عمالقة التدريب يعتبرونه الأفضل في العالم.. من هو المهووس بييلسا؟

عدد القراءات
1,207
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/19 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/19 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
عمالقة التدريب يعتبرونه الأفضل في العالم.. من هو المهووس بييلسا؟

يعد مجمع خوان بينتو دوران، القابع في العاصمة سانتياغو، المقر الرئيسي لمنتخب تشيلي الوطني لكرة القدم. في عام 2007، تولى مارسيلو بييلسا مهمة الإشراف على الفريق، الأرجنتيني مرّ على عدد من أفضل المنشآت الرياضية حول العالم، وبالتأكيد خلال ذلك الوقت لم يعد خوان بينتو منها. 

المياه الساخنة رفاهية غير متاحة، أجهزة تلفاز قديمة في غرف اللاعبين. أعطى هارولد ماين نيكولز، رئيس الاتحاد التشيلي لكرة القدم كلمته بتطوير المنشأة الرياضية وفقاً لمعايير بيلسا، الذي أشرف على خطة التجديدات، بدءاً من نوع الخط الذي ستُكتب به لافتة المنشأة، وصولاً إلى العشب. 

ستكون الحمامات أفضل، الغرف تشمل مكيفات ونظام تدفئة، مع شاشات بلازما، أصبحت الأسرّة صحية وأكبر، كما تم بناء صالة للألعاب الرياضية، وغرفة حديثة لتبديل الملابس، كما تمتع اللاعبون ممن سافروا عبر المحيط الأطلنطي بجهاز استشفاء، دفع بيلسا جزءاً من تكاليفه، خلال بضع دقائق من استخدامه يزول الخمول الناتج من فرق التوقيت وإرهاق السفر.

على الرغم من هذا لم يعرف الـ"لوكو" الرغد خارج المنشأة الرياضية، لم يقترب من المساكن الفخمة، سكن في غرفة صغيرة مع صليب معلق فوق السرير، سقط لاحقاً جرّاء زلزال، وجهاز تكييف، وتلفاز، وخزانة صغيرة، وحمام. في تلك الأجواء قضى بيلسا 42 شهراً من التقشف بالنسبة لنا، وقد يمثل هذا الهدوء والصفاء في نفسه.

يقول عنه بيب غوارديولا إنه "لا يهم عدد الألقاب التي حصل عليها في مسيرته، بالنسبة لي هو أفضل مدرب في العالم".

كما يكشف دييغو سيميوني أنه "أثر عليه أكثر من أي مدرب آخر". بوتشيتينو يدعوه "والده الكروي". ويضيف: "نحن جيل من المدربين كانوا تلاميذه".

أَثَر بييلسا تخطَّى مجمع خوان بينتو، تلاشى خجل المنتخب التشيلي. لعقود من الزمن تضاءل حجمه مقارنة بنظرته لباقي منتخبات القارة، مقياس الجوائز لا يصلح لقراءة مثل تلك البيانات. تحت قيادة خورخي سامبولي، الذي أعلن صراحة أنه "بييلسا" حقق لمنتخب كوبا أمريكا في أعوام 2015 و2016، "ما لم يكن ليتحقق لولا دماء بييلسا". هكذا عبّر سامبولي عما يمثله الـ"لوكو" وتأثيره على انضباط وقتالية وشجاعة نجوم الجيل الذهبي للمنتخب.

حتى أحد أعتى العقول في عالم كرة القدم، المعروف بكونه صاحب فلسفة خاصة؛ احتاج أن يداعب فضوله بعلم غيره بتلافِيف جمجمته. لم يسر بين ليلة وضحاها، تعلم الحبو أولاً، ثم انطلق يشق الطرق أسرع من البقية، جراء تدفق خبرة الآخرين في عرقه النابض.

