مصيدة مالتوس
تتضافر جهود الجمعية العالمية للشيخوخة منذ سنة 2002 من أجل خدمة قضايا المسنين، وتسهر على التذكير بمستحقاتهم المادية والنفسية، وتدعو في هذا السياق إلى دعمهم للاستفادة من خبراتهم في مجال التنمية والعمل. لكن في مقابل ذلك تتبرَّمُ السياسات العالمية من تزايُد عدد المتقاعدين الذي يُشكلون عبئاً ثقيلاً على المنظومات العمومية وعلى صناديق الصرف، باعتبار أنهم يتقاضون أجورهم دون عمل فعلي يؤدونه. أما التمديد لهم في سن العمل فلا يمثل بدوره حلاً أمثل، لأنه سيكون على حساب النشيطين، وبمعنى آخر سيُفاقم البطالة ويخلق بالتالي مشكلة كبيرة لدى العاطلين عن العمل الذين ينتظرون دورهم في طوابير سوق العمل. وهم في واقع الأمر يُثقلون كاهل الدولة والعائلات الساهرة على رعايتهم على حد سواء. كما لا ننسى في هذا السياق أن بعض العاطلين عن العمل، لا سيما في البلدان النامية، لا تتوفر لهم فرصة عمل إلا عند بلوغهم مرحلة الكهولة.
يتساءل المختصون في علم الاقتصاد في مورغان ستانليك، وهي أكبر مؤسسة خدمات مالية واستثمارية متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم: "هل يمكن تفادي المشكلات التي تطرحها القوى العالمية العاملة في سن الشيخوخة عن طريق زيادة الإنتاجية؟"
يُرجح أغلب المفكرين أننا لن نجد لهذه المعضلات مخرجاً، حيث تشكو عدة بلدان مثل إيطاليا من معدلات نمو إنتاج ضعيفة، وفي تراجع، ويقترحون بدائل أخرى لتطوير الإنتاج، مثل التشجيع على تطوير الميكنة "Mechanization" وتوظيفها بكثافة في قطاع الخدمات.
تخلق فوبيا "التهرم الديمغرافي" إذن هاجساً ملحاً عند العديد من خبراء الاقتصاد، الذين يعتبرون أنفسهم معنيين بإيجاد حل لما يعتبرونه خطراً محدقاً بمصير المصالح المالية.
فهل تتعرض البشرية اليوم إلى تصفية طبيعية أم مقصودة لسكان العالم، وخاصة للمسنين؟ ربما يقف الناس اليوم على أعتاب "مصيدة مالتوس". يُطلَق هذا اللفظ على النظرية المسماة "بكارثة مالتوس"، أو "تصحيح مالتوس"، أو "أزمة مالتوس"، نسبة إلى عالم الاقتصاد الإنجليزي توماس روبرت مالتوس. يشرح هذا العالِم في كتابه "مبادئ الاقتصاد السياسي" مدى اختلال نمط العيش الإنساني في ظل تفاوت كبير بين معدلات الإنتاج وعدد السكان، وهو ما يؤدي حتماً إلى الفقر المدقع، ويخلق المظالم الاجتماعية.
يحصل التوازن في تقدير مالتوس في إثر تفشي الأوبئة أو المجاعات أو ظهور الكوارث الطبيعية التي تؤدي إلى الإنقاص من زخم البشر وعودة النظام الطبيعي للأشياء.
يقول مالتوس في مؤلفه (بحث في مبدأ السكان): "إنَّ الرجل الذي ليس له من يُعيله ولا يستطيع أن يجد عملاً في المجتمع سوف يجد أن ليس له نصيب من الغذاء على أرضه، وبالتالي فهو عضو زائد في وليمة الطبيعة، حيث لا صحن له بين الصحون. وعليه فإنَّ الطبيعة تأمره بمغادرة الزمن".
لكن هل يمكن أن توظف وجهة نظر مالتوس اليوم في شكل فيروس طبيعي؟ أم أن الطبيعة تضيق ذرعاً بمنتجات البشر على أرض تفوق فيها الكثافة السكانية حجم طاقات البيئة والموارد المتاحة؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.