توقفت الحياة، مئات الموتى يفارقوننا كل يوم، النظام الصحي ينهار، والفوضى تعم البلاد، تتخبط الحكومة، والشعب لا يعرف كيف النجاة ولا طريقاً نحو الأمان. يحزن النيل على فراق المصريين، وعلى آهات الأمهات النائحات صباح مساء، هذا وأسوأ ربما ما نحن مقبلون عليه في مصر. على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، نجد إيطاليا البلد الأوروبي الجميل، حيث برج بيزا المائل وفريق محمد صلاح السابق، لكن ذلك البلد لم يعد كما كان، إذ يدمره وباء كورونا بينما تقرأ أنت هذه الكلمات. أصبحت إيطاليا هي المتربعة على قائمة الوفيات بسبب كورونا حول العالم بعد تخطيها الصين نفسها، بقرابة الـ4 آلاف حالة وفاة جراء الوباء حتى الآن، والرقم في تصاعد بالتأكيد.
ما فعله كورونا مع الطليان ربما يفعله معنا نحن المصريين، إن لم ننتبه جميعاً وسريعاً لحجم الكارثة التي تعيشها مصر، وليست الحكومة أو عبدالفتاح السيسي، إما أن ننجو معاً، أو نغرق معاً، لا خيار آخر.
قليل من التأخير.. مزيد من الشفافية
تتضارب أعداد الإصابات المصرية بكورونا بين تقارير وزارة الصحة الرسمية وتقديرات الصحف العالمية في ظل شكوك شعبية. وبغض النظر عن تقرير صحيفة الغارديان البريطانية، لكن الأزمة داخلياً تكمن في انهيار جسور الثقة على مدار سنوات بين النظام الحاكم وشرائح كبيرة من الشعب، لذلك نحتاج مزيداً من الشفافية والمصداقية في الوقت الراهن. فلا حاجة للكذب والتجميل، الحقيقة حتماً ستنجلي للجميع. وينبغي ألا تتعامل الحكومة مع وباء كورونا على أنه مظاهرة معارضة في وسط القاهرة، يكفي أن تخرج لها قوة أمنية من قسم قصر النيل بقيادة محمد بيه للسيطرة عليها. الأمر أخطر من ذلك، وعلى ذكر المظاهرات المعارضة التي يصل إليها محمد بيه قبل أن تبدأ، لماذا تفسد الحكومة خطواتها الجيدة بالتأخير غير المبرر؟ لو تعاملت الدولة المصرية مع الكارثة كما تتعامل مع الأرهاب المحتمل، لقلت الخسائر بالتأكيد، وأقول هذا لأنني أرجو الله كل صباح ألا نصل لمرحلة "أسد عليّ وعلى كورونا نعامة".
والخطوات الجيدة للحكومة ينبغي أن تكون تفاصيلها المصغرة متقنة كما خطوطها العريضة، لأن الشكل العام جميل في الصور فقط، بينما التفاصيل الصغيرة هي أهم ما في خطط محاربة تلك الكوارث، لذا نحتاج من الحكومة؛ الشفافية، والإتقان، وسرعة الاستجابة.
كفاية مقدمات نارية
في المساء يخرج علينا إعلامي متأنق، يحكي لنا فشل النظام وعجزه، وكيف يقود البلاد نحو التهلكة، بينما نحن على مشارف التهلكة نفسها، وليس هذا وقت النقد وتصيد الأخطاء، بل وقت النصيحة الصادقة والدعم والمساندة ليس للنظام الذي نختلف معه جميعاً، بل لمصر التي لا نختلف معها أبداً. الإعلام المعارض له استراتيجية واضحة في التعاطي مع الأخبار والمستجدات المصرية، نظراً لحالة العداء مع النظام المصري الحاكم، وهذه ظاهرة صحية في دول العالم الأول، الجميع يدعي حب مصر وأبناء مصر، وليس أفضل من تلك الأزمة ليثبت كل منا حقيقة ادعائه، ينبغي على القنوات المعارضة أن تتبنى نهجاً مختلفاً الآن، حتى تمر مصر بخير من تلك المحنة الصعبة، ثم بعد ذلك فليفعل الجميع ما يراه مناسباً.