يعرف أسلوب بييلسا بكونه مكثفاً على الصعيد البدني والتكتيكي، يوضع المنهج المعقد بناء على هيكل الخصم، يدرس أبسط التفاصيل، ثم يتعمق الفريق بالتدرب والتعلم على كسر تلك الأنماط. يعتمد الدفاع على الضغط، يستند الهجوم على اللعب العمودي، أسلوب مغلف باللعب التموضعي عند حيازة الكرة.

شبّه المدرب الهولندي يان فان وينكل، الذي عمل معه في مرسيليا، تجربة مشاهدة فرقه بالاستماع إلى السيمفونية التاسعة لبيتهوفن.

ولكن من أشعل وألهب حماس بييلسا؟

في حديثه عن فلسفته استخدام أربعة مصطلحات: "التركيز، الحركة، التتابع، الارتجال. أو كما شرح الأخير جوناثان ويلسون "البصيرة" التي يقرأ بها الملعب قبل تنفيذ الخطوة الأولى.

في أمريكا الجنوبية، منذ تم تصدير اللعب برباعي في الخط الخلفي انطلاقة من البرازيل في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات؛ جفَّ إنتاج القارة منذ ذلك الحين، حتى أتى بييلسا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كشجرة لها جذور ممتدة داخل الهوية الأرجنتينية.

من حي البراغماتية خرج كارلوس بيلاردو، الفائز بكأس العالم 1986 كمدرب للأرجنتين، تأثر بفيكتوريو سبينيتو، وبعد ذلك أوسفالدو زوبيلديا، الذي تشرب أفكاره خلال فترته كلاعب ضمن فريق إستوديانتيس، بطل كأس ليبرتادوريس لثلاث مرات متتالية. كان بيلاردو ذكياً تكتيكياً، ولكنه لاعب مخيف على الصعيد الجسدي.

بيلاردو مع مارادونا

أراد زوبيلديا الفوز بأي ثمن، وبخطب الوعظ التي تحثّ على الجهد الدؤوب، والإعداد الدقيق، وإذا لزم الأمر السخرية، أو حتى العنف. كان بيلاردو هو تلميذه الأكثر نجاحاً وإصراراً وتعلماً. ضع هذا جنباً إلى جنب مع العمل الشاق والتضحية بالنفس للفريق، مع مفاتيح النجاح: الإعداد وتحليل الخصم. وأدى ذلك لاستخدام سياسة النقش المتكرر؛ حيث يستمر الفريق في التدرب على مواقف معينة حتى شمولهم جميع المواقف التكتيكية. كان نهجه الذي شوهد على سبيل المثال مع منتخب الأرجنتين في كأس العالم 1986 يتعلق بالتوازن والواقعية.

هناك، تم إطلاق العنان للمواهب الهجومية، مارادونا، وخورخي فالدانو، وخورخي بوروتشاجا، فقط لأن اللاعبين السبعة الباقين مكلفون بالدفاع، وأجادوا المهمة. فريق من وحدتين، مغلف على شكل 2-5-3. ببساطة كان لهذا النهج التدريبي الذي يتطلب جهداً، وحفر سيناريوهات محددة مراراً وتكراراً، وبحث دقيق للخصم- تأثير كبير على بييلسا.

قال بييلسا: "لقد أمضيت 16 عاماً من حياتي في كرة القدم، استمعت في ثمانية منها إلى مينوتي، مدرب يعطي الأولوية للإلهام، وثمان أخرى إلى بيلاردو، مدرب يعطي الأولوية للمهام. حاولت جمع الأفضل منهما".

لنفهم بيلاردو كما شرح أفكاره: "عليك أن تفكر في أن تكون الأول، لأن الثاني ليس جيداً، أن تكون الثاني فشل. بالنسبة لي من الجيد فقط أنه عند الخسارة تشعر بالسوء؛ إذا أردت يمكنك التعبير بالبكاء، وإبعاد نفسك، والشعور بالسوء".

