"الاتنين سيئين"، هذه هي الإجابة السريعة والسهلة والبسيطة والأكثر جلباً للترافيك والتريند وما شابه، على سؤال من أفضل برشلونة فالفيردي أم برشلونة سيتيين؟
وتبدو في نفس الوقت صحيحة لمن يشاهد المباريات دون تركيز، لكن عندما نحاول دراسة مباريات البارسا مؤخراً بهدوء، وعند مشاهدتها في الإعادة، بعيداً عن الشد والجذب والتوتر وحتى الساركازم والسخرية، فإننا على موعد مع إجابة أكثر عمقاً. إجابة تؤكد بأن البارسا الحالي مع كيكي سيتيين -رغم كل سلبياته وعيوبه- أفضل من برشلونة فالفيردي خلال نفس الموسم 2019-2020، من أغسطس/آب حتى يناير/كانون الثاني موعد إقالته.
لكن كيف ذلك؟
عند تولي سيتيين منصب المدير الفني لبرشلونة، كانت أبرز المخاوف؛ دفاعه السيئ، ولعبه السلبي الذي يندرج تحت بند قلة الفرص مقارنة بعدد التمريرات ونسبة الاستحواذ. أما أبرز مزاياه قبل أن يأتي فتمحورت حول البناء النظيف للهجمة من الخلف إلى الأمام، كذلك الضغط القوي في نصف ملعب الخصم.
المثير للاستغراب وحتى السخرية، أن برشلونة مؤخراً يعاني بشدة في "البيلد آب" والضغط العالي -نقاط قوة سيتيين التاريخية- بينما تحسن كثيراً على مستوى عدد الفرص التي يصنعها كذلك نجاحه في تقليل عدد الفرص التي تصل إلى مرماه.
أمر غريب، ومريب، لكن دعونا نحلله بإيجاز وتوضيح.
أمام ريال سوسيداد على سبيل المثال، وخلال الشوط الثاني لمباراة الكلاسيكو ضد الريال، عانى برشلونة بوضوح على مستوى بناء اللعب والضغط العالي، لعدة أسباب أهمهما:
– عدم وجود لاعب الوسط الثالث القادر على القيام بدور الرجل الحر أو الـ 3rd man. هذه نقطة رئيسية في استراتيجية لعب فرق كيكي، أن يتم تدوير الكرة بالخلف بحثاً عن انطلاق لاعب وسط سريع في المساحات الشاغرة، عن طريق تمريرة قصيرة من المهاجم إلى القادم من الخلف، فيما يعرف بالـ lay-off pass.
– دي يونغ غير قادر حتى الآن على القيام بهذا الدور، لأنه يفضل الاستلام من مناطق قريبة تجاه مرماه وليس العكس. أرثور قدم شوط أول رائعاً ضد الريال ووقع بدنياً في الثاني فلم يستطع القيام بالدور لمدة 90 دقيقة، أما راكيتيتش فلا فائدة منه أو ميزة.
– لذلك أمام سوسيداد لم يجد أبداً شتيغن خيار تمرير واضحاً بالعمق، لأن الكرة الطولية إما تقطع من غريزمان أو بريثويت، أو لا تجد لاعب وسط ثالثاً قادراً على القطع المفاجئ في الفراغات.
– سوء الحالة اللياقية لمعظم لاعبي الفريق، مما يجعل ضغطهم ضعيفاً للغاية. بوسكيتس على سبيل المثال ضد سوسيداد يصعد خطوات للأمام تجاه مرمى الخصم، ومع كرة طولية يتم ضربه ولا يعود بسهولة بسبب عامل البطء وحتى السن. دي يونغ نفسه مشتت للغاية بين مهام مركزه الجديد وطريقة لعبه القديمة، لذلك تجده تائهاً كلما صعد للأمام من أجل الضغط، مقارنة بتميزه في نصف ملعبه على مقربة من شتيغن.
– عدم وجود أجنحة متنوعة في الفريق، يجعل الجانب العرضي ضعيفاً للغاية، خاصة أن أحد مبادئ اللعب التموضعي يكمن في جمع أكبر عدد من اللاعبين في العمق، تمهيداً لضرب المنافس عند نقل الهجمة من جهة لأخرى، بحثاً عن الفراغ المتاح أسفل الأطراف.
