كيف سيؤثر كورونا في سلوكيات المجتمعات العربية والغربية؟

عدد القراءات
2,586
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/25 الساعة 12:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/25 الساعة 12:07 بتوقيت غرينتش

يجب أن نعترف بأن انتشار فيروس كورونا عالمياً يمثل ظاهرة فريدة من نوعها، حيث إن العالم لم يواجه أزمةً كارثية على مستوى جميع الدول، وحتى جميع الأفراد في كل مكان، كهذه الأزمة. صحيح أن العالم مرّ بحروب عالمية كان لها تداعيات فظيعة على جميع سكان الكرة الأرضية، إلا أن تلك الحروب كانت على جبهات محدودة في مناطق مختلفة من العالم. وصحيح أن العالم عاش انتشار أمراض وأوبئة قاتلة، لكن ليس كانتشار كورونا في هذه الأيام. بالتأكيد، سوف يدرس المؤرخون هذه الظاهرة، ويوضحون أوجه الشبه والاختلاف بين أزمة كورونا والأزمات التي مرّت بها البشرية عبر التاريخ.

من هنا، أجد أنه من المهم الوقوف قليلاً على التداعيات الثقافية والاجتماعية لهذه الأزمة على المستوى العالمي. فما هي تأثيرات كورونا على أنماط السلوك والتفكير على المستوى العالمي؟

النظافة ثم النظافة

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً بتاريخ 20/3/2020 للكاتب Craig Considine أشار فيه إلى تعليمات الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- حول النظافة، والوقاية من الأوبئة، والسعي لعلاج المرض. ومن هذه النقطة، يمكن القول أن الحرص على النظافة، كوقاية من المرض، سوف تصبح سائدة في العالم لدى كل فرد، على اعتبار أنها نقطة الارتكاز لمنع انتشار الأمراض. وبالتالي، سوف تُكرّس فكرة النظافة في الذهنية البشرية بحيث لا يتهاون الفرد بأهمية النظافة في حمايته وحماية أسرته من المرض. ومن المهم تكريس هذه الثقافة أيضاً في جوانب كثيرة، أهمها التأكيد على جودة السلع الغذائية بشكل أساس، والتشديد على النظافة وتاريخ الانتهاء، ونوعية الأسمدة والمواد المصنعة لها. وبهذا، تصبح القضية قضية أفراد ومؤسسات ودول.

إن الصور التي انتشرت منذ بداية انتشار كورونا لأعداد كبيرة من الناس تلبس القفازات، وتضع الكمامات على الفم والأنف، وتجنب المصافحة والقبلات والاختلاط بالآخرين، وغير ذلك من الممارسات التي كانت مألوفة، بل وتعتبر جزءاً من العادات والتقاليد المتبعة في كثير من المجتمعات، من شأنها أن تؤسس لمرحلة جديدة، يتم بناءً عليها تحديد سلوكيات الناس، وتربية الأبناء على المحافظة على النظافة والسلامة البدنية. وبرأيي، سنشهد تغيرات مهمة في جميع دول العالم في هذا المجال، لأهميته الكبيرة رغم بساطته الشديدة.

يداً بيد لمواجهة كورونا

للوهلة الأولى شعر المواطنون في كل مكان في العالم أنهم قد لا يجدون المواد الغذائية والاحتياجات اليومية لهم. ولكن مع استمرار فتح محلات البقالة والخضراوات والمخابز، اكتشف الناس أن كل ذلك متاح، ولا يوجد نقص يُذكر في هذه الأمور. ولكن برزت مشكلتان: الأولى أن هناك فئات من الناس ليس لديهم مدخرات، وبالتالي لا يملكون المال لشراء احتياجاتهم. والثانية هي التخوف من الأيام القادمة، حيث ستتأثر الشركات والمصانع والمزارع، وكذلك قد تتوقف الكثير من الرواتب لموظفي القطاعات الخاصة والعامة.

