انتشرت صورة لعريس من الخليل في يوم زفافه على عروس من مخيم الدهيشة في بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، بلا معازيم، أو صالات، وانتقل بها من بيت أهلها إلى سكنهما الجديد بصمت، بعيدا عن ضوضاء الأعراس المعهودة، تطبيقا لقرارات حالة الطوارئ التي تحظر التجمعات، وتمنع صالات الأفراح، تجنبا لانتشار فايروس كورونا.
هذا المشهد الذي بدا نادرا وحدث لأول مرة مؤخرا، عاد بالذاكرة الفلسطينية تحديدا لما يزيد عن ثلاثين عاما، حينما اندلعت الانتفاضة الأولى نهاية العام 1987 في الأراضي الفلسطينية وامتدت حتى اتفاق أوسلو عام 1993.
في ذلك الوقت اعتاد المواطنون على حظر التجول الذي كانت تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على المدن لأيام طويلة، مما كان يضطر العريس لجلب عروسه عبر سيارة الإسعاف التي كان يسمح بتجولها وحدها ويمنع غيرها، وإتمام إجراءات الزفاف بصمت دون جمهور.
الإجراءات المتسارعة التي تستدعيها حالة الطوارئ وإجراءات الوقاية الاحترازية من فيروس كورونا، أثرت على مراسم الزفاف المعهودة في غزة مؤخرا.
كنت مطلعا على استعدادات أحد الأقارب لحفل خطوبته، كان يتابع لحظة بلحظة الأخبار المتناقلة عن احتمال إغلاق صالات الأفراح وصالونات التجميل النسائية ضمن إجراءات الوقاية، وكيف كان ذووه يتداولون فيما بينهم أفكارا بديلة في حال اتخذ القرار قبل الموعد المحدد للحفل.
التخوف من نقل العدوى دفع العريس لإلغاء الحفل المخصص للرجال (الإشهار) واكتفى بحضور النساء اللواتي يزداد القلق لديهن خوفا من "فساد فرحتهن"، لا سيما أن تحضيراتهن الأكثر تكلفة، والأطول وقتا، والتي عادة تبدأ قبل أسابيع من الحفل، وتأخذ منهن جهدا كبيرا، ويضطررن لإقامة ما هو أقرب "لغرفة العمليات المشتركة" للتنسيق في تفاصيل التفاصيل.
تعترف زوجتي شقيقة العريس أنها عاشت وقتا من "التوتر" مع توارد المزيد من الأخبار، واتخاذ بعض البلديات المحلية قرارا بإغلاق صالات اللياقة البدنية، واحتمالية إغلاق صالات الأفراح ومنع أماكن التجمعات في أي لحظة دون سابق إنذار، في حال كانت التطورات الصحية تفرض ذلك.
ثمة إجراءات وقائية اتخذتها صالونات التجميل الخاصة بالنساء أبرزها عدم استقبال الطفلات، وإنهاء أعمالهن في ساعة مبكرة من النهار لا تتعدى وقت العصر، لكن ثمة تساؤلات كثيرة كانت تطرح في زمن الفايروس المخيف، أبرزها ماذا عن إجراءات الوقاية داخل تلك الصالونات التي تجتمع فيها كل أدوات التجميل على رؤوس ووجوه النساء دون تخصيص؟ ماذا عن فساتين الحفلات والزفاف المستأجرة التي تنتقل من فتاة لأخرى؟ وماذا عن وسائل المواصلات الكبيرة (الباصات) التي تتجمع فيها النساء ذهابا إلى الصالات؟ وماذا عن عادات التقبيل التي تكثر عند لقاء السيدات؟
كان يتوقع العريس بأن يكون الحضور ضعيفا بسبب خشية الناس من الفيروس، لكن المرض الذي وصل متأخرا إلى قطاع غزة منحهم شيئا من الطمأنينة، وكان الحضور كالمعتاد.
"إجراءات احترازية" اتخذتها بعض النسوة أبرزها التقليل من التسليم بالأيادي، وعدم قضاء وقت طويل داخل الصالة، وربما الاكتفاء بمجاملة أم العريس بالسلام دون تقبيل في حال تمكن من ذلك، ولم يقعن في مواقف محرجة، لكنهن جميعا لم يفكرن مطلقا في عدم الذهاب إلى الفرح!!
انقضى حفل الإشهار، وأتم العريس إجراءاته كاملة، لكن التطورات الميدانية دفعت الكثير ممن حجزوا صالات أفراحهم خلال المدة المقبلة إلى التفكير كثيرا بتقريب الموعد واستكمال مراسم زفافهم، قبل أن يطرأ جديد على التعليمات الواردة من وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، ولا يزال أصحاب الأفراح يتدارسون فيما بينهم، كيف سيكون شكل فرحنا في حال وصل فيروس كورونا. هل يتخذون قرار بالتأجيل لحين السيطرة على الفيروس، أم استكمال الزفاف حسبما يكون متاحا؟
"الفيروس المخيف" الذي جاء على حين غفلة من العالم، ولم يتوقع أحد بأنه سيقوى على شل الحياة العامة للمواطنين، أجبر الكثيرين على تغيير روتين حياتهم اليومية، وحتى تفاصيل زفافهم التي تأتي مرة في العمر، لكن يقينا لم ولن يتمكن من منع "الحب في زمن كورونا
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.