اتهموه وقت البشير بالإلحاد والرذيلة واليوم بالعمالة لإسرائيل واغتيال حميدتي.. لماذا تهاجم كل الأنظمة الحزب الشيوعي السوداني؟

عدد القراءات
7,227
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/17 الساعة 15:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/17 الساعة 15:22 بتوقيت غرينتش

أَصدقكم القول.. حتى وقتٍ قريبٍ لم أكن أتوقع أن يأتي يوم أجد فيه نفسي أدافع عن الحزب الشيوعي السوداني. ذلك أن الآلة الإعلامية الضخمة التابعة لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير عملت على تشويه صورة الحزب طيلة الـ3 عقود الماضية، هذا إلى جانب بعض التصرفات الفردية والتصريحات غير الموفقة لعدد من قادة الشيوعي الذين أعتقد أنهم ساعدوا النظام البائد في تنفير عامة الشعب من حزبهم.

ولكن ما دفعني ودفع الكثير إلى تغيير رأيهم في الحزب الشيوعي، أولاً: الاحتكاك المباشر بعدد من كوادر الحزب، فقد وجدتهم بحق نموذجاً يحتذى به في الخلق والأمانة والاستقامة، بعكس الصورة الشائهة التي كرّس لها نظام المخلوع وحزبه الحاكم سابقاً المحسوب على الإخوان المسلمين، الذين كانوا يروجون إلى أن الشيوعي عنوان للإلحاد والمجون والرذيلة، فكان مجرد أن تسمع كلمة "شيوعي" يتبادر إلى ذهنك الانحلال والبعد عن الدين وكريم الأخلاق!

أما التغيير الجذري الذي حدث لنظرتي إلى الحزب الشيوعي فهو موقفه الثابت من ثورة ديسمبر/كانون الأول العظيمة، إذ جنحت معظم الأحزاب والكيانات السياسية السودانية إلى ما أُطلق عليه اسم "الهبوط الناعم"، والتعبير يقصد به السودانيون القبول بالشراكة وتقديم التنازلات لعسكر النظام البائد الموجودين حالياً في المجلس السيادي بموجب اتفاق الشراكة الدستوري الذي تم توقيعه في أغسطس/آب الماضي، وقبِل به الثوار على مضض للتنازلات الجوهرية التي قدّمتها قوى الحرية والتغيير للجنة نظام البشير الأمنية، والتنازلات يُعتقد أن دولتي الإمارات والسعودية تقفان وراءها، إذ إن عدداً من قيادات ائتلاف الحرية قاموا بزياراتٍ مشبوهةٍ إلى أبوظبي على فترات، كما عقد سفيرا السعودية والإمارات بالسودان لقاءاتٍ في الخرطوم مع قادة أحزاب مشاركة في ائتلاف قوى التغيير مثل الصادق المهدي الذي زاره السفيران في بيته. 

كانت نتيجة هذه اللقاءات والزيارات المشبوهة شروع حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني إلى جانب قيادات الجبهة الثورية، في مغازلة عضو المجلس السيادي الأكثر نفوذاً محمد حمدان دقلو "حميدتي"، والإشادة به رغم علمهم بالكراهية التي يكنها له الثوار، بالمقابل كان الحزب الشيوعي الوحيد الذي لم يطلق ولا تصريحاً إيجابياً في حق عضو السيادي الذي منح نفسه صفة "نائب الرئيس" إرضاءً لغروره إذ لم تنص الوثيقة الدستورية على أي منصب كهذا.

سنعود مرة أخرى إلى المواقف المشرفة للحزب الشيوعي، لكن نشير هنا إلى أنه هذه الأيام يدفع ثمن مواقفه البطولية في زمن "الهبوط الناعم"، فقد كشفت اللجنة المركزية للحزب، أن "مجموعة من الشباب تعرّضت إلى عملية اعتقال من قوى بملابس مدنية قادتهم إلى مقر يشتبه أن يكون تابعاً للأمن، جرى تعذيبهم نفسياً، ومُورست عليهم ضغوط للاعتراف باستلامهم مبالغ مالية من الحزب الشيوعي وفُرض على بعضهم التقاط صور مع أسلحة ومتفجرات".

