هكذا تُدار المعارك.. 3 أدوات استغلها حفتر بذكاء وتعامل معها السراج بضعف وارتباك!

عدد القراءات
1,478
عربي بوست
تم النشر: 2020/04/02 الساعة 15:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/02 الساعة 15:17 بتوقيت غرينتش

أوشك العدوان على العاصمة الليبية طرابلس من قبل ميليشيات اللواء خليفة حفتر أن يدخل عامه الأول، فبعد هجومه في بداية أبريل/نيسان العام الماضي والذي خسر فيه الرهان أمام الدول الداعمة له والمراقبة بأن يدخل العاصمة خلال 48 ساعة، كان حفتر لا يزال يملك مركزية التحكم لثلاث عناصر رئيسية تجعله يستمر في البقاء على تخوم العاصمة، ويمارس بها سياسته المعروفة وهي إطالة أمد الحرب حتى يجني النصر كما فعل سابقاً في مدينتي بنغازي ودرنة والتي استمرت الحرب عليهما لأربع سنوات.

هذه العناصر الثلاثة التي يتحكم بها حفتر وهي (الكتائب المسلحة  والدعم والقرار السياسي والإعلام) هي نفس العناصر التي تتملكها حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، والذي يقود حالياً صد عدوان ميليشيات حفتر على العاصمة، ولكن مستوى إدارة السراج  لهذه العناصر يظل ضعيفاً مقارنة بإدارة حفتر، وهو ما سنوضح تفاصيله في هذا المقال.

عنصر الكتائب المسلحة

منذ بدابة تمرد خليفة حفتر في عام 2014  وإعلان حربه على كتائب الثوار في بنغازي ودرنه تحت مسمى محاربة الإرهاب وحالة الفوضى التي شهدتها تلك المدن واسمها عملية (الكرامة)، وهو يسعى بأن ينطوي تحته أكبر عدد ممكن من الكتائب ويكون الولاء مباشرة له، وبعد ست سنوات من انطلاق عمليته نجح فعلاً في أن يمتلك هذا العنصرين بعد الدعم القوي له من بعض الدول الإقليمية كـ(مصر والإمارات) والغربية كـ(فرنسا وروسيا).

جمع حفتر كل الكتائب العسكرية بالشرق والجنوب الليبي وعين أمراء موالين له أو من قبيلته قبيلة الفرجان من ذوي رتب العسكرية عالية أو منحهم إياها، وقام برفع المرتبات الشهرية لجميع العسكرين إلى الضعف بعد تقلده لما يسمى المنصب القائد العام للجيش الليبي، مستقطباً بذلك عدداً أكبر من العسكريين من جميع أنحاء ليبيا، بالإضافة إلى ضم المدنيين التابعين للكتائب غير النظامية إلى قواته والتي لها ولاء قبلي في السابق، ومنحهم الرتب والمرتبات ومزايا مالية ومناصب عسكرية عالية، وكسب بهذه الخطوات الدعم والولاء المباشر له من شيوخ القبائل.

كما شكل حفتر أقوى كتيبة عسكرية بقيادة ابنه صدام ومنحه رتبة العقيد رغم عدم بلوغه السن القانونية، وفتح لها فروع في عدة مناطق في ليبيا وزودها بالعناصر العسكرية والأسلحة المتطورة والآليات الثقيلة، فكانت لها دور كبير في القضاء على محاولات التمرد ضد اللواء حفتر والتي حدثت في الجنوب والشرق الليبي، منها إنهاء تمرد الملازم فرج أقعيم العقوري وكيل وزارة الداخلية التابعة لحكومة السراج في بنغازي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، والقبض عليه هو ومن معه من أفراد كتيبته.

