ماذا لو لم تتفق السعودية وروسيا على أسعار النفط في اجتماع أوبك القادم؟ سيندمون جميعاً

عدد القراءات
6,549
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/05 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/05 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش

 عادت حرب التصريحات لتستعِر من جديد بين الرياض وموسكو، قبل الاجتماع المرتقب لمنظمة أوبك، بقيادة السعودية والمنتجين المستقلين بقيادة روسيا، فبعد تصريحات منسوبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول رفض السعودية تمديد اتفاق "أوبك+"، وهو أحد العوامل التي تسببت في انهيار أسعار النفط، كما أشار بوتين إلى سعي السعودية للتخلص من منافسيها من منتجي النفط الصخري.

وفي وقت متسارع نقلت وكالة الأنباء السعودية عن وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود قوله في ساعة مبكرة من صباح السبت، إن التصريح المنسوب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن انسحاب المملكة من صفقة أوبك+ "عار عن الصحة جملة وتفصيلاً، ولا يمت للحقيقة بصلة، وإن انسحاب المملكة من الاتفاق غير صحيح، بل إن روسيا هي مَن خرجت من الاتفاق". ونقلت الوكالة عن الأمير فيصل قوله إن "موقف المملكة من إنتاج البترول الصخري معروف، وإنه جزء مهم من مصادر الطاقة".

كما كانت هناك مناكفات بين وزيري الطاقة السعودي عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز والروسي الكسندر نوفاك، حيث أكد الوزير السعودي نفيه يوم السبت ما ورد في تصريح لوزير الطاقة الروسي يوم الجمعة، وجاء فيه رفض المملكة العربية السعودية تمديد اتفاق أوبك+ وانسحابها منه.

وقال الأمير عبدالعزيز في بيان إن "وزير الطاقة الروسي هو المبادر في الخروج للإعلام، والتصريح بأن الدول في حِل من التزاماتها، اعتباراً من الأول من أبريل (نيسان)، ما أدى إلى زيادة الدول في إنتاجها لمقابلة انخفاض الأسعار لتعويض النقص في الإيرادات".

وفي خضم هذه التصريحات والاتهامات المتبادلة، قالت مصادر في أوبك، إن الاجتماع الذي كان من المزمع عقده يوم الإثنين سيتم تأجيله إلى الثامن أو التاسع من شهر أبريل/نيسان، أي بعد يوم أو يومين من الموعد المقرر، لإفساح الوقت أكثر أمام المنتجين للتفاوض حول الخفض المتوقع للإمدادات النفطية، وما الدول التي يمكن أن تنضم لهذا التحالف الجديد.

هذه التصريحات المتبادلة، والتي تبدو سلبية في مضمونها، هي في الحقيقة إيجابية نوعاً ما، فإن كان هناك أي اتجاه لتحقيق اتفاق دائم يعطي الاستقرار لأسواق النفط، فلا بد في البداية من حل كافة الخلافات السابقة، وليس فرض هدنة لحرب الأسعار قد تعود للاندلاع في أي وقت قريب.

ويبدو أن روسيا تحاول اللعب على وتر تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سعى إلى وساطة بين موسكو والرياض حول إنهاء حرب الأسعار، ويحاول الروس تحويل الأمر من نزاع على الحصص النفطية السوقية إلى نزاع بين السعودية ومنافسيها من منتجي النفط الصخري، وهذا الأمر ليس صحيحاً بالمطلق.

فإذا عدنا إلى كواليس ووقائع انهيار اتفاق "أوبك+" فسنرى أن روسيا هي من رفضت الخفض الذي اقترحته أوبك لمواجهة تراجع الطلب العالمي نتيجة جائحة كورونا.

وبالتالي فإن الاتفاق هو الخيار الوحيد بين الجانبين الروسي والسعودي لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط ورفعها للحد الأدنى الذي تتطلبه الأسواق العالمية للنفط، فالأسعار الحالية حول 25 دولاراً للبرميل غير مقبولة لدول تزيد تكلفة إنتاج البرميل فيها عن السعر الحالي كفنزويلا والجزائر وليبيا وكندا والولايات المتحدة.

كما أن حرب النفط لن يكون فيها أي رابح، فهي حرب بين جانبين، ستكون نتيجتها "خاسر-خاسر".

فروسيا التي تصرح بأنها تحتمل هذه الأسعار إلى 5 أو 6 سنوات تعرف جيداً أن ميزانيتها لن تحتمل هذا التراجع الحاد في الأسواق، في ظل الركود الاقتصادي الذي يضرب العالم بسبب كورونا، كما أن مبيعات الأسلحة التي تعتمد عليها روسيا بشكل كبير ستتوقف إلى أجل ليس بقريب، فدول العالم ستكون مشغولة بتعويض خسائرها الاقتصادية أكثر من شراء الأسلحة وتعزيز ترساناتها العسكرية.

