خرج فيروس كورونا من مدينة ووهان الصينية، وسُرعانَ ما انتشر في مناطقَ كثيرةٍ من العالم، وقد تأخَّرَ كثيراً في وصوله إلى تركيا؛ حتّى إنّه في وقتٍ من الأوقات عندما كان (كوفيد 19) يتمدَّدُ ويرسُمُ خريطةً حمراءَ في كل الدول المحيطةِ بتركيا، في ذلك الوقت كانت تركيا تبدو كأنّها جزيرةٌ صغيرة بيضاءُ في وسط تلك الخريطة الحمراء.
لم تمتنع المعارضة التركية عن تحويل هذه القضية إلى مصدر قلق جدّيّ، وقالوا: إن هذا الفيروس انتشر في معظم الأماكن ولكن لم يصل إلينا! لماذا؟ وجعلُوها مشكلة جدّيّة. في حين أنَّ السببَ الأساسيَّ لتأخُّر قدوم فيروس (كوفيد 19) إلى تركيا هو أن وزارة الصحة التركية بدأت -في وقت مبكِّر- اتّخاذ التدابير الفعّالة اللازمة، ومن دون ضجّة.
تدابير صارمة وفعالة
ففي بداية ملاحظة انتشار المرض خارج تركيا؛ اتُّخذ قرارٌ فوري بتعليق جميع الرحلات الجويّة والبرّيّة مع الصين وإيران، وبالنسبة للمسافرين القادمين من خارج تركيا فقد تمّ تطبيق نظامِ مراقبة تلقائيّ لضمان سلامتهم الصحية باستخدام الكاميرات الحرارية المثبَّتة في المطارات.
وبهذه المناسبة؛ فإنه عندما انتقد أحدُ نوّاب المعارضة مروره من المطار دون أيّ فحص أو مراقبة، ردّ وزير الصحة بطريقة فكاهية، مشيراً إلى تدابير السلامة المتَّخذة في المطار بقوله: "إذا رغب النائب فبإمكانه أن يعرف درجة حرارته من الكاميرات الحرارية المثبّتة والتي التقطته وهو يمرّ في مدخل عبور العائدين، وأن يشاركها مع الرأي العام".
ولكنْ في 11 مارس/آذار شُخِّصت أوّلُ إصابةٍ وظهرت أولُ نتيجةٍ إيجابية لتحليل (كوفيد 19)، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تركيا كباقي بقاع الكرة الأرضية تحارب (كوفيد 19)، وإن وصل إليها متأخِّراً.
ومنذ اليوم الأول، ورغم أنّ سير المرض كان بطيئاً؛ بدأنا نرى عددَ الإصابات يتضاعف، لا وفق متتالية حسابية، بل وفق متتالية هندسية. فعدد الإصابات الذي كان (5) في اليوم الثالث، أصبح في الأيام اللاحقة 18، 45، 98، 191، وفي مساء 21 مارس/آذار كان الرقم 947 إصابةً.
في الواقع، ورغم هذا السير المتسارع لفيروس (كوفيد 19)؛ فإنّ التدابير الفعّالة والاستثنائية التي اتخذتها وزارةُ الصحة منذ ظهور هذا الفيروس أصبحت الآن مرئيّةً بوضوح أكثر.
قطاع لا يشق له غبار
ليقُل مَن شاء ما شاء؛ لكنّ الوضع الحالي لكورونا في البلاد، أظهر واحداً من أكبر إنجازات تركيا خلال 18 عاماً الأخيرة، بتطوير وتقوية نظام الرعاية الصحية والصناعات الطبية، وقد تم اختبار هذا النظام وها هو يثبت قدرةً وكفاءةً عاليتين. وأظهرت هذه التجاربُ أن القطاع الصحي في تركيا من الأقوى في العالَم.
إن النظام الصحي المتهالك والمهترئ الذي كان موجوداً في تركيا قبل 18 عاماً يمكن نسيانه الآن، فاليوم كلُّ العالَم يُدرِكُ مدى تقدُّم نظام الرعاية الصحية، وحتّى المعارضة نفسها أبدت تقديرها وإعجابها.
