كيف تسبب عرفات وصدام وإعلام مبارك في ترحيل الفلسطينيين من الكويت؟ إليك هذا الكتاب التاريخي

عدد القراءات
1,233
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/24 الساعة 11:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/24 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش

"النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت"كتاب مهم ألفه الكاتب الكويتي شفيق الغبرا، يتحدث عن مشهد فلسطيني مؤثر، يؤرخ لقيام مجتمع فلسطيني في الشتات، أصبح أكبر مجتمع فلسطيني خارج الحدود المباشرة لفلسطين. أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه للمؤلف نشرت في كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان: الفلسطينيون في الكويت: العائلة وسياسات البقاء، وتضمن العمل نتائج بحث ميداني ومقابلات مع عينة من الأُسر الفلسطينية في الكويت، زادت على 100 مقابلة و250 ساعة تسجيل. وقد نشرت في كتاب عام 1987، وجاءت صفته ككتاب مميز في أمريكا مما ضمن له إقبالاً من قراء الإنجليزية، فيما بعد أضاف إليه الكاتب الفصول التي تناولت ما حدث للفلسطينيين في الكويت بعد الغزو الصدامي، فكان الكتاب الذي نعرض له اليوم.

نشأ هذا المجتمع أولاً من البعثة التدريسية من المدرسين الفلسطينيين الذين قدموا للكويت بدعوة من الشيخ أحمد الجابر، أمير الكويت، إلى الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عام 1936، وكانت مرتباتهم تصرف مناصفة من الحكومة الكويتية والمجلس الإسلامي الفلسطيني الأعلى. وقد ساهمت هذه البعثة التدريسية في تطوير التعليم في الكويت مساهمة مؤثرة. الموجة التالية كانت بعد نكبة 1948، موجة الكفاءات والمهنيين التي كان لها دور أكبر في المشاركة في بناء الكويت الحديثة، ثم موجات أتت أصلاً تهريباً عبر خطوط التهريب ضمت العمال والمهنيين، كانت السلطات البريطانية الحاكمة للكويت تعيق وجود الفلسطينيين في الكويت حتى لا ينقلوا إليها مشاعر الفلسطينيين الكارهة لبريطانيا بسبب دورها في إنشاء الدولة الصهيونية. ولكن هؤلاء الذين قدموا تهريباً شكلوا فيما بعد الهيكل الذي اعتمدت عليه قطاعات النفط والتصنيع الكويتية. ولم تتوقف مشاركة الفلسطينيين في الكويت على القطاعات المدنية فهذا عمر زعيتر أسس سلاح المدفعية الكويتي، وهذا خليل شحيبر الذي قام بتأسيس جهاز الشرطة الكويتي، وكثير أمثالهم.

مع الوقت تطور المجتمع الفلسطيني ونقل نسيجه العائلي وقواه وأسس روابط القرى والجامعيين ليدعم نفسه، ويعوض أبناءه ما ينقصهم من تعليم جامعي، وما يحتاجونه من خدمات صحية، وصل عدد أفراد الجالية إلى 380 ألف نسمة. وكانت العلاقات بين الجالية الفلسطينية والمجتمع الكويتي في أحسن أوضاعها.

نشأت في السبعينيات بعض التخوفات الكويتية، فحرب 1973 تركت شعوراً بأن القضية الفلسطينية لن تنتهي بعودة الفلسطينيين إلى بلادهم، وأصبح هناك تخوف من توطينهم، كما وأن الحرب الأهلية اللبنانية وتورط الفلسطينيين فيها زاد من الحساسية، والتجربة الديمقراطية الكويتية التي دخلت منعطفاً حاداً أدى إلى حل مجلس الأمة عام 1986، ساهم في زيادة التحسس الرسمي من وجود جاليات غير كويتية في البلاد. وبدأت بعض الإجراءات التي لم تستهدف الفلسطينيين فقط بل كل الوافدين مثل تقليل فرص دخولهم في المدارس والجامعات بل وظهرت قوانين جعلت حاملي وثيقة قيادة السيارات من الوافدين محدودين وزادت احتمالات أن يفقد الأبناء إقامتهم في الكويت بمجرد وصولهم سن الـ18. كل هذا أدى إلى الشعور العميق بالحرمان. ولكن مواقف الكويت الوطنية والقومية والإسلامية وصحافتها الحرة وتأثير العلاقات الشخصية جعلت هذه الأمور قابلة للاحتمال.

