تغيرت كثيراً والحب هو شعار مرحلتي القادمة.. آخر يوم لي في الحجر الصحي

عدد القراءات
3,475
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/31 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/31 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
من داخل الحجر الصحي بالأردن

اليوم هو اليوم الأخير في الحجر الصحي في الأردن.. اليوم هو اليوم الذي حلمت به منذ خمسة عشر يوماً.. أن أستعيد حريتي بعد المعافاة وأخرج لحياتي من جديد. تتملكني الكثير من المشاعر التي لا أعرف كيف أعبر عنها أو من أين أبدأ إلا أنني أريد أن أبدأ من الناس. لدي الكثير من المشاعر تجاه نفسي وابنتي وتجاه الناس وتجاه العالم كله.

ما يتعلق بنفسي؛ فهذا الحجر علمني الكثير والكثير من الأشياء وبالرغم من أنها خمسة عشر يوماً فقط إلا أنني خرجت منها بدروس للحياة تكفيني لحياتي القادمة كلها. الحياة بين أربعة جدران وحيداً تنشط حوار الإنسان الداخلي معه نفسه وتجعله قادراً على فهم نفسه وحياته أكثر بكثير من أي وقتٍ مضى. أولاً أخذت الكثير من القرارات في حياتي التي سأبدأ في تغييرها فور خروجي. هناك الكثير من الأولويات في الحياة التي يجب أن نلتفت لها أولاً وقبل أي شيء. الصورة الآن أوضح لي كثيراً من أي وقت مضى. طريقة تعاملي مع الحياة ستتغير تماماً ابتداءً من اللحظة التي سأخرج فيها من جديد. 

هذا الفيروس على صغره وأنه لا يرى بالعين المجردة إلا أنه علمني الحب، علمني معنى أننا يجب أن نكون دائماً يداً واحدة مع من نحبهم، كيف نكون دائماً إلى جوارهم، علمني أيضاً كيف أكون عطوفة وحسنة التعامل مع الطبيعة والكون، كيف أننا يجب أن يكون بيننا وبينها لغة خاصة للتفاهم والتعايش، كيف أن الطبيعة الأم التي نحيا فيها لها من واجبات علينا يجب أن نقوم بها دائماً وفي كل وقت.

الدنيا كلها تتغير الآن، العالم تتحول ملامحه، الهواء أصبح نقياً ويمكن استنشاقه جميلاً نقياً، هذا يجعلني ليس فقط أفكر دائماً بالآخرين ولكن حتى بالكون والحيوانات والقطط التي تجوب الشوارع ونراها دون اكتراث. أنا من طبيعتي أنني دائماً أهتم لأمر الآخرين وأضع نفسي دائماً مكان الآخرين إلا أنني الآن سأكون أكثر عطفاً عليهم وحباً واهتماماً وحناناً ورعايةً سواء كانوا بشراً أم حيوانات أو حتى الكون والطبيعة التي نحيا فيها. سأفكر أكثر في كل شيء حولي، سأبذل جهداً لأفهمهم وأتعامل معهم وأجعل العالم مكاناً أيسر لنا جميعاً. أولوياتي زوجي وابنتي وعائلتي إلا أنني سأوازن بين مسؤولياتي كلها تجاه كل من أحبهم.

أمي ..

هذا الحجر جعلني أدرك قيمة هذه السيدة العظيمة في حياتي، أعرف أن أمي ضحت لأجلي كثيراً ولأجل هذه التربية العظيمة التي بذلتها لأجلنا. أفتقد أمي كثيراً في تلك اللحظة وأريد فور خروجي من هنا أن أعمل على برها والوفاء بواجباتي تجاهها. أريد أن أجعل أمي سعيدة في محاولة لرد الجميل على فعلته تجاهنا. أنا أعرف قيمتها الآن بعد أن أصبحت أماً وبعد أن أمضيت مع ابنتي خمسة عشر يوماً في غرفة واحدة بمفردنا. 

بالرغم من أنني أحاول أن آخذ هذه التجربة بشكل إيجابي إلا أن هناك الكثير من الأشياء القاسية التي تعلمتها جيداً.

أبي.. 

