كيف تستثمر أموالك بأمان في زمن كورونا؟

عدد القراءات
2,821
تم النشر: 2020/04/03 الساعة 15:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/03 الساعة 15:01 بتوقيت غرينتش
الاقتصاد في زمن كورونا

هل سينهار الدولار والذهب ومعهما الاقتصاد الأمريكي؟

بينما كان العالم يترقب حدوث أزمة مالية واقتصادية على غرار الأزمة التي حدثت في العام 2008، وتم على أثرها انهيار بنوك ومؤسسات مالية وشركات تأمين وعقارات كبرى، وجد العالم نفسه أمام أزمة اقتصادية أكبر وأضخم من سابقتها، أزمة صحية اقتصادية اجتماعية وإنسانية، لا أحد يعرف حجم خسائرها على وجه الدقة.

الأزمة الجديدة لم تحدث كما كان متوقعاً بسبب ركود الاقتصاد العالمي، وكساد الأسواق، وتصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، الأمريكي والصيني، وزيادة الديون العامة، بل بسبب فيروس صغير كانت بدايته من مدينة ووهان في الصين ثم انطلق بسرعة إلى دول العالم حاصداً معه أرواح آلاف من البشر، ومسبباً خسائر تعد الأضخم في تاريخ الأزمات حيث تقدر بتريليونات الدولارات.

لقد خلطت أزمة فيروس كورونا أوراق الجميع حول العالم، وأربك الفيروس القاتل حسابات الكل بلا مقدمات، حسابات الدول والحكومات، مؤشرات الاقتصاد العالمي، الموازنات العامة وخطط الإنفاق، قطاعات الإنتاج، البنوك المركزية ومؤسسات النقد العالمية، بنوك وصناديق الاستثمار الكبرى وغيرها.

ومع هذه "اللخبطة" ارتبكت الأسواق كافة، النفط والغاز والطاقة، السلع والمعادن المواد الأولية، سلاسل الإمدادات، خطوط الطيران والسفر والشحن، التجارة الخارجية والداخلية، العمالة وفرص العمل، والأخطر حياة الناس ومعيشتهم اليومية ومدخراتهم وتحويشة عمرهم.

ومع تمدد الفيروس يوماً بعد يوم شهدت بعض الأسواق صعوداً في بعض أسعار السلع خاصة المرتبطة بشكل مباشر بوباء كورونا كالأدوات الطبية والسلع الغذائية، في حين كان الانهيار من نصيب البورصات وأسواق المال والنفط والاستثمارات الأجنبية المباشرة وحركة الأموال التي فرت بسرعة من الأسواق الناشئة والنامية إلى الأسواق الغربية بحثاً عن ضمان مفقود وأمان قلما يتوافر في أداة استثمارية أو سوق بعينه.

ومع الانهيارات المتواصلة في أسواق وبورصات العالم، امتد هذا الارتباك حتى للأفراد وصغار المستثمرين والمدخرين الذين صدموا مما حدث في أسواق وعملات العالم جراء ضخامة الخسائر التي طالت الجميع، والأموال التي سارعت الحكومات بضخها في الأسواق والتي تقدر بتريليونات الدولارات في محاولة منها لإيقاف انهيار الاقتصاديات الوطنية وإفلاس المصانع والقطاعات الإنتاجية والصناعية وتعويض ملايين الموظفين الذين فقدوا عملهم في ليلة وضحاها.

وزاد من "ربكة" الأفراد القرارات الجماعية التي اتخذتها البنوك المركزية حول العالم بخفض سعر الفائدة على عملاتها، بل وقيام أهم بنك مركزي في العالم وهو الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض سعر الفائدة على الدولار عدة مرات حتى اقترب العائد إلى قرب الصفر.

لقد صدم هؤلاء الأفراد مما حدث في أسواق المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة، كما صدموا حينما راحوا يسمعون أراء شاذة ومتشائمة تحدثهم عن انهيارات متوقعة في سعر الدولار الأمريكي، أقوى عملة في العالم من حيث التداول، وأهم عملة في مكونات احتياطيات الدول والبنوك المركزية العالمية من النقد الأجنبي.

زاد ارتباك الشريحة الكبرى من الأفراد أيضاً انتشار أحاديث مزعومة عن قرب انهيار الاقتصاد العالمي، وفي المقدمة الاقتصاد الأمريكي، مع تفشي فيروس كورونا، وتسببه في موت ملايين الأميركيين والأوروبيين والآسيويين، دعم ذلك الارتباك ثقافة محدودة لدى هذه الشريحة، وضعف خبرة في إدارة الأموال، وميل هؤلاء إلى اتباع سياسة القطيع، وهي السياسة التي يسير عليها العديد من الأفراد المضاربين في البورصات حينما يسارعون بشراء الأسهم وقت صعود مؤشر سوق المال، ويتخلصون منها وقت تراجع أسعار الأسهم، وهي سياسة خطأ من الناحية الاستثمارية، إذ تزيد رجال الأعمال وكبار المضاربين حصداً للأرباح، وتلحق الخسائر بصغار المستثمرين.

