ظهر فيروس كورونا وانطلقت معه نظرية المؤامرة تدفع العالم دفعاً نحو هدف غير واضح المعالم من قوى تريد شيئاً غير معلوم بضرورات الهدف، ولكنه معلوم بسلوكيات الحركة على الأرض. فلا شيء يسيطر على العالم بقنواته الفضائية ومواقع السوشيال ميديا إلا الترويج عمداً أو بدون قصد لنظرية المؤامرة التي تروّج لشيطان يريد أن يلتهم العالم والتبشير بأن صراعاً تُستخدم فيه الفيروسات المدمرة قد بدأ زمانه لحسم صراع السيطرة على العالم.
فهل هذا صحيح؟ تعالوا نتناقش بهدوء
****
تعتبر البداية الحديثة للطب في العالم عندما اكتشف الطبيب والعالم الألماني روبرت كوخ الكائن العضوي الصغير (الفيبريو) الذي يسبب الكوليرا، بينما كان في الإسكندرية (مصر) عام 1883، ومن تلك اللحظة التاريخية تغير شكل الطب في العالم وأصبحت السيطرة على الفيروسات المسببة لموت ملايين البشر أمراً ممكناً وعادياً بعدما أُبيد من البشر الملايين.
ولكنه كان بدايةً لعصر جديد من السيطرة على مقدرات الشعوب والتحكم فيها، وأصبح الدواء سلاحاً مشهراً في وجه فقراء العالم بعدما تغيرت قواعد اللعبة القديمة بتصدير المرض والفيروسات القاتلة. وبدأت حقبة جديدة لإمبريالية رأسمالية اقتصادية عالمية بدلاً من إمبريالية البوارج الحربية في القرون الماضية.
****
لم يكن خروج المستعمر البرتغالي والإسباني والهولندي والإنجليزي والفرنسي إلى أعالي البحار للسيطرة على العالم القديم والجديد إلا بداية لحقبة تاريخية غيّرت شكل العالم، فقد لعبت الأوبئة والأمراض دوراً بارزاً في السيطرة على الشعوب التي تم احتلال أراضيها. فمع شراهة المستعمر لخيرات البلاد المحتلة من أراضٍ خصبة ومعادن نفيسة وعمالة رخيصة مقابل شراهة متنامية لمستهلك أوروبي متعطش للحياة المترفة حتى ولو على جثث فقراء العالم، فقد أراد المستعمر الجديد أن يقيم شبكة تنمية تؤكد سيطرته الأبدية على الأراضي المستعمرة، ولكن تبعات ذلك خلقت شبكة من الأمراض تواصلت مع شبكة تجارته، فقد تحركت الأمراض كما الأشخاص والبضائع، فقد انتشرت مثلاً أمراض أوروبا مثل الطاعون والجذام والجدري والكوليرا والملاريا والحمى الصفراء وعبرت إلى الأمريكتين وراحت تحصد حصداً الملايين من تلك الشعوب غير المحصنة ضد الفيروسات المرضية والفيروسات الرأسمالية الاقتصادية، ولهذا نجد الحاجة الماسّة لجلب العبيد الأفارقة ليسدوا العجز في الأيدي العاملة نتيجة تفشي الأوبئة.
****
إبان الاحتلال البريطاني للهند تحولت الأوبئة لوسيلة للسيطرة على الشعوب، حيث توفي جراء وباء الكوليرا الذي اجتاح الهند نحو 28 مليون فرد، وهو ما اعتبر وسيلة بريطانية إمبريالية للسيطرة على الشعوب، بل تعدى إلى تصفية الحسابات داخل بريطانيا نفسها، حيث جرى استخدام الكوليرا لتصفية الحسابات مع طوائف المهنيين والعمال من قبل الطبقة الوسطى الناشئة التي تخاف على امتيازاتها الطبقية.
