كتاب عن الحرب الجاسوسية بين إسرائيل والعرب، مؤلفه يوري بار جوزيف ذُكر في الإنترنت أنه أستاذ للعلوم السياسية في جامعة حيفا. كما يأتي في سياق الكتاب أن للمؤلف كتاباً عن حرب أكتوبر. وقد صدرت طبعة الكتاب الأولى عام 2016. وطبعته العربية التي تقول إنها الأولى، وهي هذه الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون صدرت في عام 2017، ولم يُحدد فيها الشهر. ولعله صدر في هذا الوقت بالذات ليمكن استثمار الفجوة العاطفية بين العرب وجيوشهم بتأثير مواقف الجيوش العربية بعد الربيع العربي. وهو استثمار لصالح إسرائيل التي تستفيد من تعميق مشاعر خيبة الأمل عند العرب بإمكانياتهم وجيوشهم. فتجد في الكتاب رواية تبدو محكمة حول جاسوسية أشرف مروان الذي أنقذ إسرائيل. وتبدو الرواية مصممة لتنفي أن الرجل كان عميلاً مزدوجاً في الاستخبارات المصرية في رأي المؤلف أضعف من أن تلعب هذه اللعبة التي لا تجيدها إلا استخبارات ذات مهارة عالية كالمخابرات البريطانية، بينما جل ما تستطيعه الاستخبارات المصرية هو متابعة المعارضين السياسيين. ويستبعد أن تستخدم الاستخبارات المصرية صهر عبدالناصر في هذه العملية الخطيرة. ثم يقدم الكتاب تفصيلاً روائياً جذاباً عن حياة مروان وعلاقاته بإسرائيل وصعوده. المثير في سماء السياسة المصرية خلال أخطر تواريخها أي ما بين هزيمة 1967 ونصر 1973.
من هو أشرف مروان؟
مروان الذي ينحدر من أسرة متوسطة لأحد ضباط الجيش المصري درس الكيمياء وحصل على وظيفة عسكرية في مصانع الجيش شاب شديد الطموح متطلع للثروة والنجومية والحياة الصاخبة الأمر الذي لم يرق لعبدالناصر عندما تقدم مروان لابنته منى ولكن الابنة تستطيع أن تجبر أباها على قبول هذا الزواج، غريب (هل يعاب شاب بهذه الصفات في الطبقات الراقية؟) ولكنها ضرورة لتبدأ المسألة بعدم استلطاف من عبدالناصر لصهره. وأدى عدم الاستلطاف هذا لنقل مروان من معامل كيمياء الجيش ليعمل في مكتب الرئيس تحت إدارة سامي شرف الذي يدير المكتب الذي بجمع كل المعلومات ويحللها ويوصلها للرئيس، الصهر عرف أن الأمر لم يكن ترقية وإنما حصار من نوع ما فرتب للسفر في بعثة دراسية إلى لندن ورافقته زوجته، وسرعان ما تورط مروان في القمار وركبه الدين. فقام الشيخ عبدالله المبارك الصباح وزوجته الشاعرة سعاد الصباح بسداد ديونه. وحيث إن مروان كان تحت مراقبة سامي شرف فقد عرف عبدالناصر واستدعى مروان وأصر على طلاق ابنته (لماذا لم يكتف ناصر بعقوبة عودة مروان من البعثة؟) ولكن زوجة مروان رفضت الطلاق بل ورتبت أن يتابع مروان الدراسة في لندن دون سفر إلا للامتحان (هل يدرس أحد الكيمياء من منازلهم؟ أم أنه شكل لتبرير سفر مروان المتكرر إلى لندن للتواصل مع الموساد علماً بأنه لم يحصل على أي تأهيل) لم يلق مروان في مكتب عمه إلا التهميش مما شحنه بكراهية عبدالناصر. ويقول المؤلف أن ناصر -الذي لا يحب مروان والذي وضعه تحت الرقابة- استغل مهارات زوج ابنته الدبلوماسية ليصلح ما بين الفريق الشاذلي والفريق أحمد إسماعيل علي وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مروان يتلقي سراً إعداداً خاصاً لأمر قُصد ألا يظهر للناس. دواعي مروان لخيانة بلده كانت حسب المؤلف أولاً للانتقام من صهره، وحباً لأن يكون مع المنتصر فهذه هي العقدة النفسية لأمثاله ولحبه للمال. (لماذا لا تكون هذه هي الصورة الطعم التي رسمتها المخابرات المصرية لتقدم مروان لإسرائيل؟).