الدور المفقود لوسائل التواصل الاجتماعي
مئات الآلاف من المنشورات يومياً على "فيسبوك" و "تويتر" وغيرهما، أغلبها يدور حول أسطورة أن المصري أبو دم خفيف، وكيف أننا نواجه الأزمات بالكوميديا و "الكوميكس"، وأننا مصريين يا جدع، نأكل فول كل صباح، فهل يؤذينا كورونا؟!
ليس هناك مجال لمناقشة تلك الأساطير الخالدة، لكن حالة الكوميديا المفرطة تتناسب مع مباراة لم تلعب، كان طرفاها الأهلي والزمالك، أو تريند ساخر يتصدره عادل إمام مثلاً. لكن الأمر جد خطير، رواد السوشيال ميديا في مصر، في الأغلب هم الفئة الواعية، التي أقامت ثورات وأسقطت أنظمة، لذلك نحتاج خلال الفترة القادمة المشاركة بشكل أكبر بحملات التوعية المجتمعية، ومحاولة زيادة الوعي بالأزمة لدى باقي شرائح الشعب، فإجراءات الوقاية تحتاج لدعم ووعي حتى تحقق النتيجة المرجوة، قبل فوات الأوان.
"يا نعيش عيشة فل يا نموت إحنا الكل"
نتزاحم في المطاعم الشهيرة، لنحظى بوجبة عشاء أسرع، ربما نتسارع في الطرق، لعلنا نصل في الموعد، نتفاخر بما نمتلكه من مقتنيات، لا ضرر فيه هذا. لكن بعد كورونا، للحياة حسابات أخرى، وللموت أيضاً بالمناسبة، تصارعنا على المطهرات ووسائل الوقاية، لن يحمينا بل يضرنا، فكلنا مجرد فرد من المجتمع، والمصلحة العامة تقتضي أن نتوقى جميعاً من الوباء. أن يحظى جيرانك ومن تتعامل معهم بوسائل الوقاية تلك يعني أنك تقي نفسك.
يجب أن ندرك حجم الأزمة الأن قبل أن تتحول إلى كارثة، وتتحول مصر إلى إيطاليا، وحينها لن ينفع الإدراك ولا المبادرة، فساعد غيرك ومن حولك على الحفاظ على صحتهم، كأنها صحتك، لأنها كذلك في الحقيقة. وشارك في توعية من تعرف، وابتعد عن نشر الإشاعات، والتزم بتعليمات وزارة الصحة.
لأن خلاصة هذه الحلقة من تاريخ مصر هي: "يا نعيش عيشة فل يا نموت إحنا الكل".
اقلق بلا فزع، واطمئن بلا إهمال
البشر عامة يتباينون في التعاطي مع الأزمات والكوارث، فنجد شريحة تهول الأمر وتفزع غيرها، ولا تكف عن نشر السلبيات والإشاعات، وربما دون أن تطبق أساسيات الوقاية والنظافة. وعلى النقيض، البعض يتعامل مع الأمر على أنه زوبعة في فنجان، ما تلبث أن تنتهي، وبين هذه وتلك تتيه الشريحة الأعرض بينهما، ولا تعرف ماذا تفعل ومن تصدق. كل ما نحتاجه الآن هو القلق الصحي الذي يجعلنا نأخذ التعليمات الحكومية بجدية، وليس القلق الذي يجعلنا لا نعرف ما ينبغي علينا فعله، ونصبح كالطفل الذي تاه عن أمه، ونحتاج الاطمئنان الجيد، الذي يجعلنا نتصرف بحكمة، ولا يجعلنا نهمل في وسائل الوقاية.
مصر بين سفينتين.. وعلينا الاختيار
أتمنى أن تكون الفرصة ما زالت قائمة من أجل بناء سفينة النجاة للوطن، قبل أن نسقط في قلب التهلكة. تلك السفينة تحتاج جهداً كبيراً من كافة الأطراف، الحكومة والشعب، المعارضة، والأحزاب، ينبغي أن يبني كل طرف الجزء المكلف به، حتى تصبح سفينة النجاة حقيقة لا خيالاً. الوقت يمضي ولا مجال للخلافات والفرقة وقلة الوعي، علينا جميعاً أن نختار بين أن ننجو معاً في سفينة نوح، أو نغرق في تيتانك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]