على النقيض، جلس سيزار لويس مينوتي، المدرب الغامض كما يصفه البعض بسبب قلة حديثه بقصة شعره الوفية لموضة السبعينات، بدّل الصلع رأسه، لكن لم يتوغل بالدماغ ما يعبث بأفكاره، ببدلته الأنيقة، والسجائر صديقة أصابعه الوفية حقق النحيل مونديال 78 دون اللجوء للعدوانية، والسخرية، ناهيك عن تزمت بيلاردو الدفاعي والتركيز على التكتيكات بشكل مفرط.

سيزار مينوتي

أحب مينوتي الكرة الهجومية، جعل فريقه هوراكان بطل الدوري الأرجنتيني عام 1973 مليئاً بالاختراع والخداع والأفكار الهجومية. رغب في أن تصبح فِرَقه ذات بريق خاص، مبهر، وملهم. أصر على أن الفريق فكرة قبل كل شيء، والأكثر من الفكرة هو الالتزام، وأكثر من الاتزام هو قناعات واضحة يجب على المدرب أن ينقلها إلى لاعبيه للدفاع عن هذه الفكرة.

ورث بييلسا إحساس مينوتي بجمالية الكرة الهجومية. القناعة بأن الهدف الأساسي من كرة القدم هو الإمتاع والإبداع. تأثره بالمنتخب الهولندي عام 1974 ظهر مع المنتخب الأرجنتيني بالاعتماد على 3-3-4، تتطلب حركة الفريق من دون الكرة قدرة تكتيكية على قراءة الملعب، وفهماً بديهياً للمساحة ومواقف اللاعبين.

ذلك النظام هو الأول لبييلسا حين تحسس خطواته الأولى في عالم التدريب رفقة نيولز أولد بويز، ترك مينوتي التأثير الأكبر في نفس أيقونة المستقبل. وصف ويلسون توليف التأثيرين لبيلاردو ومينوتي في كتابه "الملائكة ذات الوجوه القذرة" بأنه "الطريق الثالث".

الكرة الشاملة فلسفة طوّرها رينوس ميشيلز، وتلميذه الأعظم يوهان كرويف. هوس بييلسا بالضغط نشأ مع أياكس والمنتخب الهولندي في أوائل السبعينات، تتبع الكرة بكثافة ضمن أي رقعة في الملعب، محاولة منه لجعل الملعب أضيق عند فقد الكرة، أوسع عند امتلاكها.

يرى بييلسا كرة القدم تستند على أربعة أساسيات، حددها أوسكار تاباريز: "الدفاع، الهجوم، التحول للحالة الدفاعية، التحول للحالة الهجومية". والصعوبة تكمن في خلق طريقة تجمع الأجزاء الأربعة بشكل سلس قدر الإمكان.

يشير جوناثان ويلسون في مقالة بعنوان "8 ضد 8″ إلى التعارض بين براغماتية المدرب الأروغوياني تاباريز، ومثالية بييلسا. لكن تقسيم اللعبة لسلسلة من التحولات ترك أثره على تفكير الـ"لوكو". طرح تباريز أسئلة أجاب عنها بييلسا بالحركة وتبادل أدوار اللاعبين داخل المنظومة.

جمع مارسيلو بييلسا أفكاره من مدرستين متعارضتين، حيث بنى جسراً يعبر بين الضفتين. من المدرسة الأرجنتينية اكتسب أفكاره عن أهمية الاستحواذ، والتمرير، والبنية الهجومية، وجمالية اللعبة، كإطار تبنى وجهة نظر مينوتي الأخلاقية. أخذ من بيلاردو آليات تحقيقها بالعمل والتفاني والتحضير الدقيق ودراسة الخصم بالتفصيل، والتدرب على الاستجابة للمواقف التكتيكية المختلفة. من رينوس ميشيلز وكرويف جاءت الحركية ومرونة المراكز.

أياً كانت تفضيلاتك في عالك كرة القدم من المؤكد أن بييلسا أحد أيقونات عالم التدريب التي ستبقى للأبد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أشرف
كاتب وقاص مصري
كاتب وقاص مصري مهتم بالثقافة العربية وعلم الاجتماع وتقاطعاتهما مع عالم الرياضة