واجه العالم فيروس كورونا بإجراءات الوقاية والبحث عن علاج، أما نحن فنحاول تجنيده، وإعادة تأويله، واعتباره رسولا إلهيا، إسلاميا بالضرورة، لتأديب البشرية، نيابة عنا. يبدأ الوعي بالفيروس في مراحله الأولى بالمكان، فالصين هي المصدر، لأنها عزلت المسلمين الإيغور فعزلهم الله (بتاعنا) عن العالم. يتجاوز الفيروس الصين إلى غيرها، ولا يفرّق بين الناس لاعتبارات الدين أو العرق أو الجغرافيا أو التاريخ، فالفيروس للجميع، يتحول المشايخ بدورهم إلى البحث عن زوايا أخرى، فيأتي كورونا ليمنع حفلات الغناء الصاخبة، في السعودية، فهو من جُند الله الخفية. يتجاوز كورونا الحفلات والمباريات إلى أي تجمّع بشري، فيمنع الجُمَع والصلوات والعمرة والطواف حول الكعبة، وتقرّ بذلك مؤسساتٌ دينيةُ رسمية، جاءت متأخرة. وكان أوْلى بها أن تسبق الجميع، في تقديم حفظ النفس عما سواه، فلا يجد "مشايخ التريند" ما يقدّمونه لجماهيرهم المتعطشة للغضب الإلهي على العالم الذي لا يقدّرهم حق قدرهم، فيقلبون الشريط. وبدلا من أن يكون الفيروس عقابا إلهيا يتحوّل إلى دليل شرعي، وشاهد على عظمة "أهل الحديث"، فالكمّامة دليل على فريضة النقاب، والعزل دليلٌ على حرمة الاختلاط، والحاجة لغسل اليدين دليلٌ على الإعجاز العلمي في الوضوء، وغياب الدواء، إلى الآن، دليل على أهمية الدعاء، والوباء كله دليل على أن "الله غالب على أمره".
بعد قليل، سيتحول مشايخنا عن هذه الرؤية، بالسهولة والسيولة نفسها، حين يكتشفون أن ارتداء الكمّامة لا يقي من الإصابة بالفيروس، بل يقلل من احتمالات انتقاله من المُصاب، إلى غيره، وأن الشخص السليم لا يحتاج إلى كمّامة، أي أن النقاب، في "فقه كورونا"، دليل إلى المرض لا الصحة، كما أنه لو كان علاجا، فماذا يفعل الرجال؟ سيتحولون حين ينتبهون أن العزل للجميع، وليس عزل الرجال عن النساء، وأن التطهّر الوقائي المطلوب بالصابون، وليس بالوضوء الذي هو عبادةٌ وشعيرة، سيجدون منفذا آخر للأسلمة، حين يجد الغرب العلاج، وربما يتخذون من العلاج نفسه سبيلًا آخر للأسلمة، وحشد الأنصار حول اللاشيء، وتسمية اللاشيء بالإسلام، وتعليق لافتات العظمة والإعجاز، مع آيات وأحاديث لا علاقة لها بالموضوع، لكنهم سيُنشئون العلاقة ويجدون من يصدّقهم، وكله بالحب.
لا يمكنك أن تُنكر حاجتك الماسّة إلى الترويح وسط هذا الكم من الأخبار المزعجة، وأعداد الضحايا، والإجراءات الاستثنائية. العالم يعيش في كآبة ورعب، ولا بأس من بعض المرح، ومشايخنا يوفرون المادة، ربما من دون قصد منهم، إلا أن تجاوز السطح الكوميدي لتصريحاتهم وكتاباتهم بل ومقالاتهم التي تحرّم توقف الصلوات، وتحاول الاشتباك مع الرأي العلمي، طلبًا لمزيد من رضا الجماهير التي لم تعد تحتفي سوى بالمزايدة، في المطلق، يكشف عن جانبٍ مأساوي، فأصحاب هذه الآراء العبثية ليسوا أفرادا، وليسوا مجرّد حسابات على مواقع التواصل، بل هم حساباتٌ في أرصدة دول وأنظمة وأجهزة أمنية، أدركوا ذلك، أم لم يدركوه، وحجم التجهيل الذي يمارسونه، عمدًا، أو طبعًا، ينعكس على عقول ملايين الشباب، إما بقبول تحول الدين إلى عبث، أو برفض تحول العبث إلى دين، والفريق الأول ينتج درجاتٍ من الدواعش، والفريق الآخر ينتج درجاتٍ من اللادينيين.
يتصوّر مشايخنا، من ذلك "الصنف الفاخر"، أن ظواهر الإلحاد، أو النفور الديني الذي يسمّونه إلحادا، هي الخصم، والخطر الأكبر على الإسلام. وما تشير إليه الوقائع، تباعًا، أن "مشايخ كورونا" هم الخصم الأكبر، والمؤامرة الأخطر، والمحاولة الأكثر نجاحا، إلى الآن، لاختراق الإسلام وتفكيكه، من الداخل. فالإلحاد، إن وجد، حقًا، ولم يكن مجرّد ردود فعل غاضبة على "فيرسة الإسلام" و"كورنة الخطاب الديني"، خصم واضح، تسهل مواجهته، أما "مشايخ أسلمة الفيروس" فهم موظفون، من دون علمهم، يصرفون الآلاف عن دينهم، تطرّفا أو إلحادا، وهم يحسبون أنهم يدعون إلى سبيل ربهم، ولو راقبوا أنفسهم ونتائج أفعالهم الكارثية، لعرفوا مَن ربهم الذي يدفع لهم ليدفع بهم، فاللهم شفاء، منهم، لا يغادر سقما.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.