العملات الآمنة

القاعدة الاستثمارية والنصيحة الجاهزة التي يتم تقديمها دوماً للأفراد، وحتى المؤسسات، في أوقات الأزمات هي أنه إذا زادت المخاطر، فعليك بأدوات الاستثمار الآمنة وشبه المضمونة والتي يأتي في مقدمتها الذهب والفضة، وودائع البنوك، وأدوات الدين الحكومية مثل السندات وأذون الخزانة، ثم تأتي العقارات والأراضي في مرتبة تالية، حيث إنها أداة شبه مضمونة في مجتمعاتنا العربية، لكنها صعبة البيع والتصرف وبطيئة في تحويل قيمتها إلى سيولة مالية.

لكن أزمة كورونا جعلت كثيراً من المحللين يعيدون النظر في هذه القاعدة، فالمضمون من الناحية الاستثمارية لم يعد مضموناً، فبعض أدوات الاستثمار التي كان من المفروض أن تشهد قفزات سعرية مع اندلاع أزمة كورونا تراجع سعرها بشدة، وأسهم قطاع الطاقة انهارت مع تهاوي أسعار النفط بسبب تفشي كورونا وتراجع الطلب العالمي على الخام الأسود.

هناك قاعدة أخرى تقول إنه "في وقت الأزمات تصنع الثروات"، وهي قاعدة يستفيد منها المغامرون وقناصو الفرص وأمراء الحروب وغاسلو الأموال القذرة والمحتكرون الذين يستغلون الطلب المتزايد على سلعة ما، ويقومون برفع سعرها بشكل مبالغ فيه ويزيد كثيراً عن التكلفة لحصد أرباح ضخمة خلال فترة زمنية قصيرة.

لكن هذه القاعدة اهتزت أيضاً في زمن كورونا، حيث بات الجميع تحت ضغط الخسائر الفادحة وتجميد الأنشطة الاقتصادية، وباتت الدول هي اللاعب الرئيسي في المشهد الاقتصادي، حيث إن الأزمة فرضت على الحكومات ضخ تريليونات الدولارات في الأسواق لمنع تهاوي الاقتصاد والحفاظ على فرص العمل ودعم قطاع الصحة.

مثلاً أعلنت الحكومة الأمريكية عن ضخ 2.2 تريليون دولار كخطة تحفيز اقتصادي وتعويض الشركات والقطاعات والعمالة المتضررة من وباء كورونا، وأطلقت ألمانيا خطة تحفيز بقيمة 750 مليار يورو لإنقاذ فرص العمل والعاطلين والشركات المتضررة من أزمة الفيروس، وخصصت فرنسا 300 مليار يورو لحماية الشركات من الإفلاس، وأقرت الحكومة الإيطالية مساعدات بـ25 مليار يورو، لدعم الاقتصاد وحماية العائلات والعمال والمستثمرين.

إزاء هذه الخسائر الفادحة التي تتعرض لها معظم الاقتصاديات الكبرى والنامية على حد سواء، وتكبد البورصات العالمية خسائر تقدر بنحو 5 تريليونات دولار في أسبوع واحد، وتكبد كبار مستثمري وول ستريت والبورصات الأميركية خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، ماذا يفعل المدخر الصغير للحفاظ على الأقل على مدخراته وعدم تعريضه لأية مخاطر.

الاستثمار في الذهب

كما قلت يعد الاستثمار في الذهب أعلى أنواع الاستثمار أماناً، ولذا تقبل الدول والبنوك المركزية على شراء مزيد من المعدن الأصفر، لكن في زمن كورونا اهتزت ثقة المستثمرين في الذهب الذي كان من المفروض أن يشهد سعره قفزات تدفع به سريعاً إلى حاجز الألفي دولار للأوقية من 1628 في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، لكن ما حدث هو تراجع السعر إلى نحو 1400 دولار ثم زاد بعد ذلك ليصل إلى 1621 دولاراً في نهاية مارس/آذار الماضي.