وبالنسبة للسعودية فإن الأمر لا يختلف كثيراً، فمع تراجع الأسعار الحالية إلى ما يقارب 25 دولاراً فإن الاقتصاد السعودي سيتأثر بشكل كبير، خاصة مع الخطط لتحويل اقتصاد البلاد من اقتصاد يعتمد على الواردات النفطية بنسبة كبيرة، إلى اقتصاد متنوع ينهي اعتماد الدولة على النفط والطاقة. وهي خطة طموحة تحتاج إلى الكثير من العمل والجهد، والأهم الاستقرار في الموارد النفطية في الأعوام العشرة القادمة.

شركات النفط الصخري الأمريكي بين المطرقة السعودية والسندان الروسي

 المتضرر الأكبر من هذه الحرب النفطية بين السعودية وروسيا هي شركات النفط الصخري الأمريكي، التي توقفت عن الإنتاج بنسبة كبيرة، فتكلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط الصخري تزيد عن 35 دولاراً، وبالتالي فإن استمرار العمل في الوقت الحالي يُعتبر مستحيلاً لهذه الشركات، التي أصبحت مهددة بالإفلاس.

وتوقف هذه الشركات بشكل أو بآخر يُعتبر ضربةً للرئيس الأمريكي ترامب، الذي تفاخر أكثر من مرة بأن الولايات المتحدة أصبحت من كبار منتجي النفط، وبأنها لم تعد تعتمد على الواردات النفطية، ويمكنها التصدير أيضاً، وفي ظل الأوضاع الحالية يبدو أن النفط الأمريكي -مدعاة الفخر للرئيس الأمريكي- مهدد بالتوقف.

والمشكلة الحقيقية هنا بالنسبة لترامب هي إفلاس هذه الشركات وليس توقفها فقط، فهناك فرق بين توقف الشركات عن الإنتاج وبين إفلاسها الذي يعيق إعادة الإنتاج عندما ترتفع الأسعار.

وهذا ما دفع ترامب إلى التوسط بين السعودية وروسيا لإنهاء حرب الأسعار بينهما، وقال بمرارة "لم أكن أتخيل أن أقول ذلك يوماً، ولكن نحن بحاجة إلى رفع أسعار النفط"، كما سيعقد ترامب اجتماع مع الشركات الأمريكية لطمأنتها حول مستقبلها في سوق النفط العالمي.

النقطة الفارقة هنا هي تهديد ترامب باستخدام سلاح الرسوم الجمركية ضد منتجي النفط، وهو سلاح فعال استخدمه ترامب في السابق ضد الصين، وأتى بنتائج جيدة بالنسبة له، على الرغم من خطورة البدء بحرب الرسوم الجمركية، ولكنه فعلها.

وقال ترامب في إحاطة إعلامية بواشنطن: "الرسوم تدرّ الكثير من المال على بلدنا، نحن فرضناها على الصين ودول أخرى، ودول أخرى فرضتها علينا".

وتابع قائلاً: "هل سأفعل هذا من أجل النفط؟ نعم أستطيع، لكن هل سأفعل ذلك الآن؟ لا. أفكر بفرضها؟ لا. ولكن إذا تمت معاملتنا بطريقة غير نزيهة فمن الواضح أن هذه أداة في ترسانتنا".

بالتالي، وبناء على كل المعطيات السابقة، فإن الاتفاق على خفض كبير في أسعار النفط بين السعودية وروسيا وحلفائهما في أوبك والمنتجين المستقلين هو الخيار الوحيد، وإلا فإن القادم سيكون أسوأ، وقد تتجه حرب الأسعار والحصص النفطية إلى مسارات أخرى لم تكن في الحسبان.

وفعلياً العالم اليوم يحتاج إلى رفع الأسعار إلى مستوى 40 إلى 45 دولاراً للبرميل على أقل تقدير، حتى تستطيع الدول التي تعتمد على النفط مواجهة جائحة كورونا وتأثيراتها الاقتصادية المدمرة، فمع الخطة التي وضعتها مجموعة العشرين G20 بقيمة 5000 مليار دولار لإنقاذ الاقتصاد العالمي من تداعيات كورونا، فإن العمل مطلوب أيضاً على فرض الاستقرار في أسعار النفط وضمان واردات نفطية عادلة لكل الدول الأعضاء في أوبك والمنتجين المستقلين. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر زهير
كاتب وباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي
كاتب وباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي
تحميل المزيد