رحلت عائلته عن مالي بسبب الأوضاع المادية الصعبة، رحلت باحثة عن لقمة عيش كريمة. كان ذلك في عام 1980، عندما انتقلت أمه وأبوه رفقة بعضٍ من إخوته إلى فرنسا. كان حينها بطل قصتنا مجرد مشروع محتمل، طفل لم يولد بعد.
لأنه وُلد عام 1991 وقد عاش طفولة قاسية، وغادر والده الحياة عندما كان عمره 11 عاماً.
نشأ نغولو في حي متواضع وكان عليه تحمُّل المسؤولية في سن مبكرة والمساهمة في توفير ما تحتاجه العائلة. لذلك كان يسير مسافات طويلة على قدميه، بحثاً عن النفايات القيمة أو تلك التي يمكن إعادة تدويرها، من ثم يبيعها للمصانع وتجار الخردة مقابل بعض الأموال.
لكن مثل هذا العمل لن يلبي طلبات عائلة تتكون من 9 أفراد، كان يعلم كانتي أن هذه الوظيفة لن تحمي عائلته من الفقر، فبحث عن بدائل من شأنها أن تغير حالة الأسرة بشكل عام وحياته بشكل خاص. كان يبحث عن لحظة اقتناص المستقبل.
طرقت فكرة التغيير بابه بعيد مونديال 1998، وبدأت تختمر في بدايات الألفية الجديدة. شاهد الطفل كأس العالم، ورأى فرنسا مختلفة تماماً، حيث إن الفرصة تمنح للمهاجرين وأصحاب البشرة السمراء، فأغلب نجوم المنتخب هم من أبناء المهاجرين أمثال: زيدان، هنري، تورام، مارسيل ديساييه، وباتريك فييرا وغيرهم هم من جلبوا المجد لفرنسا.
المجد الذي غيّر من مفهوم حياتهم للأبد، وتغيرت معه نظرة الفرنسيين للمهاجرين. كيف لا ومجد فرنسا الكروي الأكبر وقع تدشينه من طرف مهاجرين سود!
رحلة النحت في الصخر
"كان كانتي أصغر منا بـ 3 سنوات و مع ذلك كان يلعب معنا، أذكر أننا كنا نواجه فريقاً محلياً وجاء نغولو في آخر 10 دقائق، كان الأصغر على أرضية الملعب ومع ذلك لم يستطع أحد تجاوزه".
هكذا كان كلام صديقه الذي يلعب معه بعد انضمامه إلى أكاديمية تدعى "شباب سوريسنيس" في الضواحي الغربية للعاصمة.
في عالمنا يبدو العامل النفسي مهماً جداً في حياة اللاعب وهو الذي سيكون شخصيته بناء على نظرة الناس نحوه، كان الجميع يسخر منه لحجمه و طريقة ركضه. وهذا من المفروض أن يكون في حد ذاته نوعاً من القتل المبكر لحلم طفل يريد أن يغير حياته.
لكن جورج تورناي الذي درّبه يرى أن ذلك ساعده كثيراً حيث قال:
"أعتقد أن الرفض صقل معدنه وجعل إرادته أقوى، أنا أثق أنه عانى من ذلك لكنه لم يظهر ذلك أبداً ولم يؤثّر عليه إطلاقاً".
انتقل كانتي إلى "بولون" في دوري الدرجة الثانية في سن التاسعة عشر. حيث خضع نغولو لتجربة أداء وتم قبوله وكان عقده ينصّ على أن يساعده الفريق في إكمال دراسته. جلس كانتي على دكة النادي الذي يصارع من أجل البقاء ولم يحصل بعدها على مكان في الفريق الأول إلا بعد أن هبط للدرجة الثالثة وكان يأتي إلى التمارين كل يوم مبكراً على متن دراجته الهوائية.
بعد ذلك وبسبب تألقه رفقة الفريق الأول، جذب اهتمام نادي "كان" الذي ينشط في الدرجة الثانية فوقع الفريق معه، بعد انتقاله إلى "كان" صعد إلى الدرجة الأولى وبدأ بجذب الأنظار إليه من فرق أعلى أداء وشهرة.
