يعتبرونه “مشروب الطاقة” الأكثر كرهاً في ألمانيا.. كيف حوّل ريد بول نادياً مغموراً إلى منافس لبايرن ميونيخ؟

عدد القراءات
3,747
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/14 الساعة 10:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/14 الساعة 10:29 بتوقيت غرينتش
يعتبرونه "مشروب الطاقة" الأكثر كرهاً في ألمانيا.. كيف حوّل ريد بول نادياً مغموراً إلى منافس لبايرن ميونيخ؟

حتى عام 2009، كان نادي "آر بي لايبزيغ" RB Leipzig  مجرد نادٍ من الدرجة الخامسة يُدعى SSV Markranstädt لم يسمع به سوى القليل في ولاية ساكسونيا Saxony الأصلية شرقي ألمانيا، وبالطبع لم يسمع به أي أحد خارج أوروبا.

ولكن الإنجاز الكبير بالتأهل لربع نهائي دوري الأبطال عن طريق الإطاحة بوصيف النسخة الماضية وإقصاء فريق يدربه (الرجل الاستثنائي) جوزيه مورينيو، جذب الأضواء بشدة لهذا الفريق الذي يسير بسرعة الصاروخ في الدوري الألماني وأصبح مهدد مباشر لعمالقة الدوري ومرشح لنيل بطولة البوندسليغا هذا الموسم (2019-2020) بجلوسه في المركز الثالث بفارق 5 نقاط فقط عن المتصدر مع تبقي 9 جولات على نهاية الموسم.

SSV Markranstädt

الاستثمار من أجل المنافسة 

حاولت شركة مشروب الطاقة الشهيرة (ريد بول) Red Bull لسنوات إنشاء فريق كرة قدم ينافس على الألقاب في أوروبا، وبالرغم من امتلاكهم فريق ريد بول سالزبورغ النمساوي إلا أن المنافسة الضعيفة في الدوري النمساوي وعدم جاذبيته للنجوم، جعل مسؤولي الشركة يفكرون في امتلاك فريق آخر في دوري محلي أوروبي ذي سمعة كبيرة.

وبالتالي وقع اختيارها على الدوري الألماني ولكنها لم تنظر لأندية مثل بايرن ميونيخ أو بروسيا دورتموند أو حتى نادي فيردر بريمن العريق الذي ينجو من الهبوط كل موسم بمعجزة وهو الذي كان قبل مواسم قليلة ينافس بقوة على اللقب المحلي ورقماً صعباً في البطولات الأوروبية.

روح المغامرة + استراتيجية محكمة 

بدأت روح المغامرة والاستثمار، كما هي عادتها، من الصفر بأخذ فريق يلعب في دوري الدرجة الخامسة ووضعوا استراتيجيتهم لتشكيل فريق قوي عاماً بعد عام، ولم يتسرّعوا في ذلك بل اهتموا ببناء قاعدة قوية من خلال التركيز على الاستثمار في بناء أكاديمية متطورة ومراكز تدريب حديثة، ووضع استراتيجية طويلة المدى تعطي الأولوية لتطوير نمط معين من كرة القدم على جميع المستويات العمرية، واختيار المدربين الشباب الواعدين، وإنشاء سلسلة من كشافي المواهب وتوظيف مواهب قليلة معروفة يتحولون تدريجياً إلى نجوم في النادي.

وبالرغم من هجوم الكثيرين على الفريق فإن النادي أصبح رقماً صعباً في الدوري ولا يقتل المنافسة مثل ما يفعل نادي باريس سان جيرمان في الدوري الفرنسي، بل على العكس من ذلك جعل فريق لايبزيغ الدوري الألماني أكثر قدرة على المنافسة، وشكّل تهديداً مباشراً للعريق بايرن ميونيخ القوي، الذي لديه قوة مالية رهيبة وتكتيكات استقطاب للنجوم تعتبر عدوانية للغاية باعتراف مسؤولي الدوري الألماني أنفسهم والذي من شأنه أن تحولهم إلى أبطال أبديين.

ولكن هذه الاحتمالات أصبحت أقل بصعود فرق مثل لايبزيغ، بالإضافة إلى ذلك، فإن الفريق يأتي من منطقة ألمانيا الشرقية التي لم يُشاهد لها فريق يُنافس بشكل جدي على اللقب بل حتى أندية تلعب في الدوري الألماني الأول منذ فترة طويلة باستثناء نادي (اتحاد برلين) الصاعد حديثاً.

كتيبة شابة تُهدد الجميع

إن تشكيل فريق شاب يضم لاعبين موهوبين وإدارة قوية ومدرباً يعرف كيفية تشكيل فريق من اللاعبين الجياع والموهوبين والشباب الماهرين للغاية، هو مزيج مثالي لتكون قادراً على التنافس مع فرق مثل بروسيا دورتموند وبايرن ميونيخ في الدوري الألماني، وبالنظر إلى التشكيلة الحالية لفريق لايبزيغ نجد أن المشروع الذي يسير عليه النادي وُضع ليبقى وليست ظاهرة تختفي في القريب العاجل.

 فقد طُور اللاعبين من الصفر ليصبحوا نجوماً لامعين مراقبين من كِبار الأندية المحلية والأوروبية، مثل اللاعب نابي كيتا لاعب ليفربول الحالي الذي انتقل بسعر مرتفع عندما أصبح من المستحيل التمسك به أكثر. ولكن هنالك الكثير من اللاعبين الشبان الذين يمكنهم أن يصبحوا رموزاً للنادي أو يمكنهم اللعب للنادي لفترة طويلة مثل المهاجم الدنماركي يوسف بولسن الذي أتى للفريق في عام 2013 عن عمر يناهز 19 عاماً عندما كان لايبزيغ لا يزال في الدرجة الثالثة.

