بعد هذه الوفيات المفاجئة في الجيش المصري.. أين القطاع الصحي في مصر؟

عدد القراءات
1,965
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/23 الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/24 الساعة 08:12 بتوقيت غرينتش
- وزيرة الصحة المصرية مواقع التواصل

لا تزال كليات الطب في العالم العربي مستودعاً للموهوبين من كافة المجالات في العقود السبعة الأخيرة. فهي وجهة المتفوقين الذين  يجدون أنفسهم منجذبين إليها بحكم المغناطيس الاجتماعي والرغبة في ضمان مستقبل جيد؛ لكونها مهنة تجمع بين إمكانية العمل الحكومي والحر في العيادات في آن واحد، مع فرص السفر للخارج. أما بعد التخرج فكثير من هؤلاء الموهوبين تتملكه الشجاعة ليعطي ظهره لمهنة الطب ويتبع شغفه في المجالات الأخرى، مثل الصحافة والتجارة وعلوم الكومبيوتر، وقلة من هؤلاء يتجه للعمل السياسي.

تحتاج السياسة للأطباء، ليس بوصفهم أطباء وحسب، ولكن لكونهم قطاعاً فيه كثير من الموهوبين والمتفوقين. وآفة السياسة العربية أنها مهنة من لا مهنة له، فنادراً ما تجد حاكم دولة عربية له مهنة محددة. الأنبياء أنفسهم كان منهم التاجر والحداد والنجار بجانب قيامهم بالرسالة الربانية، وفي الدول المحترمة تعتبر السياسة مهنة إضافية يدخلها الشخص بشكل مواز مع عمله الأصلي، وقد يتفرغ لها في مرحلة لاحقة ويصعد في مناصبها حتى الوصول لكرسي الوزارة أو رئاسة البلاد.

وبحكم ابتعاد الأطباء القسري عن العمل السياسي في العالم العربي، فقد غابت السياسات الصحية عن أجندة الحكومات العربية، وبات العالم العربي في مؤخرة الدول من ناحية الرعاية الصحية، وأصبحنا أمام دول تمتلك كوادر بشرية هائلة من الأطباء وتصدر منهم للغرب والشرق، ودول أخرى تملك المال والثروة من دون أي تكامل بين الجانبين؛ كان يمكن أن يوفر ملايين الدولارات من العلاج في الخارج وملايين الأرواح التي أزهقت بسبب نقص الرعاية الطبية.

لطالما تذرعت الأنظمة العربية بضيق ذات اليد للتملص من تحديث القطاع الصحي وتطويره، والآن جاءت أزمة وباء كورونا كأزمة كاشفة لغياب مبادئ تخصص رئيسي في الطب وهو الصحة العامة، حيث يندرج علم الأوبئة تحت هذا التخصص، بالإضافة للإحصاء الحيوي والطوارئ. هذا التخصص لم يكن ليحتاج تكاليف باهظة، ولكن بعض الوعي ببرامج متخصصة في إدارة الأزمات والتعامل الفعال مع الطوارئ الصحية العامة، وطرق توعية وحماية من العدوى وهي برامج لم يكن يدركها سوى طبيب واع ينشط في العمل السياسي.

لقد ضاعت جهود وميزانيات صحية لعدة عقود في برامج غير عاجلة وغير مفيدة للمواطن العربي، مثل برامج تنظيم الأسرة وغيرها، والتي تعاملت معها الأنظمة بنفعية شديدة ولمجرد الحصول على تمويل خارجي، وبعض شهادات الإشادة لتجميل وجهها السياسي الفاسد القبيح. وقد حاولت بعض نقابات الأطباء، المنتخبة بشكل ديمقراطي في بعض الدول العربية، سد النقص في هذا القطاع، وهي محاولات لم تخرج عن الدور الرقابي والدعم المهني في ظل ميزانيات محدودة وغياب دعم حكومي ملموس.

لم تنفصل الرعاية الصحية عن العمل السياسي المباشر يوما ما، فالبرامج الصحية في قلب كل البرامج الانتخابية تقريبا في الدول الديمقراطية. وهو قطاع يصعب على المجتمع المدني أن يسد الفراغ الحاصل فيه، وهو في صلب العمل الحكومي ومرتبط بميزانية الدولة بشكل عضوي، والآن أصبح في أعلى سلم أولويات الأمن القومي بسبب أزمة وباء كورونا العالمي.

لقد كشف هذا الوباء عن أهمية المعلومة الطبية وأهمية الشفافية الحكومية مع الأخبار الصحية، كما كشف عن جهل كثير من السياسيين بمبادئ السياسة الصحية في أكبر الدول، مثل الولايات المتحدة وإيطاليا. لكن هذه الدول على الأقل أقرت برامج وقاية وعلاج سريع للتعامل مع الأزمة، في ظل جهل أكبر لدى الأنظمة العربية وبنيتها السياسية التي تستبعد الخبرات من بلاطها في مقابل تزكية وترقية كل ما هو أمني ومخابراتي. وقد آن الآوان لأن يصبح مطلب تطوير القطاع الصحي مطلبا عربيا شعبيا وأولوية في صميم العمل السياسي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هاني بشر
إعلامي
تحميل المزيد