****
مع انتهاء عصر الاستعمار المباشر وتراجع البوارج الحربية قليلاً للوراء قام الرئيس الأمريكى ليندون جونسون بتدشين حملة للقضاء على الملاريا والحمى الصفراء والكوليرا من على وجه الأرض، وقد استحسنت شركات الأدوية الأمريكية تلك الدعوة وكانت وسيلة إمبريالية جديدة للسيطرة على العالم، وبعد سنوات طويلة ما زال أناس كثيرون من شعوب العالم يموتون جراء الفيروسات والأمراض المعدية على حسب رؤية شركات الأدوية الأمريكية. ولهذا تمت الدعوة إلى اجتماع لوكلاء الصحة العالمية في "ألما أتا" في عام 1978 من أجل الدعوة لأن الوقت قد حان لتغيير التركيز من طب التقنيات المتقدمة إلى الرعاية الصحية الأولية، وهى تجذير مفهوم الوقاية الأولية ضد مفهوم الأمراض من أجل الوصول لعلاج ناجع وفعال، وهو ما فعلته الصين حيث أغلقت حدودها على نفسها بعد عام 1949 واستطاعت بإجراءات وقائية أولية أن تقضي على أمراض الكوليرا والملاريا، وهو تقريباً ما تفعله في أزمة فيروس كورونا 2020.
ولكن هذا لم يعجب شركات الأدوية الأمريكية والغربية، وعليه فقد أدخلوا العالم في دوامة تقنية الأدوية.
****
في مدينة لوجانو السويسرية اجتمعت مجموعة من علماء الاقتصاد والاجتماع والسكان في الغرب من أجل الإجابة عن سؤال محدد: كيف نضمن ونحافظ على الرأسمالية؟ وقد توصل المجتمعون إلى أنه لكي تحافظ الرأسمالية وتطورها النيوليبرالي على وجودها وسيادتها على مقدرات العالم فإنها مطالبة بضرورة التخلص (قتل) ثلث سكان العالم على الأقل بكافة الأشكال، صراعات وحروب إقليمية أو بنشر الأوبئة والفيروسات القاتلة لأن الزيادة السكانية في العالم الثالث ازدادت وأصبحت عبئاً على رفاهية المواطن الغربي والأمريكي، ولهذا مع الدعوات التي بشرت بأن عام 2020 هو عام الأزمة الاقتصادية العالمية المتوقعة منذ سنوات ماضية نجد أن ظهور الفيروسات والحديث عن الإجراءات الاقتصادية الجذرية ونزول الجيوش للسيطرة على الأوضاع العالمية الجديدة ما هو إلا مقدمات لزمن أكثر وحشية أو ربما لعالم أقل عدلاً لصالح طبقات اجتماعية قليلة تتحكم في المال والاقتصاد في مقابل ملايين ستقتات على الفتات، وإذا تجرأت ورفعت صوتها فنظرة واحدة على مبيعات السلاح في الأعوام العشرة الماضية كفيلة بالإجابة عن ما سيحدث حينها.
****
بعد ظهور كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" في عام 1901، وعلى الرغم من عدم حقيقته إلا أنه قد جرى تسويقه كحقيقة تآمرية لتبرير سياسات بعينها كانت المنطقة العربية والشرق أوسطية ضحية لها من قبل الدوائر السياسية الغربية والتي دفعتنا إلى الاعتقاد في نظرية المؤامرة حتى نستكين ولا نقاوم وهو ما نجحوا فيه، تماماً كما يحدث الآن من أتباع سياسات الرأسمالية العالمية أو الليبراليين الجدد الذين يسوقون لفكرة المؤامرة الكونية التي تأتي من الصين لتبرير أفعالهم تجاه العالم كله، ولضمان سيطرتهم الرأسمالية المتوحشة على مقدرات العالم، وأنهم ليسوا المسؤولين عما وصل إليه العالم من تدهور اقتصادي، ولكن دون كتاب مدوّن فيه بروتوكولاتهم لكيفية السيطرة على العالم، كما في بروتوكولات حكماء صهيون، فيكفي أنك كمواطن أصبحت أسيراً لطريقتهم في التفكير التآمري وتمشي وراءهم كما لو كنت منوماً تنويماً مغناطيسياً، وتريد أن ترى ورقاً مكتوباً بين دفتي كتاب لتصدق ما تراه أمامك.
العالم مقبل على صياغة بروتوكولات جديدة لحكم العالم، وما أزمة فيروس كورونا إلا مقدمة لما بعدها، الرأسمالية أصبحت أكثر توحشاً مدعومة بوكلائها في كل دول العالم تسوق لها ولمشروعها لضمان الهيمنة على العالم لسنوات طويلة قادمة.
لهذا لا تنساقوا وراء نظرية المؤامرة وشرحها وتبريرها، واعملوا على إيجاد حل أو مكان لنا في الزمن القادم، وحتى لا نفيق ونجد أنفسنا وقد تم احتلالنا وأصبحنا عبيداً محكومين ببروتوكولات حكماء الرأسمالية النيوليبرالية الجديدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.