اللجنة المركزية اعتبرت أن ما جرى انتهاج لذات سياسات نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، بتلفيق التهم واعتقال الشرفاء والضغط عليهم نفسياً وجسدياً للإدلاء باعترافات كاذبة لتجريم قوى سياسية ومشاركة تلك القوى في عمليات تخريب وإرهاب.

بطبيعة الحال، من السذاجة تصديق هذه الفبركة الرخيصة التي كما أوضح بيان الشيوعي تذكرنا بأيام جهاز أمن المخلوع الذي لفّق التهم لطلاب بسطاء من إقليم دارفور اتهمهم بالتدريب في إسرائيل والعودة إلى السودان لتنفيذ اغتيالات وسط الثوار، وقد أُجبروا على الإدلاء باعترافات بعد تعذيبهم في مقرّات الأمن.

وتزامنت اعتقالات كوادر الشيوعي وتسجيل الاعترافات لهم تحت الضغط، مع محاولة اغتيال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك مما يوحي بأن الأجهزة الأمنية تحضّر لاتهام الحزب بالتورط في المحاولة.

ولكن الشيوعي ظلّ طيلة الـ30 عاماً الماضية العدو الأوّل لحزب البشير، فأي معارض للنظام كان يوصم بأنه "شيوعي" ورغم المطاردات والتنكيل الذي تعرضت له كوادر الحزب، لم يفكر على الإطلاق في الانتقام بعمليات تخريبية أو إرهابية، فالسؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسنا: ما الذي يدفع الشيوعيين لارتكاب جريمة مثل محاولة اغتيال رئيس الوزراء حمدوك في هذا التوقيت؟

لا شك في سطحية وكذب الاتهامات الموجهة للشيوعي، لكن إذا أردنا أن نحلل من يقف وراء تلفيق التهم للحزب الشيوعي يبرز لنا طرفان أساسيان هما الأكثر استفادة من شيطنة الشيوعي:

1/ المكون العسكري الموجود في مجلس السيادة، وعلى رأسه البرهان وحميدتي: فالشيوعي بمثابة العدو الأول لهما، حيث انخرطت معظم أطراف قوى الحرية والتغيير في عملية "الهبوط الناعم" مع العسكر عدا الحزب الشيوعي إلى جانب لجان المقاومة، وعناصر محددة في تجمع المهنيين السودانيين.

2/ قيادات النظام البائد، مخطئ مَن يعتقد بوجود مشكلة كبيرة بين عساكر السيادي والنظام البائد، فرموز المؤتمر الوطني المحلول توجه كل سهامها وأسلحتها إلى المكون المدني المتمثل في قوى إعلان الحرية والتغيير، وتتجاهل تماماً المكون العسكري بل إن بعض الأقلام الشهيرة المحسوبة على النظام البائد تدعو الشق العسكري إلى الانقلاب الكامل على قوى التغيير.

بالعودة إلى مواقف الحزب الشيوعي، نجد أنه لم يكتفِ بإبعاد نفسه عن حميدتي، بل لا يزال يصوب انتقاداته الصريحة له ولداعميه في الدول التي ترعى الثورات المضادة "السعودية والإمارات"، فعلى سبيل المثال هاجم محمد مختار الخطيب، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني في وقتٍ سابقٍ، وبصورةٍ لاذعةٍ موقف الإمارات والسعودية من الثورة السودانية قائلاً: "شعارات ديسمبر/كانون الأول أرعبت دولًا، لذلك اتجهت للتآمر على الانتفاضة، لأنها أرعبتهم بإمكانية انتقال عدوى الثورة السودانية إلى شعوبهم فيفقدون السيطرة عليها"، وتابع بقوله: "لذلك يحاولون أن يحركوا الانتفاضة من مسار التغيير الجذري للهبوط الناعم للنظام السابق. وهما أساساً حلفاء وأصدقاء للنظام البائد (عمر البشير)". 

الخطيب كشف كذلك عن "قيام الإمارات والسعودية بإجراء مجموعة من الاتصالات مع كيانات سياسية وقيادات بارزة في قوى المعارضة غير متحمسة للتغيير الجذري في السودان (لم يذكرها)، وسعوا لتغيير مسار الانتفاضة". ولفت إلى أنهم رصدوا "دعوات لولائم في بيوت رجال أعمال سودانيين وأعضاء من قوى إعلان الحرية والتغيير، وأعضاء مع المجلس العسكري – قبل حله – تتجاوز الشأن الاجتماعي إلى التسوية السياسية".