من جهته لم يتعامل السراج بنفس العقلية رغم امتلاكه الشرعية والصلاحيات الكاملة المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، بل سعت حكومته ومنذ دخولها إلى طرابلس إلى استقطاب كتائب غير نظامية بعينها لا سيما الموجودة في العاصمة عن طريق دفع الامتيازات المالية والمناصب الوزارية والسفارات، بل سلمتها مؤسسات أمنية بعينها كالدعم المركزي والمخابرات وغيرها، دون تفكيكها ودمجها  في تلك المؤسسات أو المؤسسات العسكرية التابعة لها، حتى تضخمت وأصبحت تبتز في السراج  نفسه وتؤثر في بعض قراراته مشكلة بهذا بوابة جديدة وكبيرة من الفساد الذي ينخر الدولة منذ فترة وأضعفت من بسط سلطتها على مؤسسات الدولة.

كما قام السراج ومن معه بتوجيه تلك الكتائب وإعطائها الشرعية لمقاومة الكتائب الرافضة لاتفاق الصخيرات وطردها خارج العاصمة بعد فترة قصيرة من دخولها، دون مجال  للتفاوض والحوار والتفاهم معها حتى تستفيد من عقيدتها القتالية القوية وتصبح ورقة ضغط دولية أمام مشروع حفتر العسكري، بل كانت أولوية السراج هو الحوار والتفاهم مع خليفة حفتر والوصول معه لصيغة من التفاهمات تضمن مشاركة الجميع سياسياً، والتخلي عن مشروعه العسكري المتفرد، والذي اتضح مع الأيام أن هذا التوجه كان خطأ استراتيجياً وخسرت فيه حكومة الوفاق الاثنان معاً.

من جهة أخرى، هناك بعض الكتائب التي لم تتحالف معها بصورة قوية في المنطقة الغربية حتى تخلت عن دعمها لحكومة السراج والتجأت إلى دعم حفتر ككتيبة (الكانيات) بمدينة ترهونة، حيث كانت عاملاً كبيراً لدخول قواته إلى المنطقة الغربية وجنوب العاصمة طرابلس.

وحتى بعد العدوان الأخير لا يزال  السراج مستمراً في أدائه المرتبك مع عديد الكتائب العسكرية رغم توحدها جميعاً تحت راية حكومته لقتال قوات حفتر ورفض دخوله للعاصمة ورغم صدها لبداية العدوان، فإنه لازال  يدعم كتائب بعينها بجميع أنواع السلاح والآليات وكتائب أخرى يصلها السلاح بصورة ضعيفة خشية تقويتها وتكون عقبة له ولحكومته مستقبلاً.

عنصر الدعم والقرار السياسي

لقد استغل حفتر نفوذه العسكري في تقليص دور البرلمان الليبي بطبرق حيث قام بصناعة ولاءات شخصية لعدد من أعضاء البرلمان إما بتحالف مصلحي أو طوعي كالذي نراه حالياً من رئيس البرلمان بطبرق عقيلة صالح تأييده المطلق  لحفتر، حيث انتزع بهذا النفوذ عدة قرارات مهمة منها تقليده منصب القائد العام للجيش الليبي والشرعية لعملياته العسكرية منذ انطلاقها حتى عدوانه على العاصمة، وأيضاً وبهذا النفوذ عرقل إعطاء الثقة لحكومة السراج وتفعيل بنود اتفاق الصخيرات الذي يحد من نفوذه العسكري.

كذلك جعل نفسه في السنوات الأخيرة هو الممثل الوحيد في المفاوضات الخارجية وأصبح دور برلمان طبرق شكلياً ممثلاً في رئاسته فقط في بعض المفاوضات الدولية، حتى في حوار جنيف الأخير عندما شكل وفد ممثل عن إقليم برقة سواء من برلمان طبرق أو من اختارتهم البعثة عادوا أدراجهم بعد مكالمة هاتفية من أيوب الفرجاني صهر حفتر أخبرهم فيها أن حفتر يأمركم بمقاطعة هذا الحوار، على عكس السراج وحكومته ومن يمثلهم من القوى السياسية الرسمية والحزبية والتي انقسمت في مشاركة حوار جنيف من عدمه.