ورغم التذبذب في أسعار الذهب، إلا أنه لا يزال أداة الاستثمار شبه الآمنة خاصة مع توقعات بزيادة سعره خلال الفترة المقبلة، بل إن هناك توقعات ترفع سعره إلى 3 آلاف دولار للأوقية خلال السنوات الثلاث المقبلة، لكن التقديرات الأكثر تحفظاً جاءت من مجموعة "سيتي جروب" المصرفية الأمريكية التي توقعت قبل أيام أن يصل سعر الذهب إلى 1700 دولار للأوقية خلال الفترة من 6 إلى 12 شهراً المقبلة، ليزيد إلى ألفي دولار في غضون الـ12 إلى 24 شهراً المقبلة. وفي حال رغبة الأفراد في الاستثمار في الذهب ينصح بشراء السبائك الذهبية سواء من البنوك أو التجار أو شركات الصرافة مباشرة لأسباب عدة أبرزها أنه يمكن بيع السبائك بسهولة وبدون خسارة "المصنعية".

الودائع المصرفية

الأداة الثانية التي ينصح للأفراد الاستثمار بها وقت زيادة المخاطر، كما هو الحال الآن، هي الودائع المصرفية وإيداع مدخراتك في شكل شهادات ادخارية أو حسابات توفير لدى البنوك مقابل الحصول على سعر فائدة ثابت أو متغير حسب البنك الذي تتعامل معه وما إذا كان بنكاً تقليدياً أم يتعامل بالنظام الإسلامي، وهذه الأداة مضمونة "زيرو مخاطر" وتناسب الأشخاص الذين لا يريدون تحمل أي نوع من المخاطر خاصة وأن البنوك المركزية والحكومات تضمن أموال المودعين حتى في حال إفلاس أي بنك. ويجب هنا استشارة بعض المتخصصين قبل التوجه إلى البنك لاختيار الوعاء الادخاري المناسب من حيث الفترة الزمنية وموعد صرف العائد وما إذا كان شهرياً أو ربع سنوي أو سنوياً أو تراكمياً.

الدولار والعملات الرئيسية

الأداة الثالثة التي ينصح للأفراد الاستثمار بها وقت زيادة المخاطر هي العملات الرئيسية وفي مقدمتها عملات مجموعة السبع G7 مثل الدولار والجنيه الإسترليني واليورو، فهذه العملات تستمد قوتها من ضخامة اقتصاديات الدول الصادرة عنها، وتنوع مصادر إيرادات الدولة من النقد الأجنبي خاصة من قطاعات حيوية مثل الصناعة والإنتاج والاستثمارات المباشرة والسياحة وصادرات الأسلحة والأدوية والطيران والخدمات، لكن العيب في هذه الأداة هو حصول المدخر بها على سعر فائدة بسيط، إذ إن البنوك المركزية التي تصدر هذه العملات خفضت أسعار الفائدة عليها عدة مرات لتحفيز الاقتصاد وتشجيع الاستثمار وخفض تكلفة الأموال.

البورصات

قد يقول لك ناصح "استغل الفرصة وحقق ثروتك الآن بالاستثمار في البورصة واستغلال حالة التراجع الحاد في أسعار الأسهم خاصة منذ الإعلان عن تفشي وباء كورونا"، وهذا كلام مقبول ومنطقي، لكنه يناسب الشخص المغامر والمخاطر، لا الشخص المتحفظ، فتحقيق أرباح عالية من الاستثمار في الأسهم هدف يمكن تحقيقه في الوقت الحالي، خاصة وأن أسعار بعض الأسهم وصلت إلى معدلات تاريخية من الانخفاض، لكن في المقابل فإن هذه لعبة خطرة، فقد يتواصل تراجع البورصات في الفترة المقبلة خاصة مع استمرار تنامي مخاطر أزمة كورونا وتهديها الاقتصاد العالمي وقطاعاته الإنتاجية، إضافة إلى ما سببه تهاوي أسعار النفط من خسائر فادحة للاقتصاديات العربية والخليجية، كما أن مواصلة المستثمرين الأجانب سحب استثماراتهم من الأسواق الناشئة يضغط بشدة على بورصات دول المنطقة.

النصيحة الأخيرة للمدخر الصغير هنا هي أنه يفضل الاحتفاظ بأموالك في شكل سيولة نقدية في وقت المخاطر، وهذا الاحتفاظ يساعدك في اقتناص أي فرصة استثمارية، وأفضل مكان للاحتفاظ بأموالك في شكل سيولة هو إيداعها في أحد البنوك، فهذا الأمر يحقق لك عنصر الأمان، كما يفضل أيضاً أن يكون لك مستشار مالي تعود إليه قبل اتخاذ قرارك الاستثماري.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى عبد السلام
كاتب متخصص في الشأن الاقتصادي
تحميل المزيد