نظام الرعاية الصحية في تركيا يُعَدّ من أكبر المجالات الناجحة في مسيرة حزب العدالة والتنمية الحاكم. فالنظام الصحي في تركيا قبل 18 عاماً كان يمثل فاجعة حقيقية وكابوساً جاثماً على صدور الأتراك. رغم أن الميزانية المخصصة لقطاع الصحة في تركيا آنذاك كانت كبيرة. وذلك لأنّ طريقة الإدارة كانت سيئة للغاية، وكان قطاعاً مبعثراً تسوده الفوضى، فضلاً عن قضايا الفساد.
ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة؛ تمّ تجميع النظام الصحي بأكمله تحت سقف واحد، وتمت محاربة الفساد بصرامة والقضاء عليه. وبذلك أصبحنا قادرين على ضخ استثمارات ضخمة من الأموال التي كان ينهبها الفاسدون. وخلال مدّة قصيرة أصبحت خدمات النظام الصحي متاحةً لجميع المواطنين، ويمكنهم تلقّي الخدمات بالجودة والسرعة نفسها دون أيّ تمييز بين الأغنياء والفقراء.
اليوم؛ لا يحتاج المواطن التركي لأجل الاستفادة من خدمات نظام الرعاية الصحية في بلاده سوى أن يبرز هويته الشخصيّة، وأصبحت خِدمات الرعاية الصحية التركية الأفضلَ جودةً والأرخصَ في العالم. وعلاوةً على ذلك؛ فإن الصناعات الطبية التركية أصبحت أحدَ بنود التصدير للخارج .
كما أصبحت السياحة العلاجية الآن مجالاً هاماً من مجالات قِطاع السياحة في تركيا، لدرجة أن أشخاصاً كثيرين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، أو من المواطنين الأتراك الذين يعيشون في الخارج؛ صاروا يتوجّهون إلى تركيا لأنّهم يجدون الخدمة الصحية التي يتلقَّونها فيها أرخصَ وأكثرَ جودةً من الخِدمات الصحيّة في بُلدانهم.
وفي السنوات الأخيرة؛ توجّه حزب العدالة والتنمية الحاكم في مجال الصحة إلى إنشاء مُدُن طبية ضخمة، وكانت خطوة جادّة نحو تقليل عدد المرضى ومعدل الأسِرّة لكل طبيب، لكنّ المعارضة رأت أنّ هذه الطاقة الاستيعابية العالية غير ضرورية، بل إنها رأت أن هذه المشاريع إسراف وإضاعة للمال.
ولكن الحقائق التي تبدّت مع فيروس كورونا أظهرت أن تركيا كانت ذات نظرة بعيدة جداً في هذا المجال، فالعالم كلّه يعيش حالة عجز تامّ في مواجهة فيروس كورونا، الذي ظهر أول مرة في الصين ثم إيران، ثم بدأ ينتشر بسرعة وبشكل يبدو خارجا عن السيطرة.
ارفعوا رؤوسكم
اتُّخذت في إيطاليا وإسبانيا وهولندا وألمانيا -وفي غيرها من الدول الأوربية- إجراءاتٌ وتدابير لمواجهة الفيروس، ولكن إذا نظرنا إلى تركيا -مع أن السياحة تُشكِّل شطراً موفوراً من اقتصادها- فإننا نجد أنّ الأداء والإجراءات التي اتُّخذت فيها -حتى الآن- تُعدّ ناجحة للغاية. وبفضل هذه التدابير؛ كان دخولُ الفيروس إلى تركيا متأخراً، ولكن يبدو أن نموّ انتشاره في تركيا لن يأخذ مساراً مختلفاً عن باقي العالم.
في الوقت الحاضر؛ تهدف تركيا إلى محاربة هذا الفيروس المُعْدِي، الذي يتضاعف عددُ الأشخاص المصابين به بمتتالية هندسية، وتقوم وزارة الصحة التركية بجهود منظّمة تهدف إلى منع وصول عدد المرضى إلى حدٍّ يتجاوزُ قدراتها العلاجية؛ وذلك باعتماد تدابير تؤدي إلى تخفيض سرعة انتشار الفيروس.
ياسين أقطاي حاصل على درجة الدكتوراة في علم الاجتماع وله العديد من المؤلفات والكتب. كما يشغل منصب متسشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.