عام 1990 حدث الغزو الصدامي للكويت، المجتمع الفلسطيني انقسم أثلاثاً، ثلث رأى المسألة إيجابية متأثراً بأن المجتمع الكويتي كله كان صدامي الهوى ومعظم هؤلاء من الفئات الأقل حظاً، وثلث كان رافضاً بشكل مطلق، وثلث بدا محايداً وشعر بأن الحل في يد الدول العظمى والسعودية ودول الخليج. الفئة الأخيرة انتقلت إلى الرفض بسبب ممارسات الجيش الصدامي في الكويت. وأبرز مثال على رفض غالبية الفلسطينيين في الكويت للغزو الصدامي مظاهرتهم الحاشدة في حولي التي هتفت لأمير وشعب الكويت وكان ذلك في أغسطس/آب عام 1990 أي في وقت مبكر من الغزو. لكن دخول حوالي مئتين من فلسطينيي المنظمات العربية البعثية إلى الكويت ليشاركوا الشرطة الصدامية في عملياته المهينة التي يتعرض لها الكويتيون والجاليات المقيمة في الكويت أدى إلى وضع الفلسطينيين موضع شبهة. يورد الكاتب الكثير من الأحداث عن فلسطينيين أدوا أدواراً إيجابية لصالح المجتمع الكويتي المقاوم، ويورد مآسي الآخرين الذين أجبروا تحت ضغط الإدارة الصدامية في الكويت على استئناف أعمالهم كمدرسين وخلافه. أعلنت الإدارة الصدامية أن كل من لا يعود إلى عمله فسيُفصل وتنتهي إقامته ولن يحصل على حقوق نهاية خدمته وهي كل ما يملكه معظم الفلسطينيين من عدة لمستقبلهم فعاد البعض وهم الذين أصبحت أسماؤهم في القوائم السوداء للمقاومة الكويتي، وعندما أعلن جهاز صدام في الكويت عن تأسيس جيش شعبي دخله بضعة مئات من فقراء الفلسطينيين لقاء مرتبات هزيلة، ولكن معظم الفلسطينيين ظلوا خارج أي دور ضمن دوائر السلطات الصدامية في الكويت، فمثلاً خرج مائتا ألف فلسطيني خلال فترة الغزو الصدامي إلى الأردن نهائياً، الذين بقوا هم الذين لم يكونوا قادرين على دفع الأتاوات التي كان يطلبها الجيش الصدامي لقاء السماح لهم بالخروج أو أولئك الذين لا يحملون جوازات أردنية، حاول سليم الزعنون التواصل مع علي حسن المجيد حاكم الكويت من قَبل صدام، ونقل إليه ما يتعرض له الفلسطينيون من إهانات مبرمجة عندما يتوجهون لتجديد إقاماتهم وما تتعرض له بيوتهم من سلب ونهب على يد جنود صدام، رد المجيد باتهام الفلسطينيين بأنهم أهل فساد وإفساد وأنهم منشغلون بقضايا ثانوية وأنهم بخلاء قومياً، وقال إن الفلسطينيين لم يدعموا موقف العراق في الكويت ولو بتظاهرة واحدة.

