إيقاف صلاة الجماعة وتوزيع الطعام.. عن الدور المشرّف للمسلمين في كارثة إيطاليا

عدد القراءات
3,591
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/27 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/27 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
كورونا بإيطاليا

يتابع العالم عن كثب الأرقام اليومية المحدثة بخصوص الأزمة الإيطالية، المتمثلة في أعداد الوفيات والمصابين بفيروس كورونا؛ فضلاً عن ما يشبه الانهيار الذي أصاب النظام الصحي الإيطالي جراء تفاقم العدوى، وهي الأزمة التي جسدت جرس إنذار للعالم كله حول خطورة الفيروس وخطورة الاستهانة به في بداياته. وعلى الجانب الآخر يشارك رواد التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر صمود الشعب الإيطالي أمام الحجر الصحي القاسي الذي فرضته البلاد لمنع تفاقم الأزمة، وتظهر كيف يغني الشباب معاً ويعزفون عبر نوافذ بيوتهم.لكن لم يتيسر للكثيرين حول العالم في المقابل أن يروا ويشاركوا ما قام به "سامح" وهو صاحب متجر للخضراوات والفاكهة في إيطاليا، عرض في الأيام الماضية بضاعته بالمجان في الشارع لكل من لا يستطيع، في ظل الظروف المادية القاسية التي خلقها الحظر، وكتب عليها لافتة: "رحبتم بي قبل 10 سنوات والآن أريد أن أشكركم، الفاكهة والخضراوات المعروضة مجانية لمن يحتاجها".

صورة سامح وهو يعرض بضاعته لأهل الشمال الإيطالي – صفحة مباشر إيطاليا

في الواقع لم يكن سامح، حالة متفردة بين أبناء الجالية العربية في إيطاليا، ومن قبل حتى أن يقع ضحايا في الأحداث الأخيرة. فمنذ الأيام الأولى للأزمة في شمال إيطاليا، استجابت الرموز الإسلامية هناك سريعاً لطلب السلطات الإيطالية بإيقاف أداء صلوات الجماعة في المساجد، كما استجاب الدعاة المسلمون البارزون في البلاد لطلب السلطات بإلقاء كلمات توعية باللغة العربية عن المرض وسبل الوقاية منه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فسخَّر هؤلاء صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لنقل المعلومات الطبية الموثقة بهذا الخصوص، والحث على الامتثال لبنود الوقاية، فضلاً عن هذا، كان رجال الأعمال العرب في إيطاليا من أوائل المبادرين بالتبرع للحكومة الإيطالية من أجل مكافحة المرض.

القبلة ليست إلى اليمين

كان هذا كله في الأيام الأولى من الأزمة، فقد أخلت الجالية العربية مساجدها في الوقت الذي كان التهاون فيه هو الشعار السائد بين سكان إيطاليا فيما يخص احتياطات الوقاية من المرض. ومع مرور الوقت واشتداد الأزمة في شمال البلاد تحديداً، حاول اليمين المتطرف ورمزه العنصري الأشهر ماتيو سالفيني، تحقيق الربح السياسي كعادته من خلال الأزمات وإلصاقها بكل من هو غير أبيض، فلم يتوانَ الزعيم المتطرف عن القول بأن أزمة كورونا واحدة من أسبابها فتح باب الهجرة والحدود غير المغلقة جيداً في الجنوب، وهو ما قوبل بالسخرية على كل حال لأن إفريقيا لم يكن قد ظهر فيها المرض بعد (فضلاً عن أنه حتى اللحظة لا يقارن تفاقم الوضع في إيطاليا بأي مكان آخر في العالم).

في الوقت الذي كانت فيه رموز الجالية العربية والإسلامية تحاول مساعدة السلطات في حل الأزمة، كان اليمين المتطرف يتحدث عن ضرورة استمرار الحياة حتى لا يتعطل الاقتصاد وضرورة عدم التخلي عن العادات الإيطالية أمام هذا الفيروس المستجد. 

مرت الأيام وتفاقم الوضع واشتد الحظر وارتفعت أرقام الموتى والمصابين إلى حدود أنذرت بكارثة تهدد العالم كله وليس إيطاليا وحدها، ومعها ارتفعت المبادرات الإيجابية التي لم يركز عليها الإعلام المحلي أو العالمي أو حتى العربي من الجالية العربية في إيطاليا، ليكملوا ما بدأوه مع الأيام الأولى للأزمة. فظهر الطباخون العرب الذين يمتلكون أو يعملون في محلات "البيتزا"، لكن هذه المرة لا يقدمونها بمقابل للزبائن، وإنما يقدمونها بالمجان للمستشفيات والأطباء والممرضين العاملين فيها، إجلالاً لهم على الدور الذي يلعبونه في إنقاذ أرواح كل ساكني الأرض الإيطالية في ظل الأزمة.

في إطار كل ما سبق لم يكن استنائياً، ما نشرته الجريدة الرسمية لمدينة كريمونا عن تبرع بخمسة آلاف دولار لمستشفى المدينة من المركز الإسلامي بكريمونا، مع رسالة رقيقة تفيد بأن المركز يحاول أن يساهم بأي مجهود متواضع في مساعدة إيطاليا، ولم يعد غريباً مع اشتداد الأزمة أن تجد مقطعاً مصوراً لشيخ ملتح يلبس جلباباً قصيراً ويدعو لحملة تبرعات بالدم للمستشفيات الإيطالية داعياً الله أن يفرج أزمة "وطننا الحبيب إيطاليا" على حد تعبيره، مؤكداً أن أفضل ما في الأزمة أنها وحدت كل من يعيش على الأراضي الإيطالية، مهما اختلفت الثقافات والمواقف. 

اللكنة التي تحدث بها هذا الشيخ لم تكن فريدة في الأحداث الأخيرة، فقد امتلأت صفحات أبناء الجالية العربية على مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات المحبة الخالصة للأمة الإيطالية والشعب الإيطالي، وأنهم لا ينسون جميل هذا الوطن الذي عاشوا في ظله بكرامة.

مظاهر دعم وحب إيطاليا- صفحة مباشر إيطاليا

لسنا ملائكة

إن كل ما سبق، لا يعني أن الجالية العربية في إيطالية مكونة من ملائكة لا يعرفون الخطيئة ولا الكراهية، بل من بشر لا ملائكة، مثلها مثل أي مجموعة من البشر في العالم. وقد طالعتنا الصحف الإيطالية في الأيام السابقة عن بعض حوادث الإجرام التي ارتكبها البعض جراء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد، ولم تخل تلك الأحداث من أسماء بعض العرب، من اللصوص وتجار المخدرات.

لكن ما نتحدث عنه هنا هو التوجه الغالب في ردود فعل الجالية العربية وأبنائها ومواقفهم من اليوم الأول للأزمة. في عالم تسيطر عليه منذ عقدين الخطابات التي تعامل المسلمين باعتبارهم مرضى يحتاجون إلى الترويض دائماً، وفي ظل كل الخطابات العالمية التي تدفع العرب والمسلمين لكراهية ذواتهم وتاريخهم، يحاول هذا المقال فقط أن يعرض جانباً آخر من القصة الإيطالية المفزعة، جانباً لن ترويه وسائل الإعلام بعد انتهاء الأزمة، إنه جانب الدور المشرف المسؤول الذي يلعبه العرب والمسلمون الآن في مأساة الدولة الأوروبية العريقة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد عزت
كاتب وباحث مصري مقيم في إيطاليا
كاتب وباحث مصري مقيم في إيطاليا
تحميل المزيد