بدأ بالنمسا، وتطور في المجر، وانفجر بالأرجنتين.. ما قصة المهاجم الوهمي؟

عدد القراءات
4,339
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/17 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/19 الساعة 08:36 بتوقيت غرينتش
بدأ في النمسا، وتطور في المجر، وانفجر في الأرجنتين.. ما قصة المهاجم الوهمي؟

كتبت القصة فصولها الأولى قبل ما يقارب قرناً من الزمن، سطرت باسم ماتياس سينديلار، النمساوي الذي عرف بكونه أول مَن أدى رقصة المهاجم الوهمي. آنذاك، لم تكن التسميات التكتيكية قد خلقت بعد، ومع ذلك فإن مرور الأيام لم يحرم ماتياس من براءة اختراع دور المهاجم الوهمي، والذي يخطئ بعض محللي واختصاصيي كرة القدم بتسميته مركزاً.

تطور المهاجم الوهمي عبر التاريخ

تصدر ماتياس سينديلار المشهد الأول، لكن التطور ظل مستمراً حتى ظهور أعجوبة منتخب المجر الذي أثبت فاعلية المهاجم الوهمي مطلع الخمسينيات، خلال تلك الفترة مثل هيديكوتي هذا الدور أحسن تمثيل، فكان مُسانداً لبوشكاش وكوتشيش في صناعة الأسلوب المجري الهجومي الكاسح، سواء كصائد جوائزٍ، أو مساعد في صناعة الأهداف للجناحين المتقدمين إلى العمق.

المجري بوشكاش

هل توقف التطور عند هذا الحد؟ لا

سنة بعد سنة ذاع صيت المهاجم تكتيكياً، حتى بلغ دروب روما، و هذه المرة تحت فائق البراعة فرانشيسكو توتي، أحد أفضل من أبدع في أحجية المهاجم الوهمي. تحت إمرة المدرب لوتشيانو سباليتي، كان توتي طعماً لخطوط الدفاع، مستغلاً المهارة العالية في الاستلام وظهره إلى المرمى، إضافةً إلى دقة التمرير والقدرة على المراوغة في المساحات الضيقة التي يتمتع بها، مشكلاً كابوساً حقيقياً للخصوم في دور المهاجم الوهمي.

بعد توتي ظن المتابعون أن هذه الأدوار ستتوقف عن الظهور، بعد تطور الأساليب التكتيكية في إيقاف الخصم وتضييق المساحات خاصة في الــZone14، لم يكن أحد يتوقع أن جيل برشلونة سنة 2008 بقيادة بيب سيصنع معجزة في تأدية دور المهاجم الوهمي على أنغام رقصة التانغو. المدعو لليونيل ميسي إبان عن قدرةٍ عالية في لعب دور الخدعة بخفة ورشاقة لامتناهية، كاتباً فصلاً جديداً في رواية المهاجم الوهمي.

مهارات المهاجم الوهمي

المدعوون بالمهاجم الوهمي قلائل. ومع تقدُّم الأيام وتطور الأساليب التكتيكية، أصبح من الصعب اللعب بالمهاجم الوهمي أكثر من السابق. على من يؤدي دور الـFalse 9 أن يمتلك تناسقاً مع حركة الفريق، أن يملك الرؤية والمهارة  والسيطرة على الكرة التي تخوّل له خلق الحلول في المساحات الضيقة.

كل هذه الأشياء إضافة إلى دقة التمرير ومهارة المراوغة والدفاع عن الكرة، قوة التسديد و الهروب من الرقابة، خلال هذه الوضعية المختلطة على المهاجم الوهمي أن يتخذ القرار الصحيح وسط مجموعة من الخيارات المحدودة. وتبنى هذه الأخيرة حسب مجموعةٍ من الأولويات، كالمسافة عن المرمى، وضعية الرقابة المفروضة من الخصم، انتشار الفريق، والأهم من ذلك هي وضعية الجسد وسرعة التوجه نحو المرمى.

فيديو يستعرض تاريخ المهاجم الوهمي

يطلق عليهم البعض تسمية الــMultiFunctional أو باختصار الــMF وتعني تعدد المهام، أي أن المهاجم الوهمي مجبر على ضبط إيقاع الخصم، والركض في المساحات وبين الخطوط، وأن يربط بين لاعبي فريقه، سواء في المثلثات أو المربعات، أو الثنائيات على الأطراف وفي العمق، كما يملك إمكانية تكتيكية نادرة وهي خلق المساحة للمحور الوهمي. في هذه الحالة يتراجع الـFalse 9 قليلاً إلى الوراء ويتقدم لاعب المحور لاستغلال المساحة، كمثالٍ يتخذ لهذه الوضعية، هي تبادل الأماكن بين ميسي وتشافي.

المهاجم الوهمي وتحركات الفريق

في الأعلى ذكرت الوضعيات الفردية للمهاجم الوهمي، أما الآن فهنالك مجموعة من الوضعيات الجماعية لهذا الدور، وهناك وضعيتان سريعتان، حال امتلاك الفريق للكرة، وحال عدم امتلاك الفريق للكرة.

الأولى: عندما يمتلك الفريق الكرة فإن هنالك وضعيتين إما أن يهاجم الـFalse 9 المساحة الشاغرة وأنصافها (المساحة بين قلب الدفاع والظهير)، أو أن يفرغ المساحة دون كرة، لأن مبادئ دفاع الخصم ستختلف دون وجود رأس حربة حقيقي. وجود لاعب الصندوق يفرض على الدفاع أن يتعاون، أحدهما يراقب والثاني يغطي، أما في حالة وجود مهاجم وهمي تتضارب الأولويات الدفاعية، ما يؤدي بقلبي الدفاع إلى الانخداع بحركة المهاجم الوهمي، الذي يسقط تارة ويتقدم للأمام تارةً، أما في حالات أخرى فيتحرك عرضياً.

الثانية: أثناء ركض الفريق لافتكاك الكرة يمثل المهاجم الوهمي دوراً أكثر أهمية في عمليات الضغط العكسي، فيكون هو المتحكم في نسق الضغط، والمساند الأول للأجنحة أثناء تضييق المساحة على الأطراف، أي خطأ من المهاجم الوهمي يقتل العملية كلها، أيضاً هو المتمكن الأول من تحديد اتجاه الضغط، وغلق مسار الكرة من العمق، كل هذه الشروحات تحلل سبب تسمية هؤلاء تكتيكياً بالـMF.

باختصار..

يخطئ كثيرون في تحديد مَن هو المهاجم الوهمي، بينما لا ينجح كثيرون في تأدية مهام الـFalse 9 بإتقان، ما يقودنا إلى معرفة صعوبة اللعب كنصف صانع لعب ونصف مهاجم، أعتقد أن الموهبة الفطرية والمنظومة والذكاء التكتيكي الحاد هو الصانع الأول للمهاجم الوهمي، قصد استغلاله كخدعة إلى أقصى حد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زيد شقيري
كاتب رياضي يسعى إلى الركض خلف المعرفة كل يوم.
كاتب رياضي يسعى إلى الركض خلف المعرفة كل يوم.
تحميل المزيد