سواء اتفقنا أو اختلفنا على أصل فيروس كورونا المستجد "كوفيد -19" كونه فعلاً لعبةً سياسية بين الدول العظمى، أو فيروس مختلق في معامل بيولوجية لهلع الشعوب وإثارة الفزع والقلق في العالم أجمع لصالح اقتصاد دولة بعينها مثلاً، أم أنه ابتلاءٌ من رب العالمين جزاء أعمالنا في الأرض، وعدم الدفاع عن المظلومين، والخوف على أنفسنا بغضّ النظر عمن سيدفع الثمن، هذا غير مجاهرتنا بالمعاصي دون أدنى شعور بالذنب.
ففي حقيقة الأمر جاءنا كورونا، ليكون دليلاً قطعياً على أن دوام الحال من المحال، وأن الله هو المغير الذي لا يتغير، هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض.
جاءنا كورونا لنرى بأم أعيننا عاصمة النور مظلمةً خالية من البشر في وضح النهار، لنرى أبواب أشهر أماكن بالعالم تغلق أبوابها أمام الزوار، كشركة "والت ديزني" بولاية فلوريدا الأمريكية، والعاصمة الفرنسية باريس التي تم إغلاقهما حتى نهاية شهر مارس الجاري، وحدائق ديزني في شنغهاي وهونغ كونغ.
لنرى دولاً مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، تحولت إلى أشباح، بعد أن فرضت حظر التجوال والحجر الصحي على أغلب سكانها، حتى أصبح المترو خالياً من البشر، المطارات أغلقت أبوابها لا استقبال ولا وداع، الشوارع والساحات فارغة تماماً من الجنس البشري، النزول من منزلك بحساب، شراء مستلزماتك من طعام وشراب بمواعيد محددة، وغيرها من المناطق السياحية الأشهر في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج العربي، كل هذا لمكافحة فيروس لا يُرى بالعين المجردة.. لكنه في حقيقة الأمر قلب العالم أجمع رأساً على عقب، وأجبر سكان الأرض على المكوث في منازلهم، وباتت رسائل الوداع والرحيل وكتابة الوصايا أمراً مفروغاً منه بالنسبة للكثيرين.
وفي وسط رسائل الوداع وعبارات مثل "ودّعوا أحباءكم"، التي قالها رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، وكافة الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها الدول لمكافحة فيروس كورونا، والحد من انتشاره، نجد تجاراً جشعين استغلاليين، نلاحظ ارتفاعاً في ثمن المطهرات وأدوات التعقيم والمنظفات بشكل عام، والكمامات الطبية بشكل خاص، نجد منطق السبوبة هو المسيطر عند البعض، نرى المستهلكين أنفسهم في هلع وخوف مرضيّ قد يجبرهم على عدم الشعور بالآخر سواء كان جاراً أو فقيراً محتاجاً وليس معه من الأموال ما يعطيه رفاهية تخزين ما يكفيه لأسبوع قادم سواء من طعام أو شراب أو مطهرات وما شابه، ويكأنهم تناسوا للحظات أن الموت قد يدق أبوابهم في أي لحظة، ففي اللحظة التي يتحدثون فيها عن نهاية العالم يشترون ما يسد بطونهم لأيام وربما لشهور قادمة.
منطق عجيب غريب تحتار في تفسيره، لكن الأقرب لقراءة هذا المشهد العبثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. هو البعد عن مدبر الكون العادل اللطيف بعباده رب العالمين، هو الاستهتار بمعطيات المشهد الراهن، ففي الوقت الذي تذكرنا فيه نهايتنا وقرب رحيلنا عن هذا العالم، "رغم أنه من المفترض ألا ننسى هذه اللقطة، لقطة طلوع الروح ولقاء رب العالمين والعمل طول الوقت من أجل هذه اللحظة"، أخذنا احتياطاتنا وبمنطق الفهلوة والشطارة قمنا باستغلال حوائج الناس.
أيضاً ألم يذكرنا كورونا بنعمة "العادي"! نعم يومك عندما يسير عادياً دون جديد أو تجديد دون ترفيه أو تطوير، نعمة الصحة والعافية والراتب الثابت وروتين العمل الممل.
هي مشاغل الحياة ودوامة الدنيا التي نعلم جميعاً أنها فانية زائلة بتقلباتها التي تجعلنا نتناسى فكرة أن الله بيده كل شيء وهو القادر على كل شيء.
بالمناسبة.. ليس من المقلق أو المحزن أن نبدأ بوداع مَن نحب، بترك بصمة أو أثر إيجابي يبقى صدقة ننتفع بها بعد الممات، نتعامل برقيّ وأخلاق ودين مع الجميع قدر الإمكان.. فالجميع راحل والأعمال هي التي ستبقى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.