لم يقلل المسؤولون السياسيون في البداية من خطورة فيروس كورونا وحسب، كما تقر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، بل حينما تحول الفيروس إلى جائحة، كان ذوو السياسة يواصلون بتصريحات لا تقل سوءاً.
ولا يتفوق أحد على الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يدير "أقوى" دولة في العالم من حسابه الشخصي على تويتر، الذي يتابعه 74 مليوناً. فهو حتى اليوم يواصل التغريد حول كورونا واصفاً إياه بـ"الفيروس الصيني"، رغم احتجاج سابق للخارجية الصينية على ذلك.
ثلاث تغريدات هذا اليوم يكرر فيها ذات الوصف ومنها "سأعقد مؤتمراً صحافياً اليوم لمناقشة أخبار مهمة جداً بشأن الفيروس الصيني". هذا الوصف تصاعد فجأة حين استيقظ ترامب على حقيقة أقرتها منظمة الصحة العالمية: الوباء لم يعد محصوراً في ووهان. لقد انتشر في العالم.
كان في أواخر فبراير/شباط الماضي يقلل من خطورة الفيروس، ويرى أن الإنفلونزا المعروفة أكثر خطورة. ولكن التصريحات التي يتفوه بها السياسيون لا تقتصر على الاستهتار بجائحة خطيرة، بل تكشف بعد استفحال الفيروس عن ضعف في الأداء، ونوازع أخرى تتقدمها العنصرية.
لا أحد يتدخل في خيارات الهندي الهندوسي حين يشرب بول البقر ويستحم بروثه توقياً من كورونا.
علمياً لم يثبت أثر ذلك على الفيروس، دون انتقاص حق الجميع في اللجوء إلى أساطيرهم لحماية أرواحهم.
لكن متطرفي الحزب القومي الهندوسي، حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي حين يقيمون حفل شرب البول لدرء الفيروس، يفضلون أن يقدموا رسالة عنصرية.
راجت صورة لحفلهم، بجوار ملصق يصوّر كورونا على أنه وحش غاضب، من نصف رجل ونصف وحش ينفث النار، ويلاحق الصينيين الذين يأكلون لحوم كل الحيوانات ويصيحون "أنقذونا من كورونا!".
ليت الحل الهندوسي يثبت علمياً. سيكون أرخص علاج في الأرض المليئة بالأبقار. لكن العنصرية على هامش البول هي التي تتوافر.
سمير جعجع
فهذا هو رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، لا يؤمن بالأساطير، حين يتعلق الأمر بالفلسطينيين.
وكونه دكتوراً درس الطب ولم يكمله، حصل من محازبيه على لقب "حكيم"، والحكمة تقضي وفقاً له فرض حصار على المخيمات الفلسطينية ومنع اللاجئين الفلسطينيين من مغادرتها، حتى لا ينتشر كورونا.
تحمس الكثيرون مع الاجتياح الكوروني، بأن أغنياء العالم وفقراءه، شماله وجنوبه، طبقاته داخل المجتمع، سيضعهم كورونا أمام مصير مشترك، يذكرهم بأنهم بشر، والبشر من تراب.
مناعة القطيع
لكن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أحدث خضة كبيرة بين المواطنين بخطاب قال فيه "استعدوا لفقدان أحبابكم"، معلناً ما يسمى "مناعة القطيع".
ثم جاء كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية باتريك فالانس، شارحاً المقصود بمناعة القطيع، قائلاً إنه كلما استفحل الوباء فسينتج عن ذلك مناعة وطنية أوسع لأجيال، رغم ما سيرافق ذلك من خسائر بشرية.
فإذا كان الفيروس صينياً كما يرديه ترامب، فإنه في نسخة بريطانيا، وبترجمة عربية بسيطة، تعني أننا سنظل نطعم الفيروس الشره ضحايا حتى يموت بالتخمة ويعتاد عليه من نجوا من البشر، فيصبح الفيروس في مقبل الأيام أليفاً لا يجد من الضحايا إلا أقل القليل.
المعجزة
أما في منطقتنا فتتوارد تساؤلات عن غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وخطاباته في المؤتمرات كثيرة العدد، الأمر الذي كان يوفر على الدوام مواد للبرامج الكوميدية، وللناشطين على مواقع التواصل.
البعض يرى غيابه فألاً حسناً، باعتبار أن الكابوس جديّ لا تنقصه إيفيهات. والبعض يرى أن إطلالاته قد تحمل تحليلات ليست منطقية، لكنها تكسر الضجر الذي يعاني منه البشر في الحجر الصحي، ولا بأس من إعادة الإعجاز العلمي الذي جاء على لسانه وتطبيقه على كورونا "الحكاية كانت كده، واحنا كنا كده، وبالرغم من كده عملنا كده".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.