الماما فرنسا و “فئران التجارب” الأفارقة!

عدد القراءات
769
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/07 الساعة 14:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/07 الساعة 14:41 بتوقيت غرينتش

رغم كل هذا الظلام الدامس المحيط بالعالم في ظل تفشِّي فيروس كورونا والأخبار المؤلمة التي تنهال على الجميع من كل حدب وصوب؛ إلا أن هذا الوباء له "أوجه أخرى" كشف عنها، وأسقط أقنعة الكثيرين وأظهر معدنهم الزائف والرخيص، ولعل من "أفظع" ما تابعناه خلال هذا الأسبوع وخلَّف ردود فعل صاخبة في شتى بقاع العالم كان ذلك الحوار التلفزيوني الذي دار في استوديهات قناة "ال.سي إي" الفرنسية وجمع بين رئيس وحدة العناية المركزة في مستشفى "كوشين" بالعاصمة باريس ومدير الأبحاث بمعهد الصحة الوطني الفرنسي "كاميل لوشت"..

حيث لم يتوان الأول عن القول بعد الحديث عن لقاح السل "بي سي جي" الذي يتم الآن اختباره في بلدان أوروبية عدة وحتى أستراليا لعلاج "كوفيد-19″، "لو استطعت أن أكون مستفزاً، ألا يجب علينا إجراء هذه الدراسة في إفريقيا، حيث لا توجد أقنعة أو علاج أو رعاية مكثفة بشكل ما بالطريقة التي أُجريت بها بعض الدراسات المتعلقة بالإيدز أو مع البغايا؟"..

قبل أن يضيف "نجرب اللقاح، لأننا نعلم أنهم معرَّضون بشدة للخطر ولا يحمون أنفسهم.. ليرد عليه الطبيب الثاني مزكياً كلامه وطرحه "أنت على حق. وبالمناسبة، نحن في عملية تفكير بشكل متوازٍ حول إجراء دراسة بإفريقيا.. هذا لا يمنعنا من أن نفكر أيضاً في إجراء الدراسة بأوروبا وأستراليا"..

هذا اللقاء التلفزيوني بفحواه "المستفز" أثار سخط أسماء لامعة من إفريقيا على غرار نجوم كرة القدم الذائعي الصيت، مثل الإيفواري ديديه دروغبا الذي رد "إفريقيا ليست مختبر تجارب، إنني أدين بشدة هذه العبارات المهينة والعنصرية"، كما وشن الكاميروني صامويل إيتو هجوماً لاذعاً على الطبيبين واستخدم عبارات قوية في الرد، وفعل الشيء ذاته النجمان المغربيان مهدي بنعطية وعبدالسلام وادو، بالإضافة إلى وزيرة التعليم الفرنسية السابقة ذات الأصول المغربية نجاة بلقاسم التي اعتبرتها "بالتصريحات غير المقبولة"، كما رفع محامون مغاربة ينتمون لنادي "قضاة المغرب" دعوى قضائية ضد الطرفين واصفين الكلام الصادر عنهما بالعنصري..

وبعد الهجوم الشرس على الاثنين قدم الطبيبان الفرنسيان اعتذارهما في محاولة لتهدئة الأوضاع؛ لكن المتتبع للإعلام الفرنسي يدرك ملياً أن ما صرح به هؤلاء يعد "عادياً" بالمقارنة مع ما يبث في قنوات أخرى لا تدخر أدنى فرصة للنيل من الأفارقة وحتى المسلمين، لكن حالة الهلع التي خلفها كورونا والتوق الدائم لدى المشاهدين لسماع أخبار تهم لقاحات جديدة أو تجارب قد تصل "للخلاص" الذي ينهي هذا الكابوس ويعيد الناس لحياتها الطبيعية هو ما ساهم في وصول اللقاء التلفزيوني السالف الذكر لفئات أوسع عبر فرنسا والعالم العربي وحتى العالم، ليتحرك الكثيرون مدافعين عن القارة السمراء وأبنائها..

لكن السؤال المطروح هو: هل سيكون هذا "التصدي" رادعاً لهؤلاء وأمثالهم ليغيروا من حساباتهم ويجعلهم يتخلون عن تلك النظرة الدونية لإفريقيا؟

الجواب معلوم ومعروف للقاصي والداني رغم أن هذه "الهبَّة" لها فوائدها حتماً ورسالتها العريضة أن لهذه القارة المنسية أبناء يعترف العالم بأسره بموهبتهم وقدرتهم على البروز والتألق في مختلف المجالات، وهذه "الماما فرنسا" بالذات اكثر من يعرف ويدرك ذلك، والدليل أنها المستفيد الأكبر من كل مقدراتها وثرواتها الظاهرة منها والخفية، وحتى على صعيد الزاد البشري والخصائص التي تميز الإنسان الإفريقي..

فمتى ستتوقف فرنسا عن استباحة هذه القارة، واعتبار أبنائها مجرد "فئران تجارب"؟.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عادل العوفي
كاتب وصحفي مغربي
درستُ الإعلام والصحافة، وعملتُ بالعديد من المنابر العربية مثل: القدس العربي ورأي اليوم اللندنيتين، وصحيفة المسار بسلطنة عمان، وغيرها، بالإضافة إلى كتابة مقالات رأي في منابر أخرى. عملت مُعدّاً، ومقدم برامج تلفزيونية، وكاتب سيناريو، وآخر أعمالي في هذا المجال مسلسل "عائلة بوخالد" في قطر
تحميل المزيد