الأرقام تصدق أحياناً
كل هذه الأمور تحتاج إلى التحسن العاجل داخل سيستم سيتيين، لكن ماذا عن الإيجابيات التي تجعله أفضل من موسم فالفيردي، رغم كل ما ذكرناه من سلبيات؟
برشلونة مؤخراً أصبح يصل إلى المرمى بشكل أكبر من بداية الموسم، صحيح أن ميسي لا يزال صاحب الكلمة الأولى في صناعة الفرص وتسجيل الأهداف، لكن الفريق يصل أيضاً لمرمى منافسيه، كلما صعد ألبا بذكاء إلى الأمام، أو حصل بريثويت على الفرصة كما الحال في آخر 3 مباريات، جنباً لجنب مع حالة أرثور المميزة عندما يكون جاهزاً بدنياً، ومساعدة بوسكيتس في التمرير البيني والقطري عندما يتواجد أكثر في نصف ملعب الخصم، مع وجود حماية من زملائه.
تخبرنا الأرقام عبر حساب Barçanatics أن عدد الأهداف المتوقعة لبرشلونة زاد مع سيتيين مقارنة بفالفيردي. عدد أو نسبة الأهداف المتوقعة XG تعتمد على عدد وحجم وشكل الفرص والتسديدات، قربها أو بعدها من المرمى، ومدى ترجمتها إلى أهداف وفق معدلات الفريق الطبيعية، لذلك فإنها تدل بشكل أو بآخر على مدى قوة الفريق في صناعة الفرص من عدمها.
نسبة الأهداف المتوقعة:
مع فالفيردي: 1.76 هدف بالمباراة
مع سيتيين: 2.36 هدف بالمباراة
الأهداف نفسها التي سجلت:
مع فالفيردي: 2.58 هدف بالمباراة
مع سيتيين: 1.63 هدف بالمباراة.
على ماذا تدل؟ تدل هذه الأرقام على أن فريق سيتيين يصل إلى المرمى أكثر، لكنه يسجل أقل، بينما فريق فالفيردي لم يصل كثيراً لكنه كلما وصل فإنه يسجل.
والسبب: جزء بسبب غياب لويس سواريز، الرجل الذي كان يحصد نقاطاً عديدة في الليغا. فورمة ميسي غير العظيمة مؤخراً لعدم جاهزيته البدنية، وتوهان غريزمان دون سابق إنذار منذ بداية عام 2020.
هذا على مستوى الهجوم، ماذا عن الدفاع؟
نسبة الأهداف المتوقعة في شباك برشلونة:
مع فالفيردي: 1.19 هدف بالمباراة
مع سيتيين: 0.99 هدف بالمباراة.
ما دخل مرمى برشلونة فعلياً:
مع فالفيردي: 1.21 هدف بالمباراة
مع سيتيين: هدف واحد فقط بالمباراة.
أي أن نسبة الفرص التي تصل مرمى شتيغن أصبحت أقل، وبالتالي عدد الأهداف في مرماه قلت عن السابق.
تحسن ملحوظ
وماذا عن صناعة الفرص هجومياً بعيداً عن عدد الأهداف ونسبتها؟
عدد الفرص في المباراة الواحدة لبرشلونة هذا الموسم؟
مع فالفيردي: 2.79 فرصة بالمباراة.
مع سيتيين: 4.13 فرصة بالمباراة.
حتى على مستوى الفرص المستقبلة تجاه مرمى شتيغن:
مع فالفيردي: استقبل برشلونة 1.42 فرصة بالمباراة.
مع سيتيين: استقبل الفريق 1.13 فرصة بالمباراة.
أي أن هناك تحسناً على مستوى صناعة الفرص، وتحسناً أيضاً على مستوى تقليل فرص الخصوم.
مباراة مثل ريال سوسيداد على سبيل المثال، كانت هناك مشاكل واضحة في البناء والضغط كما ذكرنا، لكن أيضاً عند إعادة اللقاء بهدوء، ستجد أن البارسا صنع فرصاً أكثر، كان الطرف الأكثر خطورة، ووفق عدد الفرص وحجمها وطبيعتها فإن النتيجة الطبيعية بناء على نسبة الأهداف المتوقعة كانت يجب أن تكون هدفين لبرشلونة مقابل نصف هدف لسوسيداد.
أحمد مختار هو صحافي رياضي، وكاتب مهتم بالتحليل والحديث عن كرة القدم وقصصها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.