“مش اسكندراني بس باحبهم”.. ما السر وراء حملة التنمر ضد أهل الإسكندرية؟

عدد القراءات
2,230
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/25 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/25 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
حملة تنمر غير مسبوقة ضدهم.. لماذا يكره الفلاحون والصعايدة أهل الإسكندرية؟

استيقظت من سباتي العميق، وبعيون متثاقلة وكسل عارم، مددت يدي لألتقط هاتفي المحمول من على الطاولة المجاورة للسرير، فتحت الهاتف اتصفح الفيسبوك قبل مغادرة السرير كعادتي، وبينما أقلّب صفحات الموقع الأزرق وقعت عيناي على منشور نصه: "يا كورونا قول الحق.. إنت فيروس ولا لأ؟!" 

توقف نصف مخي عن العمل، والنصف الآخر يستدعي لقطة الناشط السوداني وهو يقول: دقيقة نفهم يا جماعة.. مظاهرة إيه؟ 

أكملت التصفح بسرعة، علّني أُفسّر المنشور الذي قرأته وأعطب مخي جزئياً، بعد المتابعة والبحث الدقيق تبيّن أنَّ بعض سكان مدينة الإسكندرية أقاموا مظاهرة بعد منتصف الليل ضد فيروس كورونا. بدأ الأمر بخروج أهالي المدينة من منافذ وشرفات منازلهم متضرعين إلى الله ومكبّرين، حتى يرفع الله عنهم وعن العالم البلاء. هذه الفكرة الجميلة لاقت استحسان الكثير من أهالي المحروسة في مختلف المحافظات وبدأوا في تقليدها فوراً، وكانت هذه القشة التي قسمت ظهر البعير وسخنت الدماء واستفزت أهل الإسكندرية، فرفضوا إلا "التعلية" على باقي البشر، وأن الهتاف من الشرفات للضعفاء "التوتو".. سنقيم مظاهرات ضد فيروس كورونا، وبعد منتصف الليل!

"ألف باء" وقاية من فيروس كورونا تجنُّب الأماكن المزدحمة والاختلاط، والبقاء في المنازل، والحرص على تطبيق التباعُد الاجتماعي، ما فعله أهل الإسكندرية كان كل ما هو عكس ذلك تماماً. 

وكردّ فعلٍ منطقي ومتفهم من باقي سكان محافظات مصر، أي "الفلاحين والصعايدة" كما يراهم أهل الإسكندرية. فكل من لا ينتمي لمدينة الرب، إما فلاح أو صعيدي، كما يرى أهل الإسكندرية. وغير مفهوم بالنسبة لي لماذا يتم استخدام كلمتَي "فلاح" و"صعيدي" كوصمة اجتماعية أو مسبة من الإسكندرانية. 


على كلٍّ، انتهت المظاهرة من هنا، وانطلقت حملة شعواء وحفلة ساخرة غير منقطعة على شرف أهل الإسكندرية الذين قرروا مكافحة كورونا بالمظاهرات والهتاف. انفجرت ماسورة من النكات، والكوميكس، ومقاطع الفيديو والكتابات الساخرة، وكل ما يمكن استخدامه للسخرية والحط من شأن الإسكندرية وأهلها.  حملة أظهرت كم الضغط الذي وضعه الإسكندرانية على غيرهم طوال الفترة الماضية. 

في رأيي، يبدأ الأمر باعتقاد وشعور الكثير من الأصدقاء السَّكَندريين أنهم من نَسَب أعلى أو عِرق أرقى من باقي المصريين. وكأنهم من أصحاب "الدم الآري" نظراً لسكنهم ومولدهم في الإسكندرية. وهم بذلك يتجاهلون تاريخ مئات السنين من الهجرات الداخلية والخارجية، وبعيداً عن أن أصول عائلاتهم تعود في الأغلب إما إلى الأقاليم (الفلاحين في عيونهم) أو إلى صعيد مصر.
وهو ما يثير تساؤلاً مشروعاً: لماذا يرى السكندريين أنفسهم أصحاب "كعبٍ عالٍ" على أي مصري آخر؟  

كشخص محسوب على مجتمع الإسكندرانية أستطيع الجزم بالآتي: ليس ثمة سبب واضح أو مبرر لتلك النعرة المتعجرفة، اللهم إلا اللهجة المتفردة لشعب الإسكندرية.
ربما لأنهم يحبون صيغة الجمع في كل جملة. فعندما يود إنسان مصري عادي التعبير عن رغبته في تناول الطعام يقول: عاوز آكل، بينما يقول الإنسان السكندري: عاوزين ناكلوا، والميكروباص عند السكندري اسمه "المشروع"، وناصية الشارع اسمها "القمة" مع قلب القاف همزة مكسورة.