وخلال الأيام الماضية، كان الحزب الشيوعي قد ناهض وبشدة إسناد رئاسة الآلية المكلفة بمعالجة الأزمة الاقتصادية إلى حميدتي الذي لا يملك أي مؤهل أكاديمي. هذا بخلاف أنه ورفيقه "البرهان" متهمان اتهاماً لا شكّ فيه بالتورط في مجزرة فض الاعتصام، وقد أكدّ تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية صدر الأيام الماضية ما هو مؤكد عن تورط عساكر السيادي في المجزرة المروعة.

والضغوط التي مارسها الحزب الشيوعي ولجان المقاومة فضلاً عن رفض اللجنة التسييرية لأصحاب العمل، أفضت جميعها إلى تنحي حميدتي عن رئاسة الآلية الاقتصادية ليتولاها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بنفسه، الأمر الذي نال استحسان الجميع.

من حق أي سوداني أن يختلف أو يتفق مع الحزب الشيوعي، ولكن رسالتنا من هنا إلى أولئك المحسوبين على الثورة، سواء كانوا أفراداً أو جماعات.. نقول لهم: انظروا إلى الذين يهاجمون الحزب الشيوعي ومواقفه في وسائل الإعلام السودانية.. ستجدونهم نفس الأقلام المأجورة التي كانت تهاجمكم بقبيح الصفات أيام الثورة مثل الهندي عز الدين والطيب مصطفى، وهؤلاء ما زالوا يطبلون إلى اليوم لعساكر السيادي فعلى ماذا يدل هذا؟

مخطئ مَن يظن أن البرهان وحميدتي أعداء لرموز النظام المخلوع "الكيزان" كما نسميهم، بدليل أنه لم تتم محاكمة أي شخص منهم حتى اليوم، عدا التهم المثيرة للسخرية التي وُجهت للرئيس المخلوع، ولا ننسَ التصريح السابق للبشير أيام الثورة عندما رحّب باستلام الجيش للسلطة، قائلاً إنه لن يمانع في ذلك.

ومخطئ كذلك مَن يظن أن السعودية والإمارات كانتا أعداء لنظام المخلوع، فحتى اليوم لا يزال السودان مشاركاً في حرب اليمن مع الحلف السعودي الإماراتي بقرار من الرئيس المخلوع اتخذه منفرداً عام 2015. كما أن المخلوع ذاته حُكم عليه قبل 3 أشهر بالسجن لمدة عامين ومصادرة أمواله بالعملة الأجنبية، بعد إدانته بتهمة الفساد المالي والثراء الحرام، حيث اعترف بتلقِّي 25 مليون دولار من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أُرسلت إليه في طائرة خاصة.

إن الحزب الشيوعي بحاجة اليوم إلى دعم الشرفاء من الثوار ولجان المقاومة، فهو يتصدّى وحيداً وبقوة للجنة نظام البشير الأمنية متمثلة في عساكر السيادي ورعاتهم في أبوظبي والرياض، كما يخوض الشيوعي كذلك معركة أخرى مع قوى "الهبوط الناعم" التي لا تمانع من التنازل عن قيم الثورة ومكتسباتها وحقوق الشهداء من أجل مصالحها الضيّقة مع العسكريين.

أما الذين يعتقدون أن الحزب الشيوعي يلعب لعبة مزدوجة "الحكومة والمعارضة"، فنقول لهم: "انظروا إلى أعداء الشيوعيين تجدونهم أعداء الثورة منذ انطلاقتها.. وما زالوا يطبلون للثورة المضادة والعساكر إلى اليوم".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد جامع
صحفي متخصص بالشأن الأفريقي
محمد مصطفى جامع، كاتب وصحفي سوداني، حاصل على بكالوريوس الإعلام من جامعة وادي النيل، أعمل حالياً على ماجستير في الإذاعات الرقمية، أجد نفسي في الكتابة عن دول شرق إفريقيا، ونُشرت لي عنها أكثر من 300 مقالة وتقرير في عدة صحف عربية، أعشق القهوة وأحب الحوار الهادئ المتعمق.
تحميل المزيد