هذا الرجل ذو القلب الطيب الذي علمني الكثير من القيم والمبادئ التي تفكرت فيها كلها أثناء هذه العزلة وفهمت كيف أنها أعظم ما قد أملكه في هذه الدنيا. أبي يبلغ من العمر 72 عاماً ولا يزال يعمل حتى الآن. يعمل بجد ودأب لا أراه في كثير ممن هم في الثلاثينات من عمرهم. يعمل لإسعادنا ولتوفير الحياة المرفهة الآمنة لنا.

إخوتي

شعرت يا إلهي كم أنا أحبهم بعد هذه الفترة، كم أفتقدهم أعرف نعمة وجودهم وأنهم ذلك الشيء الجميل الذي ينير حياتي. في أثناء هذه الفترة عرفت نعمة أنني لست وحيدة في هذه الدنيا وكيف أنهم يفتقدون أجمل الأشياء في هذه الدنيا. كيف أنهم إخوة وأصدقاء لا يعوضهم الزمن أبداً. 

أصدقائي

في هذه الأزمة عرفت معنى الصديق الحقيقي، لي أصدقاء لم نحك مع بعضنا البعض من أيام الدراسة، من الجامعة وقبلها بكثير، أصدقاء الطفولة. هؤلاء الأعزاء كانوا يتصلون بي يومياً. في كل لحظة يطمئنوني، وقفوا إلى جانبي بكل الأشكال الممكنة وغير الممكنة. هذه التجربة أيضاً جعلتني أعرف الصداقة الحقيقية، تلك المشاعر التي عرفتني أن هناك من نحسب أنهم أصدقاؤنا إلا أنهم لم يكونوا ذلك في وقت الشدة.

أشعر أيضاً -لا أريد أن أنسى- أن الموظفين الذين كانوا في الفندق كيف أنهم قاموا بواجبهم بطريقة أخجلتني، وجيراني في الحجر كانوا كعائلة لي في هذا الوقت العصيب. 

ابنتي

أريد أن يبلغك اعتذاري هذا حين تكبرين، إنني لم أردك أن تكوني في هذا الموقف وأن تكوني في مثل هذه الظروف الصعبة. كنت أشعر أنها ستكون تجربة أقسى من ذلك إلا أنك هونتِ علي الكثير من المشاعر الصعبة التي مررت بها هنا. كانت وكأنها أكبر من عمرها. كأنها كبيرة تفهم طبيعة الظرف الصعب الذي نمر به أنا وهي. 

زوجي

في هذه التجربة عرفت معنى أن يكون لك في الدنيا صاحب لطيف وحنون في هذه الدنيا، أنا ممتنة أنك دائماً كنت معي وبجانبي. والله يديمك فوق راسنا.

حواري مع الله 

بعد هذه التجربة أصبحت علاقتي مع الله أقوى وأمتن. أعرف أن الله هو وحده هو من سينجينا من هذا. كنت أعرف وأشعر أن  كل ما حدث في هذ الكون الآن بسبب انتشار الفساد والفسق وابتعادنا الشديد جداً عن الله. أعرف أن الله الذي منحنا كل هذه النعم وخلق لنا الشمس والبحار والكون كله قادر على أن ينجينا من هذا كله، قادر على أن ينقذنا من هذا الوباء. هذه التجربة كانت إنذاراً من الله لي لمراجعة نفسي وعلاقتي بربي وأحوالها. علاقتي بالله الآن أقوى وأكثر فهماً وقناعة وإني لأحب أن يراجع كل الناس في ظل هذه المحنة علاقتهم مع ربنا، وأن يتأملوا فيها ويجعلوها أمتن وأقوى لأنه وحده هو من سينجينا من هذا الظلام. أعرف الآن معنى الرضا من الله، كيف أنه منعم علينا بالكثير من النعم التي لا نراها ولا نعرف قيمتها، الكثير من الأشياء التي لم أكن أراها أصبحت أراها الآن واضحة جلية. هذه التجربة عرفتني أن هذا وقت ننجز فيه كل شيء كان مؤجلاً، نقول دائماً سأفعل هذا لاحقاً.. الآن هو وقت "لاحقاً". 

سعيدة بعودتي لبيتي وأهلي، والحب هو عنوان حياتي القادمة كلها لأهلي وعائلتي وابنتي وزوجي والله قبل الجميع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هنا يزبك
مواطنة أردنية ومديرة تسويق
مواطنة أردنية ومديرة تسويق
تحميل المزيد