حاولت شخصيات فلسطينية في الكويت التأثير على موقف منظمة التحرير التي كان يرأسها ياسر عرفات والتي بدت مؤيدة للعراق لكنهم فشلوا، وقد قُتل أبو زياد (رفيق قبلاوي) قائد فتح في الكويت أمام مخفر للشرطة الصدامية وعندما جمعت السلطات مجموعة من الكويتيين لتحميل المسؤولية عن القتل لأحدهم قام سالم أبو لغد القائد الفتحاوي بطلب إخلاء سراحهم جميعاً وقد تم ذلك، بعض الفلسطينيين شاركوا في أعمال المقاومة الكويتية ومنهم من علم الكويتيين صنع قنابل المولوتوف، كما أن من بين اثني عشر أعدمتهم السلطة الصدامية بسبب إدانتهم في تفجير مركز القيادة الصدامي في فندق هيلتون كان هناك فلسطينيان. ورغم ذلك فإن الفلسطينيين قد حسبوا على مواقف الأردن الدولة والشعب وموقف منظمة التحرير وكلها كانت مستفزة للكويتيين ومنحازة لصدام حسين، وقد تم قتل مدرسة فلسطينية بسبب عودتها للتدريس، وفي منظمة التحرير تم اغتيال القائد أبو إياد لاعتراضه على الغزو الصدامي.

تم الانسحاب الصدامي، ومن ثم تمت محاسبة كل من جاء اسمه من الفلسطينيين وغيرهم محاسبة شديدة، وبلغ القتلى الفلسطينيون دون محاكمة 16، والمفقودون 33، وتمت محاكمة المئات، وتم اغتصاب بعض الأطفال الفلسطينيين. ولولا تدخل الحكومة المركزية والمحامين الكويتيين وجماعات حقوق الإنسان والجمعيات الإسلامية وبعض جمعيات النفع العام الكويتية لكانت الخسارة أكبر. بعد ذلك قامت الحكومة بتصفية الوجود الفلسطيني، تم إعطاء الحقوق كاملة لموظفي الدولة منهم. كما تم إنهاء إقامة معظم المتواجدين في الأعمال الخاصة بشكل عادل أحياناً أو متعسف أحياناً أخرى وذلك حسب مشاركيهم من أهل البلد. ولم يبق من الفلسطينيين إلا حوالي 30 ألفاً، منهم 4000 من حملة الوثائق الفلسطينية الصادرة من مصر الذين لم يتمكنوا من التوجه إلى أي موقع في الدنيا.

أسوأ الأدوار التي ساهمت في المأساة الفلسطينية كانت من التأجيج الإعلامي، فقد استطاعت صحافة مبارك تصوير الغزو الصدامي وكأنه احتلال فلسطيني للكويت، وساهمت صحافة الأردن وصحافة الخليج أيضاً بدور كبير في تأجيج الكراهية وإن كان بدور أقل من دور إعلام مبارك.

كتاب يلخص الوضع العربي، ولا شك أن الدكتور شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، يستحق كل الشكر على شجاعته الأدبية وحياده الموضوعي، حين نشر هذا الكتاب تكلم عنه في وسائل الإعلام الكويتية. وهو  يحمل الجنسية الكويتية. أتى والده الطبيب من حيفا، وأصبح طبيباً للأسرة الحاكمة الكويتية، كما أنه كان أحد قادة كتيبة الجرمق الفلسطينية التي أعطت مثالاً مشرفاً للمقاوم والإنسان الفلسطيني عندما كانت تعمل في جنوب لبنان ضد الصهاينة.

كتاب حق على كل فلسطيني أن يقرأه ليطلع على تاريخه، ويستفيد لعله يمنع تكرار أخطاء البعض من قياداته، تلك الأخطاء التي تستهلك رصيده الشعبي بالدخول في النزاعات العربية البينية، وهي التي يدفع كل الشعب الفلسطيني لها ثمناً باهظاً أكثر مما يدفعه الآخرون.

صالح الشحري هو طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
صالح الشحري
طبيب فلسطيني
طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.
تحميل المزيد