يقول سكرتير النادي الذي بدأ معه مشواره:
"لم يكن كانتي خجولاً فقط بل كتوماً جداً، لم نكن نعلم أبداً عندما نتحدّث إليه إن كان يفهم التوجيهات أم لا، فهو كان يكتفي بالنظر إلينا فقط، لكن في الأسابيع التالية نراه يطبق التوجيهات، وحينها نعلم أنه قد فهم ما نريده في الفريق وما يفرض عليه".
ذهب به كشافة النادي عندما كان بسن السادسة عشرة لمختلف الأندية الفرنسية مثل باريس ورين، لكن الإجابة الدائمة كانت "لدينا أفضل منه"، لكن كانتي لم يظهر انزعاجه.
يكمل "فيل" ذلك السكرتير كلامه:
"هنالك توافق كبير بين أسلوب لعبه وذكائه، فهو يقرأ المباراة سريعاً ويحلل بطريقة مذهلة وعظيمة ويستطيع انتزاع الكرة، ومن ثم اختيار التمريرة المناسبة. كنت أقول له تخيل أنك محلول كيميائي تغير لون التركيبة وشكلها عندما تضاف إليها".
حطّ نغولو بعد ذلك الرحال في مدينة ليستر بفضل الكشاف ستيف والش بعقد مدّته أربع سنوات مقابل 5.6 مليون إسترليني.
ليبدأ بعدها مهرجان من سلب القلوب لن ينتهي إلا إذا توقف اللاعب عن الضحك!
الانطلاقة الحقيقية كانت مع ليستر في عام 2015، حيث انفجرت قدراته بشكل كبير مساهماً معهم في تحقيق لقب الدوري 2016 للمرة الأولى في تاريخ النادي.
شارك نغولو في 37 مباراة في الدوري وبلغت نسبة نجاح تمريراته 82% بمعدل 39.2 تمريرة ناجحة في المباراة الواحدة، كما سجل هدف وحيد وصنع أربعة.
انتهت قصة كانتي مع ليستر سيتي البطل، لينتقل بعدها إلى تشيلسي في 2016 مقابل 32 مليون جنيه إسترليني لمدة خمسة أعوام.
وفي أول تصريح له:
"أنا سعيد للغاية لأنني وقعت مع أحد أكبر أندية أوروبا، إنه حلم أصبح حقيقة بالنسبة لي".
ليواصل الأداء المميز رفقة البلوز.
قصة من ذهب
قبل مشاركة فرنسا في كأس العالم الأخيرة تعرض شقيق نغولو كانتي الأكبر "نياما كانتي" إلى سكتة قلبية توفي بعدها مباشرة. وبالرغم من هذه المحنة، قدم نغولو كانتي مع منتخبه مستوى مبهراً قاد به فرنسا لتحقيق المونديال.
قصة حياة كانتي من القصص العظيمة والملهمة، معاناة الهجرة والفقر وفقدان والده في البداية وخسارة أخيه في منتصف الرحلة، لم تكن عائقاً أمام طريقه نحو النجومية وإثبات الذات كاتباً قصته في تاريخ الكرة بحروف ذهبية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
تقدر شركة إنتغرال ميديا الاستشارية المحدودة خصوصيتك وتعلم جيدًا كم هي مهمة لك وأنك تهتم بكيفية استخدام
بياناتك الشخصية.
نحترم ونقدّر خصوصية جميع من يزورون موقع عربي بوست، ولا نجمع أو نستخدم بياناتك الشخصية إلا على النحو الموضح في
سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط، ولأغراض تحسين المحتوى المقدم وتخصيصه بما يناسب كل زائر؛ بما يضمن تجربة
إيجابية في كل مرة تتصفح موقعنا.
تعتبر موافقتك على سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط أمرًا واقعًا بمجرد استمرار استخدامك موقعنا. يمكنكم
الموافقة على جميع أغراض ملفات الارتباط بالأسفل، وكذلك يمكنكم تخصيص الأغراض والبيانات التي يتم جمعها. يرجى
العلم بأنه حال تعطيل كافة الأغراض، قد تصبح بعض مزايا أو خصائص الموقع غير متاحة أو لا تعمل بشكل صحيح.
تخصيص الإعدادات
الإعلانات والتحليلات
التحليلات والاستهداف
قياس جودة المحتوى
اقترح تصحيحاً
جمع القمامة في طفولته ورفضه أكبر الأندية.. قصة حياة كانتي الملهمة