صعود مروان وعلاقته مع إسرائيل:
تواصل مروان مع السفارة الإسرائيلية في لندن مرتين بينهما خمسة أشهر، الأولى قبل وفاة ناصر والثانية بعدها ولم يجد الاهتمام الكافي إلا أن الصدفة لعبت دوراً في اطلاع بعض قياديي الموساد على الموضوع والتقطوا الأمر ورتبوا للاستجابة. قدم لهم مروان ملفاً فيه معلومات مهمة جداً جعلت الصهاينة شديدي الاهتمام. (كان هذا خلال فترة تهميشه فكيف حصل على الملف؟ أم إن المسألة كانت طعماً آخر من المخابرات المصرية). بالطبع يقدم المؤلف هنا سيرة تبجيلية لأفراد مجموعة الموساد والهدف الواضح هو الدعاية.. يرفض مروان أن يعمل إلا مع مرشد واحد هو دوبي الذي لم يكن الرجل المفضل ليكون مرشداً استخباراتياً لمروان عند الموساد. وحتى الآن وبعد تقاعد دوبي وانكشاف مروان فما زال دوبي مجهولاً؟ يمكن أن نلاحظ هنا أن الكاتب لم يقدم لنا رواية مقنعة لصعود مروان في عصر السادات فبين وفاة ناصر صهر مروان في سبتمبر/أيلول 1970، وثورة التصحيح المفروض أن مروان كان مهمشاً ولكن السادات قدمه إلى رجل أعمال بريطاني هو رولاند وهو أحد المهمين جداً الذين عمل مروان معهم بعد أن تفرغ للأعمال التجارية. كما يورد المؤلف روايات أخرى إحداها تقول إن مروان حمل استقالات القياديين المصريين الذين دبروا للانقلاب على السادات وذهب ليسلمها للسادات في بيته قبل إذاعتها بوقت قصير في التليفزيون وهذا تحصيل حاصل. وهناك رواية غير منطقية أخرى أن مروان قد استخلص بالسلاح خزنتين حديديتين كان عبدالناصر يحتفظ بهما في بيته وأرسل سامي شرف من يجلبها إلى مكتبه فاختطفها مروان وسلمها للسادات وفيهما خرائط بأسماء ومواقع قادة الاتحاد الاشتراكي، والرواية غير مقنعة. أما لماذا اختار مروان جانب السادات لا جانب مراكز القوى رغم ما بدا له من أن تدبير مراكز القوى كان على الأغلب سيطيح بالسادات. لا تفسير عند المؤلف إلا أن مروان كان يشعر بحب السادات للحياة المترفة فوجد أن ذلك سيمكنه من الاستفادة من مزايا وظيفته وضرب المؤلف مثلاً لذلك الميل الساداتي بأن مروان يعرف أن السادات قد زوج ابنته من ابن الثري عثمان أحمد عثمان علماً بأن عمر جيهان الصغيرة ابنة السادات تلك آنذاك كان عشر سنوات (فقد ذكرت جيهان الأم في حوارها مع أحمد منصور أن جيهان الصغيرة ولدت عام 1961 ولكن الزواج تم بعد ذلك بكثير). والأبعد عن الإقناع أن السادات اختار مروان كما قال الكتاب للتواصل مع العرب للاستفادة من حب العرب لناصر في شخص صهره. فمن المعلوم أن مروان كان المسئول عن ترتيب علاقة السادات مع ليبيا القذافي التي كانت تحب ناصر، بينما السعودية حيث كان مروان يشرف على علاقة مصر معها أيضاً فلم يكن لناصر حظوة عندهم. والتساؤل المنطقي هنا لماذا لا يكون السادات قد اختاره بناء على أن مروان كان يتم إعداده لدور استخباراتي؟ ودليلي على ذلك هو أن السادات قد اعتمد على مروان لإفساد هجمة خطط لها نظام القذافي ضد طائرة مدنية إسرائيلية رداً على إسقاط إسرائيل طائرة مدنية ليبية في سيناء كما يذكر الكتاب وهل كان لمروان أن يفسد هذه الخطة التي أدت لاعتقال أعضاء الجبهة الشعبية الفلسطينية المكلفين بتنفيذ الخطة إلا بالاعتماد على علاقات استخباراتية يعرفها السادات عن مروان. ويستدرك المؤلف هنا بأن السادات كان لا يعرف بأن مروان رتب الأمر بالتعاون مع الموساد وكان يظن أن مروان سيرتب الأمر بالتعاون مع الاستخبارات الإيطالية والأمر لا يختلف، فالسادات في كلتا الحالتين يعرف أن مروان له علاقات استخبارية.