أيضا الدعم الإقليمي كمصر والإمارات ودول الغربية كفرنسا وروسيا وكيف استثمر حفتر هذا الدعم بإنشاء قواعد عسكرية لتلك الدول دعمته في جميع حروبه بالسلاح والطيران الحربي والمسير وجلبت له المرتزقة حتى جعلته يصمد في حربه الحالية على العاصمة إلى هذه اللحظة.

وعندما ننتقل بهذا العنصر إلى السراج وحكومته نجد ضعفاً في إدارته حتى قبل العدوان، رغم امتلاكه كل الإمكانيات ولديه الشرعية الدولية، فلم يستطع استقطاب عدد كبير من نواب طبرق لتؤثر على القرار لصالحه، بل كما قلنا سابقاً إن مساره الأول والمهم هو التفاوض مع حفتر، ورغم التقدمات العسكرية لحفتر والتي سبقت العدوان الأخير منها سيطرته على منطقة الجفرة والجنوب الليبي، لم يتخذ السراج موقفاً حازماً ضد هذا الاقتراب من حدود نفوذه، ورغم تحذيرات قوى سياسية وإقليمية عديدة من هجوم قريب لحفتر على العاصمة، إلا أنه وصف  تقدماته بالعمل الوطني معولاً في ذلك على اقتراب حوار غدامس برعاية أممية ومراهنا على نجاحه، والذي سبقه بعدها حفتر بإسبوعين بهجوم مفاجئ على العاصمة أبريل/نيسان الماضي حتى خرج علينا السراج، وقال إنه هجوم غادر وطعنة في ظهر.

أيضا تعامله المضطرب مع الدول الإقليمية الداعمة له وللاستقرار في ليبيا  كـ(تركيا وقطر) لم يكن  بصورة القوية بل تحفظ على التعامل المباشر معها في كثير من المراحل، لكي يرضي الدول الإقليمية المعادية لتلك الدول كمصر مثلاً، حيث سعى السراج ومن معه لتقوية العلاقة مع النظام المصري كونه الداعم الأول لخليفة حفتر، وأن تؤثر إيجاباً عليه في الرضوخ للعملية والحوار السياسي، فلم يستغل السراج دعم هذه الدول، وأن يذهب في مسار متواز إلا بعد فوات الأوان.

حتى وبعد الدعم التركي المعلن سواء سياسياً أو عسكرياً لم يتعامل السراج بصورة قوية، ولم يستثمره بشكل جيد في دحر عدوان حفتر، بل تعامل معه بحذر باحثاً عن حلفاء جدد، لأنه يرى تركيا بدخولها المباشر في ليبيا سيفتح أزمات سياسية مع دول إقليمية ودولية رغم سلبيتهم تجاه العدوان، وهذا ما تبين في تصريحه عندما طلب من الاتحاد الأوروبي إرسال قوات حمية أوروبية إلى ليبيا، وقد انزعجت تركيا من هذا التصريح رغم قرارها لإرسال جنودها إلى ليبيا، وكذلك من التعاطي البطيء مع الاتفاقية البحرية والأمنية المشتركة في تنفيذ بنودها بشكل غير معلن.

عنصر الإعلام

سعى حفتر منذ بداية تمرده في الشرق الليبي إلى إغلاق كل القنوات المناوئة لمشروعه أو من تتخذ الحيادية سياسة لها كإذاعة بوابة الوسط مثلاً، بل وأسس قنوات مرئية وصل عددها إلى 7 قنوات على رأسها قناة الحدث الليبية وكذلك تحالف مع قنوات أخرى يصل عددها إلى 3 قنوات وإن بدت في بعض الأحيان تنتقد بعض سلوكيات مليشيات حفتر، إلا أنها عملت على تغذية الصراع العسكري والسياسي لصالحه وإلى تشويه خصومه أمام الرأي العام  منذ سنوات، وكونت له قاعدة شعبية كبيرة في جميع أنحاء ليبيا، مستخدماً شعارات يستحسنها الشارع الليبي كمحاربة الإرهاب والقضاء على الميليشيات والتي مهدت به القبول الشعبي لمباركة العدوان على العاصمة وتشويه السراج وحكومته.