المدرب يوليان ناغلسمان

والظهير الأيمن لوكاس كلوسترمان القادم من فريق بوخوم في عام 2014، بعمر 18 عاماً فقط، ولاعب خط الوسط النمساوي مارسيل سابيتسر الذي قدم في عام 2014، وهو يبلغ من العمر 20 عاماً، جميعهم لاعبون رئيسيون في النادي، ويقودهم أفضل مدرب شاب في ألمانيا والعالم وهو المدرب يوليان ناغلسمان الذي أُحضر في الصيف الماضي من نادي هوفنهايم لجعل الفريق أفضل، وقد ساعدت أفكاره في تحويل لايبزيغ إلى منافسين جديين على اللقب، وتأهل تاريخي في دوري أبطال أوروبا. في قصة نجاح مازالت مستمرة، ولكن:

لماذا أصبح النادي الأكثر كُرهاً في الدوري الألماني؟ 

بعكس الدوريات الأوروبية الأخرى، كرة القدم الألمانية تتميز بظاهرة فريدة من نوعها، حيث يدافع مشجعو الدوري الألماني عن تاريخ وتقاليد أنديتهم، وبالنسبة لهم، يجب ألا تُلعب كرة القدم من أجل الجماهير فقط، بل يجب أن تكون تابعة للجماهير، وهذا هو السبب في وجود قانون 50+1 والذي يتيح للجماهير أو الأعضاء بشكل أكثر تحديداً امتلاك أغلبية الأسهم في كل ناد، والذي يتيح للجماهير التحكم في كل شيء من أسعار التذاكر إلى قرار بناء ملعب جديد.

حركات الاحتجاج والمقاطعة من قبل المشجعين في الدوري الألماني لكرة القدم

وبالتالي يشكو العديد من مشجعي كرة القدم الألمان، خاصة مشجعي أندية بروسيا دورتموند وبايرن ميونيخ وهوفنهايم من مثل هؤلاء المستثمرين وينظرون إليهم بنوع من الريبة والشك والخوف في آن واحد، وفي حالة شركة ريد بول وفريق لايبزيغ نجد أن العديد من المشجعين يروا أن الشركة لا تلعب وفقاً للقواعد، فالصعود الخارق من دوري الدرجة الخامسة إلى دوري الدرجة الأولى (البوندسليغا) والمنافسة على اللقب والتأهل التاريخي للدور ربع النهائي في دوري أبطال أوروبا في سبع سنوات فقط، جعل الكثيرين ينظرون إلى الفريق على أنه عبارة عن (منتج) للشركة، وبالتالي يمكن أن يضر بقيم كرة القدم الألمانية العريقة.

ونتيجة لذلك، واجه النادي العديد من حركات الاحتجاج والمقاطعة من قبل المشجعين في الدوري الألماني لكرة القدم، ففي موسم 2014-2015 وفي مباراة أمام يونيون برلين شُوهد المشجعون يرتدون عباءات بلاستيكية سوداء مع حالة صمت لمدة 15 دقيقة بعد انطلاق المباراة.

وفي الجولة الأولى من كأس ألمانيا لموسم 2015-2016 ألقى أنصار فريق دينامو دريسدن رأس ثور مقطوع على جانب الملعب، وفي المباراة الافتتاحية في الموسم نفسه رفع مشجعو نادي هوفنهايم لافتات ساخرة تقول: (نريد عرشنا: النادي الأكثر كرهاً في ألمانيا)، كما رفض نادي بروسيا دورتموند منح ترخيص لاستخدام شعارهم وشعار نادي لايبزيغ على وشاح الصداقة المشترك.

ماذا عن المستقبل؟

مع شركة مثل ريد بول وخبرتها الكبيرة في الاستثمار بكرة القدم طويل الأمد، وقاعدة جماهيرية قوية تُمثل ألمانيا الشرقية كلها تقريباً، وبنية تحتية مذهلة مثل أكاديميات الشباب التي تتبع للشركة في جميع أنحاء العالم، وملعب كبير وآخر جديد قيد التخطيط ومدينة كبيرة مقارنة بهوفنهايم، سيصبح الفريق تحت الأضواء بشكل دائم ويستحق المشاهدة والتشجيع في السنوات القادمة.

فمن السهل شراء فريق كرة قدم عريق وجاهز والبناء عليه، ولكن من شبه المستحيل بناء فريق من تحت الصفر والصعود به للمنافسة على اللقب المحلي الأهم وتأهل تاريخي في أعرق البطولات الأوروبية في هذه الفترة الزمنية القياسية، وهذه هي نقطة قوة فريق لايبزيغ، ومصدر فخر لمستثمريه ومشجعيه ومتابعيه داخل ألمانيا وخارجها.

مدثر النور أحمد سوداني كاتب (تقني/رياضي)، مهتم بمجال أمن المعلومات والخصوصية على الإنترنت، ومهتم كذلك بالكتابة عن جديد التقنية. دي حُب وعِشق مختلفان للرياضة وخاصة كرة القدم، وهي أيضاً من اهتماماتي المُحببة وأنثر حروفي حولها بصفة منتظمة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مدثر النور أحمد
كاتب سوادني
مدثر النور أحمد هو كاتب سوداني مهتم بالرياضة والتكنولوجيا والخصوصية على الإنترنت. لديه حُب وعِشق مختلفان للرياضة وخاصة كرة القدم.
تحميل المزيد