دور مروان في حرب أكتوبر:
رواية الكاتب عن المعلومات التي أعطاها مروان لإسرائيل تفيد بأن إسرائيل قد اطلعت على كل تفاصيل بناء السلاح المصري وكل تعاملات مصر مع الاتحاد السوفييتي وقد وضعهم في صورة تفكير القادة السوفييت وكيف كانوا متباطئين في الاستجابة للطلبات المصرية ثم تحسنت استجابتهم فأعطوا مصر صواريخ سكود وصواريخ أرض أرض التي يحملها المشاة والموجهة للدبابات وصواريخ قادرة على ضرب عمق الأراضي التي يحكمها الصهاينة وطائرات الميغ. كما وأبلغهم بمحادثات السادات مع الزعماء العرب وتحالفه مع الرئيس السوري. وأفهم قادة إسرائيل أن السادات اتفق مع السوريين أن يتبع خطة لتحرير كل سيناء بينما اعتمد خطة لتحرير جزء فقط من سيناء وينتهي عند ممري متلا والجدي. حيث كان هدف السادات الحقيقي هو دخول المفاوضات في وضع قوي فقط. وبالطبع علمت إسرائيل من مروان عن دوره في الحصول على طائرات الميراج الفرنسية وتحويلها لمصر بما لها من قدرة على الطيران بعيداً لتعويض مصر عن نقص السلاح السوفيتي الذي كان يركز فقط في سلاح طيرانه على الطائرات المعترضة قصيرة المدى. أبلغهم بموعد الحرب الأول الذي تقرر في مايو/أيار 1973، ثم تأجل إلى أغسطس/آب ثم تأجل إلى موعد جديد ترجح أن يكون في نهاية العام. ونظراً لكثرة اعتماد السادات على مروان فإنه غاب عن اجتماعات السادات الأخيرة التي تقرر فيها موعد الحرب النهائي في 6 أكتوبر/تشرين الأول، بسبب مهمات كلفه بها، لكن مروان استدرك وأبلغ الإسرائيليين بنفسه أن الموعد النهائي للحرب سيكون في اليوم التالي وعلى الأغلب ساعة الغروب وكان هذا الموعد صحيحاً إلا أن الحرب حصلت قبل أربع ساعات من الغروب. وصلت هذه الأخبار إلى الإسرائيليين الذين تصرفوا بما يقتضيه الموقف رغم أنهم كانوا ما زالوا يستبعدون قدرة العرب على شن حرب كهذه. وكان الإسرائيليون بمتابعتهم ما يجري على الأرض يشهدون حشوداً مصرية وسورية وعرفوا أن عائلات المستشارين السوفييت قد تم ترحيلهم عائدين إلى بلدهم. بعض قادة إسرائيل كان مستبعداً الأمر رغم كل الدلائل وخاصة من هم في قيادة الاستخبارات العسكرية، وهذا السبب الذي يسوقه المؤلف لخسارة إسرائيل الفاضحة في الأيام الأولى للحرب. ويؤكد المؤلف هنا أن صدق معلومات مروان لا يدع دليلاً للشك في أنه كان جاسوساً مخلصاً لإسرائيل ولم يكن جاسوساً مزدوجاً. يريد الكاتب هنا أن يقول بأن إسرائيل لم تنخدع وإنما أخطأت في التعامل مع الموقف. وحتى لا يدحض الزعم بأن معلومات مروان لم تكن ذات فائدة فإنه يقول إن معلومات مروان في الحقيقة أنقذت إسرائيل فلولا حشد الاحتياط الذي تم قبل بداية الحرب بأربع ساعات بناء على المعلومات التي وردت من مروان لما أمكن التصدي للهجوم السوري. كان السوريون في طريقهم لاحتلال كل الجولان وأجبروا إيتان قائد الجيش الصهيوني في الجولان على إخلاء موقع قيادته ولولا استكمال حشد الاحتياطي الإسرائيلي لأطبق السوريون على أعناق المدن المهمة ولكن الهجوم المعاكس الذي قام به الصهاينة بعد حشد كل احتياطيهم على الجبهة السورية تمكن من إخراج الجيش السوري بعد أن خسر الصهاينة أكثر من 2500 جندي. وهكذا حسب المؤلف نجحت إسرائيل بفضل مروان. اللافت للنظر أن مروان في اجتماعه مع الإسرائيليين في 17 أكتوبر/تشرين الاول، أفادهم وهو آسف بسبب عدم أخذ إسرائيل على محمل الجد تحذيراته السابقة أن خسائر المصريين عند تطويرهم الهجوم وبعد الثغرة أقل من نصف تقديرات الإسرائيليين وأن الثغرة لم تقلل من إصرار السادات على مواصلة القتال حتى ولو امتد القتال إلى كل شارع في مصر. ألا يمكن هنا الاستنتاج أن مروان يحاول هز الروح المعنوية العالية التي استعادها الإسرائيليون بعد اختراقهم خطوط الجيش المصري ووصولهم غرب القناة واعتقادهم أنهم قد ضربوا الروح المعنوية للمصريين؟ وباستثناء هذه المعلومة فإن كل رواية الكتاب تحكم طوقها على الرجل بأنه كان عميلاً مخلصاً لإسرائيل وليس عميلاً مزدوجاً. وهنا يخطر بالذهن تساؤلات قد تبدو عبثية، فهل كان مروان في حقيقته عميلاً مزدوجاً شاء السادات من خلاله أن يوصل معلومات صحيحة لإسرائيل مقابل أن يستخدم السادات بيت مروان كمأوى آمن له خلال الحرب كما قالت أسرة مروان. وهل أن السادات شاء إرسال معلومات صحيحة لأنه متأكد أن هذه المعلومات لن تخفى على إسرائيل بوجود مصادر أخرى، إذ بحسب رواية الكتاب أعطى الملك حسين غولدا مائير في اجتماعهما السري في أواخر سبتمبر/أيلول 1973، نفس المعلومات التي نقلها مروان وكان الملك قد تلقاها من عميل للأردن يعمل في الجيش السوري. وهل لما قاله الكتاب من أن السادات كان يتلقى مالاً من طرف مقرب من الـ CIA دخل بذلك؟. تبدو التساؤلات عبثية ولكن لا يمكن إغفالها.
بعد الحرب:
نشاطات مروان بعد الحرب كانت تصب في مصلحة الصهاينة، لكنها كانت متوافقة مع سياسة السادات التي تريد سلاماً مع إسرائيل، وقام بها بتكليف من السادات. فلم يقتصر دوره على علاقات مصر مع ليبيا والسعودية بل وذهب في مهام إلى سوريا ورتب لقاء بين السادات والأسد أطلع بعده الإسرائيليين على صورة تفكير الأسد. كما وقاد جولات مكوكية إلى السعودية والجزائر برفقة أحد مساعدي كيسنجر للتشاور بخصوص مشروع سلام بين إسرائيل وسوريا قبل إطلاع سوريا عليه، كما وذهب إلى طهران وبغداد لإيقاف دعم طهران للأكراد كرشوة للعراق حتى لا يقف مع سوريا موقفاً متشدداً من السلام وحتى تشعر سوريا بالوحدة فتقوم بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل. وعلى أي حال فلم تعد هناك حاجة للإسرائيليين إليه خوفاً على علاقاتها المتنامية مع مصر. وهذا غريب فإن الكاتب يوحي بأن الرجل اغتنى بأسباب مشبوهة مثل تجارة السلاح. فكيف تستغني عنه إسرائيل طواعية، خاصة وأن هذا مجال واسع تخترق فيه إسرائيل المجتمعات والتنظيمات. أم أن هناك سبباً آخر؟
إسرائيل تكشف مروان:
إذا كان مروان عميل إسرائيل فلماذا كشفت عنه. أليس ذلك ضاراً بإسرائيل إذ أنه يجعل كل من ينوي العمل معها يشعر بأنه غير آمن؟ يوضح الكاتب أن الأمر جرى في معرض محاولة إيلي عيزرا رئيس استخبارات الجيش الذي أُدين بالتقصير لأنه لم يأخذ معلومات الملاك مأخذ الجد فحصلت الهزيمة. عيزرا يبرئ نفسه بمحاولة إثبات أن مروان كان عميلاً مزدوجاً. ويدلل على ذلك بالقول دون إعلان اسم مروان أن مصدر المعلومات الواردة لإسرائيل عن الحرب كان الوحيد الذي حضر اجتماع السادات مع الملك فيصل حيث تم إعلام السعودية بأن قرار الحرب قد تم اتخاذه. وهذا المصدر لم يقم بإبلاغ إسرائيل عن هذا الاجتماع مما شكك استخبارات الجيش في معلوماته الأخرى وعزز شكوكها في أن مروان لم يكن إلا عميلاً مزدوجاً يخدع إسرائيل. يرد المؤلف بأن هذا الكلام غير صحيح لأن مروان أعلم الإسرائيليين في حينه. ولكن هذه الإشارة حفزت الباحثين الذين اكتشفوا شخصية أشرف مروان.