وإذا انتقلنا إلى السراج ومنذ دخوله للعاصمة غير سياسات القنوات الرسمية التابعة لي حكومته والقنوات الخاصة الممولة من أحزاب وشخصيات  مؤيدة لاتفاق الصخيرات، بالتنسيق معهم إلى خطاب التوافقي ودعوات السلام دون أن تذهب في مسار مواز تبين انتهاكات حفتر وعرقلته للعملية السياسية وصد هجماته الإعلامية المستمرة، ولم يستفق السراج وهذه القنوات من هذه الأخطاء إلا بعد العدوان شهر من العدوان على طرابلس فغيرت من نهجها الإعلامي ضد هذا العدوان، لكن ليست بالمستوى التي تعمل به القنوات المؤيدة لحفتر.

فقبل العدوان نجده قد أيد السراج  بشكل غير معلن لإغلاق قنوات مناوئة له ولاتفاق الصخيرات وفي نفس الوقت مناوئة لحفتر، مثالاً كقناة النبأ والتي اقتحم مقرها وأحرق عدة مرات من كتائب موالية لحكومة السراج في طرابلس وكذلك التضييق على تحرك قناة التناصح وموظفيها التابعة لتيار دار الإفتاء الليبية بقيادة الشيخ الصادق الغرياني المناوئ لاتفاق الصخيرات ومشروع حفتر من قبل هذه الكتائب، ولم تستفد من وجود هذه القنوات وتحالفت مها لتقوية الجبهة الإعلامية ضد مشروع حفتر.

والعجيب وقبل العدوان سمحت للقنوات الداعمة لمشروع حفتر بفتح مكاتب لها بالعاصمة كقناة 218 وليبيا روحها الوطن الممولتين من دولة الإمارات، التي كانت ضد حكومة السراج والاتفاق السياسي وبشكل معلن، ولم تغلق مكاتبها إلا بعد العدوان.

مراجعة إدارة العناصر الثلاثة

إن القارئ لخطوات حفتر السابقة في سيطرته على عناصر التمكين الثلاثة وجعل إدراتها مركزية، سيعلم لماذا هذا الصمود السياسي والعسكري لمشروعه السلطوي إلى الآن، وأيضاً لماذا السراج وحكومته تعاني من هذا الترهل والارتباك الواضح في أدائها لصد العدوان رغم ما تمتلكه من شرعية دولية ودعم إقليمي مباشر على رأسها دولة تركيا.

إن استمرار السراج وحكومته بهذا الأداء المرتبك وعدم المراجعة الحقيقية في إدارة هذه العناصر الثلاثة ووضع الحلول عاجلة خصوصا الإدارة الملفات العسكرية والسياسية واستثمار الدعم التركي وتسخيره بصورة قوية لهزيمة مشروع حفتر على أسوار طرابلس، أتوقع أن السراج سيكون في قابل الأيام في موقف صعب وبين خيارين فقط، إما بتنازلات مؤلمة، أو سيتسبب بهزيمة لقوات الوفاق المدافعة عن العاصمة على المدى البعيد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

موسى بوقويطين
إعلامي ليبي
موسى بوقويطين، تخرجت في كلية الدراسات الإسلامية، وأعمل بمجال الصحافة والإعلام، وأشغل حالياً منصب مدير إذاعة السرايا المنوعة في العاصمة طرابلس، وأعمل بالرصد الإخباري لبعض المؤسسات.
تحميل المزيد