الصراع في إدلب.. كيف جعل تركيا تدرك منافع عضويتها بحلف الناتو؟

عدد القراءات
7,013
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/06 الساعة 16:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/06 الساعة 16:35 بتوقيت غرينتش

منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو/تموز 2016، دفعت حالة واسعة من التشكك تجاه الولايات المتحدة صانعي السياسة التركية لوضع تصور لنظامٍ عالمي تحصل فيه أنقرة على درجة كبيرة من الاستقلالية الاستراتيجية عن الغرب، على الرغم من عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأدَّى هذا التفكير إلى علاقة مزدهرة مع روسيا، تُوِّجَت بشراء منظومة صواريخ S-400 الدفاعية.

لكنَّ الصراع المتفاقم بسبب إدلب، حيث تسعى تركيا لحماية منطقة نفوذها في وجه تقدُّم الجيش السوري المدعوم من روسيا، وضع جدوى هذه الرؤية في مواجهة أصعب اختبار.

جاء التصادم القاسي مع الواقع بفقدان 34 جندياً تركياً في هجوم مشترك لسرب طائرات سورية وروسية. كان رد فعل أنقرة هو السعي للحصول على تضامن سياسي من حلفائها بالناتو. فبعد بضع ساعات من الحادثة، دعت تركيا لعقد مشاورات في إطار المادة الرابعة من معاهدة الحلف. وكان الدعم الغربي في الوقت المناسب مهماً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبيل لقائه أمس الخميس 5 مارس/آذار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة مصير إدلب.

لكن حتى بخلاف السياق السياسي، أظهر الصراع على إدلب بطرق شتى أخرى منافع عضوية تركيا بالناتو. إذ يرتبط نجاح الهجوم المضاد الذي شنّته القوات التركية بعد الغارات الجوية ضد قواتها ارتباطاً وثيقاً بموقف عسكري جعله الناتو ممكناً، إلى جانب مشاركة أنقرة في المنظومة الدفاعية الأوروبية-الأطلسية.

أحد الأمثلة على ذلك هو الطريقة التي استغل بها الجيش التركي القدرات المرتبطة بالحرب المُرتكِز على الشبكات ضد وحدات الجيش السوري المنفردة. فكانت مقاتلة F-16 تركية واحدة قادرة على إسقاط مقاتلتين سوريتين من طراز سوخوي Su-24، ليس في معركة قتال جوي، بل وهما خارج مدى الرؤية البصرية للمقاتلة التركية. إذ حددت طائرة نظام إنذار مبكر وتحكم محمول جواً (أواك) الهدفين، ونقلت مواقعهما والمعلومات الأخرى المهمة في نفس الوقت إلى مقاتلة الـF-16 عبر رابط بيانات حلف الناتو "Datalink". ثُمَّ نُقِلَت هذه المعلومات إلى صواريخ AMRAAM جو-جو على متن مقاتلة الـF-16 ووُجِّهَت صوب هدفيها.

منح مستوى قابلية التشغيل المتبادل، مقروناً بالقدرة على الاستفادة الكاملة من مزايا توجيه الضربات التي توفرها معدات الحرب المرتكزة على الشبكات، الجيش التركي أفضلية واضحة على القوات المنافسة شمال غربي سوريا. بل وامتدت أفضلية تركيا في ساحة المعركة لتشمل التفوق على منظومات الدفاع الجوي السورية الحديثة "بانتسير" المُقدَّمة من روسيا. فكانت الطائرات دون طيار التركية قادرة على القضاء على تلك الصواريخ بمساعدة منظومات الحرب الإلكترونية المتقدمة.

وستتضح معالم المرحلة التالية من الصراع حول إدلب من خلال استدامة أي وقف إطلاق نار بعد لقاء أردوغان وبوتين في موسكو. لكن في الواقع، هناك احتمال ضئيل بأن يتحول وقف إطلاق النار إلى سلام دائم. فالأهداف التركية والروسية متضاربة. إذ تريد موسكو تسلُّم النظام السوري السيطرة على الأراضي، في حين تريد أنقرة الحفاظ على وجودها هناك لمنع تفاقم الأزمة الإنسانية، ولتكون كذلك ورقة ضغط في المفاوضات النهائية بشأن التسوية السياسية في سوريا.

ومما يُعقِّد المعادلة قضية المجموعات الوكيلة لتركيا، والتي يرتبط بعضها بكيانات جهادية تعتبرها روسيا والنظام السوري إرهابيين. وستتحدد معالم مستقبل إدلب بتلك الخلافات المستمرة، وسيظل الخلاف التركي-الروسي عُرضة لصراعات جديدة.

نتيجة لذلك، قد يضطر صانعو السياسة التركية لمراجعة موقفهم بشأن التعاون العسكري التركي الآخذ بالاتساع مع روسيا. وسيكون مصير منظومة S-400 ذا أهمية كبيرة. ومن الصعب تصور أن تُدخِل أنقرة هذه المنظومة حيز التشغيل بصورة كاملة بما يؤدي إلى عقوبات أمريكية في وقتٍ دخلت فيه العلاقة مع روسيا مرحلة متقلبة، على الأقل في ما يتعلق بسوريا.

لكن لا يزال من غير الواضح ما إن كانت تركيا ستتخذ الخطوة المقبلة وتوقِف استخدام منظومة الأسلحة الاستراتيجية هذه من أجل القضاء بصورة كاملة على تهديد تعرُّضها لعقوبات. لكن الأمر المؤكد أكثر هو ظهور تقدير في أنقرة لمخاطر تلك المحاولات غير المدروسة جيداً لتحقيق الاستقلالية الاستراتيجية في منطقةٍ تستدعي بيئة التهديد فيها من تركيا أن ترتبط بصورة أقوى بالمؤسسات الأمنية العابرة للأطلسي. 

– هذا الموضوع مترجم عن وكالة Bloomberg الأمريكية. 

سنان أولغن هو الرئيس التنفيذي لمركز أبحاث EDAM في إسطنبول وباحث زائر بمركز كارنيغي أوروبا في بروكسل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سنان أولغن
الرئيس التنفيذي لمركز أبحاث EDAM في إسطنبول
سنان أولغن هو الرئيس التنفيذي لمركز أبحاث EDAM في إسطنبول وباحث زائر بمركز كارنيغي أوروبا في بروكسل.
تحميل المزيد