كان إيلي عزرا هذا قد أصدر ذكرياته عن حرب أكتوبر وذكر أن المصدر الخارق لمعلومات الموساد من القاهرة إنما كان أشرف مروان ولكن الرقابة حذفت الاسم وبقي الاسم محذوفاً حتى تسنى للبعض الإطلاع على نسخة الكتاب المقدمة للرقابة والتأكد من الاسم. علق إثرها في برنامج تليفزيوني تسفي زامير بأن عيزرا يجب أن يحاسب على كشفه عن مصادره لأنه بذلك يخرق أولى الوصايا العشر في سلك الاستخبارات. كان زاميرا هذا هو رجل الموساد الذي يحلل المعلومات الواردة عن مروان ويوصلها إلى الحكومة الصهيونية. رفع عيزرا دعوى قذف على زاميرا إلى محكمة العدل العليا وصدر قرار المحكمة بإدانة عيزرا لكشفه عن مصدر المعلومات بطريقة تخالف ما يجب أن تلتزم به الاستخبارات. وتم نشر قرار المحكمة في يونيو/حزيران 2007. وكانت هذه فضيحة كبرى تم بعدها بعشرين يوماً العثور على جثة أشرف مروان أسفل بناء شقته في لندن.
التساؤل هنا يفرض نفسه، فلماذا رغم أن الحكم يعزز أن مروان لم يكن جاسوساً مزدوجاً قامت إسرائيل بكشفه؟ ألم تكن إسرائيل قادرة على إبقاء الاسم طي الكتمان؟ أليس الأصح أن إسرائيل أرادت معاقبته لأنها وجدت بالفعل أنه كان جاسوساً مزدوجاً، لكنها روجت للرواية الأخرى لأنها تريد أن تقول أن أحداً لا يمكن أن يخدع إسرائيل ولا أن ينتصر عليها.
من قتل أشرف مروان؟
بالطبع لا يذكر الكاتب شيئاً عن الموساد بل يقول إن الموساد كانت معنية بالحفاظ على حياته ويدلل بأن داغان رئيس الموساد حاول أن يمنع نشر قرار محكمة العدل الإسرائيلية رغبة منه في حماية مروان. وهذا يتماشى بالطبع مع ما أراد الكتاب قوله بأن مروان كان عميلاً مخلصاً.
يفند الكاتب احتمال الانتحار كما يفند احتمال أن يكون منافسوه في السوق وعلى الصفقات المريبة قد فعلوا ذلك. ويستفيض طويلاً في التدليل على أن الاستخبارات في مصر هي من قتلته ويسوق قرائن لا يرقى أي منها إلى مستوى الدليل. يقول إن مبارك أراد أن يتخلص منه لأن إدانته قد تؤثر عليه وعلى أولاده، فجمال مبارك كان شريكاً لمروان. ويذكر أن النخبة المصرية أرادت أن تغسل العار خوفاً من أن تجر القضية آخرين. ويذكر بأن الاستخبارات المصرية قد قامت وفي لندن التي مات فيها مروان -بقتل اللواء الليثي ناصف والممثلة سعاد حسني حرصاً على أسرارها. ويدلل بأن مبارك لم يقم بما طالب به الصحفي هيكل من تشكيل هيئة للتحقيق .وهو يشير صراحة إلى أن محاولة مبارك تلميع ماضي الرجل لن تفلح في أن تزيل الشبهة عن عمالة الرجل لإسرائيل ولا عن دور المخابرات المصرية في تصفيته.
وأخيراً:
لفت نظري أنه لا توجد للرجل أي علاقات نسائية شائنة الأمر المختلف عن سيرة معظم الجواسيس. لست هنا أدافع عن الرجل ولا أحاول تبرئته ولا تبرير الفساد المنسوب إليه، ولكنني أريد أن أحذر من التصديق الأعمى للروايات الإسرائيلية. ولعلني هنا وفقت في فضح نية الكاتب وهي إعادة الهيبة للموساد الذي لا يخدعه أحد ولإسرائيل التي لا ينتصر عليها أحد. ومن هنا يجب تناول المرويات الإسرائيلية بالتحليل البعيد عن العواطف وتقصي الحقيقة دائماً.
صالح الشحري هو طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.