أو لربما منحت الدراما المصرية القديمة بداية من مسلسل زيزينيا، أوبرا عايدة، المرسي والبحار، البحار مندي، الراية البيضا وغيرها من الأعمال التي كانت تقدم الشخصية السكندرية على أنها شخصية متفردة في صفاتها، وجدعنتها، ونضالها، وأخيراً "فهلوتها"، أقول ربما منحت السكندريين الأساس اللازم لبناء شعورهم بالتفوق وعلو الكعب على باقي أهل مصر.

وأياً كانت الأسباب لم يتوقف أهل الأسكندرية عن عادتهم الموسمية كل صيف، بإطلاق حملات تنمر ضارية على أهل الأقاليم الوافدين إلى مدينتهم لقضاء الصيف والاستمتاع بالبحر والشواطئ. صحيح أن بعض الوافدين لديهم بعض الممارسات غير المقبولة، لكن السكندريين عمّموها على كل الوافدين ووصموهم بأصولهم.. "الفلاحين". 

لكن قالوا قديماً "الدنيا دوارة"، ومَن سرّه زمن ساءته أزمان.. حانت الفرصة للهجمة المرتدة من أهل الأقاليم على أصحاب الدم الآري. لا يخرج أحدهم في مظاهرة ضد فيروس إلا لو كان يعاني من عديد الاضطرابات النفسية والاجتماعية.. ومن الذي فعلها؟ أهل الدم النقي والكعب العالي.. الإسكندرانية!

فرصة لا تتكرر كثيراً إذن، وسرعان ما استغلها باقي أهل مصر العاديين، متنمرين وساخرين ومتهكمين على كل ما هو سكندري. وكأنها لحظة الانفجار والتعبير عن النفس التي انتظروها طويلاً.

صحيح أنني وُلدت ونشأت في محافظة البحيرة، لكنني محسوب على الإسكندرية، مكان سكني وعملي قبيل خروجي من مصر، لذا كنت متفرجاً فقط. 

شارَكَ في حملة التنمر ضد الإسكندرانية كلُّ محافظات مصر تقريباً، وكان هدف الحملة مركّز جداً وواضح وبسيط: اغتيال كل الإسكندرانية معنوياً.

هدف بسيط وسهل، خصوصاً إذا كان رأس حربة هذه الحملة هي السخرية، السلاح الذي يبرع في استخدامه كل المصريين. 

سيل عارم من النكات والكوميك و"الألشات" على الإسكندرية وأهلها، رسائل واتساب وماسنجر لا تتوقف، إشارات في كل المنشورات الساخرة على فيسبوك، والهدف واضح ومركز: اذبحوهم تنمر.. وقد كان. 

وعليه، فإن نصيحتي للإسكندرانية (تحديداً المتطرفين في تنمرهم ضد غيرهم)  

هي أن يكون هذا الموقف العصيب الذي يعيشونه جرساً منبهاً ودافعاً لتخليكم عن ذلك السلوك المعيب، أي التنمر واستخدام أصولنا العرقية كأداة للسخرية والتنمر.  تذكروا حجم الألم وغصة الحلق التي تشعرون بها إبان متابعتكم للنكات والكوميكس المنتشرة، في إطار حملة وحفلات التنمر ضدكم، لأن هذا هو شعور كل من لا ينتمي إلى مدينتكم طوال الفترة الماضية.

وأخيراً، من المهم جداً أن تعلموا أن ما نحاربه هو فيروس كورونا، وليس الاحتلال الإنجليزي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
هيثم سعد
متخصص في الإعلام الجديد
متخصص في الإعلام الجديد
تحميل المزيد