اللافت للنظر هو الأنشطة التي بدأت تظهر في كثير من المجتمعات لإغاثة المحتاجين، وتوفير المتطلبات الأساسية لهم، في حالة من التكافل الاجتماعي لم تشهدها البشرية منذ عقود طويلة. ويبدو أن ثقافة التكافل الاجتماعي ستتكرّس مع الأيام، ومع استمرار هذه الأزمة المريرة التي بات يتأثر بها كل فرد على وجه الكرة الأرضية.

ومسألة التكافل الاجتماعي، رغم أنها قيمة موجودة في كل المجتمعات، فإنها أصبحت اليوم حتمية، ولا مفرّ من اعتمادها كقيمة اجتماعية أساسية لبقاء واستمرار الحياة للمواطنين في كل مكان. فالحكومات قد تعجز عن القيام بهذا الواجب، ولا بد من إسناد لجهودها في مكافحة كورونا والحفاظ على استمرار الحياة بالحدّ الأدنى من توفر احتياجات الناس.

التعلم الإلكتروني

سوف نفرد مقالاً خاصة حول التعلم الالكتروني والتعلّم عن بُعد لتوضيح جوانبه المختلفة. ولكن أود أن أشير هنا إلى أن موضوع التعلّم الالكتروني ليس جديداً، بل يمتد إلى عقود مضت، وكان سمته الأساسية هي التعلّم الالكتروني المساند، وإن كان هناك اعتماد عليه بالكامل من قبل عدد قليل من المؤسسات التعليمية في العالم.

لقد اعتمدت عدد من الجامعات التعلّم الالكتروني كوسيلة مساندة خلال العقد الماضي، وأثبت نجاعته في إطار "الإسناد"، وليس "الدمج الكامل". إلا أن أزمة كورونا بدأت تفرض واقعاً جديداً من المهم المضيّ قُدُماً فيه للمحافظة على العملية التعليمية. ورغم أن هناك تشكيكاً في إمكانية نجاحه، فإنه يستحق المحاولة. صحيح أن التعلم الإلكتروني يواجه تحديات كبيرة، ولكن العبرة هي في مواجهة تلك التحديات والتغلب عليها، وابتكار أساليب جديدة للتعلم المستند إلى الوسائل الإلكترونية وإمكانياتها الهائلة لاستمرار العملية التعليمية.

إن عصر التعلّم الإلكتروني بدأ بالفعل مع تعطيل المدارس والجامعات في كثير من دول العالم في ظل أزمة كورونا الحادّة التي فرضت ضرورة منع التجمع للحد من انتشار الفيروس. وهذا الواقع يلقي بمزيد من العبء والمسؤولية على المؤسسات الأكاديمية وعلى المدرّسين والطواقم الإدارية، والأهم على الطلبة الذين بات من الواجب عليهم التكيّف مع هذا الواقع.

وبرأيي أن التعلّم الإلكتروني بدأ يتبوّأ مكانة أساسية في العملية التعليمية، حتى لو زال هذا الكابوس، وعادة الأمور إلى ما كانت عليه. فسوف تتضاعف الجهود لتطوير التعلم الإلكتروني في المؤسسات الأكاديمية على مستوى العالم. وسوف يُصبح جزءاً مهماً من ثقافة المجتمع.

إن هذه السطور لا تغطي سوى جزء يسير من التأثيرات الاجتماعية والثقافية لأزمة كورونا العالمية، وهي بمثابة مقدمة للكتاب والمفكرين والباحثين للتوسع فيها أكثر، ولإلقاء المزيد من الضوء على ما يحمله المستقبل من تغيرات يمكن أن تغيّر من أنماط التفكير والسلوك لدى البشر في كل بقاع الدنيا.

فريد أبو ضهير هو أستاذ في كلية الإعلام بجامعة النجاح الفلسطينية

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فريد أبو ضهير
محاضر في الإعلام الرقمي في جامعة النجاح الوطنية
محاضر في الإعلام الرقمي في جامعة النجاح الوطنية
تحميل المزيد