأت تظهر جرائم على الشبكة، خاصةً بعد ازدياد أعداد المستخدمين في العالم، مما جعل الإنترنت وسَطاً ملائماً للتخطيط ولتنفيذ عدد من الجرائم وبث الأخبار الزائفة، حيث شكلت مواقع التواصل الاجتماعي تحدياً حقيقياً، لأنها غير خاضعة للرقابة على غرار وسائل الإعلام التقليدية، بالنظر إلى كونها تُستخدم للخير أو للشر، حالها حال كثير من الأجهزة الأخرى، فاستخداماتها تابعة لنيات المستخدم. فقد تكون مصدراً لشر عظيم، لمن أصر على سوء استخدامها. وقد أجرى ثلاثة باحثين من معهد "ماساشوستس للتكنولوجيا"، دراسة نُشرت في مجلة "ساينس" العلمية، وخلصت الدراسة إلى أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يميلون إلى مشاركة الأخبار الزائفة على نحو أوسع وأسرع مقارنة بالأخبار الحقيقية.
وفي ظل تفشى وباء فيروس كورونا، أصبحت الأخبار الزائفة لا تسرَّب من لسان إلى أذن؛ بل من "الكيبورد" إلى العالم.وشكَّلت جائحة كورونا فترة ذهبية لرواج الأخبار الزائفة والشائعات الإلكترونية بالنظر إلى تطور التقنيات التي جعلت العالم قرية صغيرة، فآلاف الوسائل الإعلامية تتولى نشر الشائعات، في صورة من أبشع صور الإرهاب النفسي والتحطيم المعنوي، من شأنها خلق اللبس والبلبلة والزيادة في التهويل؛ نظراً إلى عدم اشتراط التأكد من المعلومة قبل نشرها، وغياب الرقابة على ما يُكتب. وإذا كان في دنيا النبات طفيليات تلتف حول النبتة الصالحة، لتُفْسد نموها، فإن مروجي الشائعات والأخبار الزائفة أشد وأنكى؛ لما يقومون به من خلخلة البنى التحتية للمجتمع، لأنهم مرضى نفسيون، تَرَسّب الغل في أحشائهم، فلا يستريحون حتى يُفسدوا ويُؤذوا، ساعين في الأرض بالفساد للبلاد والعباد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.