في عام 2017، اخترقت كوريا الشمالية قاعدة بيانات المنظومة الصحية في بريطانيا (NHS)، لمساومتها على البيانات التي تحصّلت عليها.
حينها كانت كوريا الشمالية تعاني من ضغط العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة عليها بسبب ترسانتها النووية، عقوبات كانت تنخر في عصب الاقتصاد الكوري الشمالي، فلجأت إلى ما يسدّ رمق اقتصادها ليتعافى.
وبحسب تحقيقٍ أجرته السلطات البريطانية، أدَّى الهجوم إلى تعطيل قاعدة بيانات 81 مستشفى و600 عيادة طبية، وإلغاء قرابة 20 ألف موعد طبي، من ضمنها مواعيد عاجلة لمرضى مصابين بأمراض خطيرة.
وَصَف البيتُ الأبيض حينها الهجومَ والاختراق الإلكتروني بأنه الأكثر تدميراً وكلفة في التاريخ.
ومنذ ذلك الهجوم كان ومازال من أكثر ما يشغل مديري البنوك المركزية ووزراء المالية وقادة دول العالم هو تكرار ذلك الهجوم الإلكتروني العنيف، وعلى نطاق أوسع وبشكل أكثر تطوراً وتأثيراً.
حروب إلكترونية بالوكالة
تخوض دول العالم حروباً إلكترونية صامتة يحدث معظمها بالوكالة، إذ تعمَد بعض الدول إلى تجنيد مجموعات قرصنة يطلق عليها "Advanced Persistent Threat APT"
في تقرير نشرته شركة FireEye المتخصصة في أمن المعلومات والأمن السيبراني، كشف عن نشاط مجموعة من القراصنة الصينيين يُعرفون باسم APT41، ويشير التقرير إلى أن هذه المجموعة تعمل منذ العام 2012 تحت إشراف مباشر من الحكومة الصينية، وأن عمليات الاختراق استهدفت خلال السنوات المنصرمة 14 دولة (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والهند وإيطاليا واليابان وتركيا وميانمار وهولندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وجنوب إفريقيا وسويسرا وتايلاند).
تتخصص هذه المجموعة في اختراق المنظومات الصحية لبعض الدول، وكذلك بيانات لتجارب الأمراض الحرجة السريرية، خاصة السرطان، بالإضافة إلى بيانات الصناعات الدوائية.
صراع من أجل البقاء
منذ بدأت أزمة "كورونا"، كشفت بعض الدول عن ممارسات تعود إلى ما يشبه عصور اللاقانون، وتعاملوا بعقلية قطّاع الطرق، جمهورية التشيك مثلاً تسطو على شحنة كمامات طبية مرسلة من الصين لجارتها إيطاليا، التي يموت فيها كل يوم ما يربو عن الـ700 إنسان.
وإيطاليا تُقرصِن شحنة بحرية من المواد المطهرة كانت في طريقها إلى تونس، كل ذلك والأزمة الاقتصادية العالمية لم تبلغ ذروتها.
فماذا لو أفرزت الأزمة صراعاً سقطت معه الاتفاقات الدولية، والقانونية، وسيطر مفهوم "الغاب" على شكل التحالفات الجديدة.
بل، ماذا لو كرّرت كوريا الشمالية والصين هجماتها الإلكترونية على المنظومات الصحية في وقت حرجٍ كهذا، لتُخضع دولاً وتساوم أخرى، وماذا لو سارت أمريكا، وروسيا، وإسرائيل، وغيرها على خطاها.
تعاني بعض الدول بالأساس هزّة في أنظمتها الصحية الداخلية، بما لا يحتمل هجوماً خارجياً، فإيطاليا فشلت في اختبار فاعلية نظامها الصحي، رغم أن الوباء لم يصل ذروته فيها، أما بريطانيا فأهم شخصيتين تحتاجهما البلاد الآن وهما رئيس الوزراء بوريس جونسون ووزير الصحة مات هانكوك في الحجر الصحي في إثر إصابتهما بالكورونا.
كورونا والنفط ينخران الاقتصاد العالمي
على هامش كورونا، ثمة حربُ أسعار نفطٍ بين السعودية وروسيا، الفائز فيها خاسر، والخاسر فيها مهدد بانهيار اقتصادي. وأمريكا في قلب المعركة النفطية تريد أن تصنع سوقاً لنفطها الصخري (Shale oil)، غير التنافس القديم المتجدد بين الصين وأمريكا على لقب القوة العظمى في العالم. أما حرب العقوبات الدولية المفروضة على إيران وروسيا وكوريا الشمالية وغيرها فمازالت تنخرُ في اقتصاد تلك الدول. وفي تحرك يسكب المزيد من الزيت على النار، رصد دونالد ترامب 15 مليون دولار لمن يأتي له برئيس فينزويلا، البلد الذي يملك أكبر احتياطي نفطي في العالم.
تنبؤات بانهيارات اقتصادية، وخارطة تحالفات جديدة يبدو أن مخاضها قد بدأ، الصين وروسيا تدعمان إيطاليا.
وتصريحاتٌ لمسؤولين إيطاليين وإسبانيين تندد بموقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة.
وأوروبيون يحرقون علم الاتحاد في حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفين إياه بالمتخاذل في دعمهم بالأزمة الحاصلة، وزيادة في تقارب تركي مجريّ على حساب تباعد مجريّ أوروبي.
وعلى ضوء ما سبق، يبدو أن العالم بحاجة إلى ما يشبه "ميثاق شرف"، يؤسس لشكل نظام عالمي جديد، ويُرَوِّضُ سلوك الدول التي ستكون الخيارات أمامها مفتوحة في صراع سيكون من أجل البقاء، قبل أن يتطور كورونا ونجد أنفسنا أمام حرب إلكترونية أو نووية تسحقنا جميعاً.
مصعب الجمّال حاصل على ماجستير في الإدارة وبكالريوس في الهندسة كما أنه متخصص في الإدارة الإستراتيجية والتطوير المؤسسي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]