“خذلتهم وجعلتهم فقراء ومرضى”.. لماذا يدعم الأمريكيون ساندرز في مواجهة الرأسمالية؟

عدد القراءات
2,382
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/05 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/29 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
"خذلتهم وجعلتهم فقراء ومرضى".. لماذا يدعم الأمريكيون ساندرز في مواجهة الرأسمالية؟

عندما تفكر في مراكز الاشتراكية في أمريكا، فإن ولاية تكساس ليست أول ما يتبادر إلى ذهنك. لكن وفقاً للاستطلاع الذي أجرته قناة CBS News وشركة YouGov، الشهر الماضي، فإن 56% من ناخبي الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية في ولاية تكساس (ولاية النجمة الواحدة التي كانت جمهورية مستقلة وكافحت من أجل الاستقلال عن المكسيك)، أفصحوا عن آراء إيجابية حول الاشتراكية، في حين فضل الرأسمالية 37% فقط منهم. والأمر نفسه في كاليفورنيا، حيث يعد الديمقراطيون أكثر إيجابية تجاه الاشتراكية مقارنة بالرأسمالية. 

هل يعني هذا أن الولايتين الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الولايات المتحدة مستعدتان لقيام ثورة فيهما؟ كلا.

لكن هذا التصويت يعكس بعض التغيرات شديدة الأهمية في المشهد السياسي وفي العقل الجمعي للشعب الأمريكي. 

أولاً، هناك تحول في تكساس ناحية اليسار، إذ صارت الولاية التي كانت تابعة للحزب الجمهوري في المعتاد أقل محافظةً على نحو ملحوظ في السنوات الأخيرة، بفضل زيادة السكان ذوي الأصول اللاتينية، وهجرة الشباب الليبراليين من خارج الولاية إليها، حيث صناعة التكنولوجيا المزدهرة. ومن المتوقع لولاية تكساس أن تكون أشد تنافسية في الانتخابات العامة مقارنة بما كانت عليه في الماضي، والأمر لن يكون سهلاً، ولكن لم يعد من المستبعد أن تتحول الولاية لصالح الديمقراطيين. وليس معروفاً بعد ما إن كانت الفرصة الأكبر في تحقيق ذلك ستكون لصالح جو بايدن أم بيرني ساندرز، إذ لا تزال المنافسة بينهما محتدمة.

وبوجه أعم، يعكس الاستطلاع تغيراً رئيسياً في اتجاهات الولايات المتحدة إزاء الرأسمالية، لكن القول إن الولايات المتحدة تتبنى "الاشتراكية" لن يكون دقيقاً وأميناً، لأن الكلمة صارت غير واضحة المعالم؛ إذ يربطها جيل العواجيز بوحشية ستالين، بينما يربطها جيل الألفية بالرخاء الاسكندنافي.

لم تقع أمريكا في غرام الاشتراكية بقدر فتورها ونفورها من الرأسمالية. وهو أمر لا يثير الدهشة عندما نضع في الحسبان كيف خذلت الرأسمالية المواطن الأمريكي البسيط واستعبدته. على سبيل المثال، يبلغ متوسط عمر المواطن الأكثر فقراً في الولايات المتحدة نفس متوسط العمر للمواطن السوداني، وزادت الوفيات أثناء الولادة عن الضعف بين العامين 1991 و2014، وتقلص حجم الطبقة المتوسطة بشكل لا يمكن وصفه، وصار الناس في أمس الحاجة إلى بديل للوضع الراهن الذي يزداد قتامة وكآبة.

تُعد الرأسمالية مفهوماً محورياً في هوية الولايات المتحدة. ويرى المحافظون توجه البلاد نحو الاشتراكية -متجسداً في ظهور ساندرز- أزمة وجودية تعصف بالأمة الأمريكية. وكانت فكرة "أمريكا ضد الاشتراكية" هي الموضوع الرئيسي هذا العام خلال مؤتمر العمل السياسي المحافظ CPAC، وهو تجمع سنوي للمحافظين في الولايات المتحدة. قال أحد المنظمين في المؤتمر للحاضرين في مطلع هذا الأسبوع: "الأمر لم يعد فقط الرأسمالية ضد الاشتراكية، لأن الاشتراكية ليست متعلقة بالاقتصاد وحسب". وأضاف "الاشتراكية تنتهك كرامة الفرد الذي يتمتع بحقوق وهبها الله له، وهو شيء مختل تماماً".

أما الديمقراطيون الوسطيون فهم متأثرون بالقدر نفسه؛ إذ يرون نجاح ساندرز تهديداً وجودياً للحزب، ويحاربون من أجل هزيمته بشكلٍ أعنف مما يحاربون دونالد ترامب. ربما تشير الاستطلاعات إلى أن الولايات المتحدة مستعدة لرئيسٍ يدعو نفسه ديمقراطياً اشتراكياً، لكن مؤسسات الدولة تختلف في ذلك بوضوح. ولتسويق تحيزهم ضد ساندرز تُعقد المقارنات مع جورج ماكغفرن، وهو سيناتور ينادي بالرعاية الصحية الشاملة وعارض المؤسسات. خالف ماكغفرن الاحتمالات وفاز بترشيح الحزب الديمقراطي عام 1972، وهُزم في الانتخابات العامة أمام ريتشارد نيكسون بأغلبية ساحقة. وعُقدت المقارنات أيضاً بين بيرني وجيريمي كوربين في المملكة المتحدة، الذي سُحق أمام بوريس جونسون. 

ولكن إذا كنا سنستشهد بسوابق تاريخية تحذيرية، فلِمَ لا ننظر إلى عام 2016، عندما فشلت هيلاري كلينتون، أشد الوسطيين وسطية، في هزيمة ترامب؟
بصراحة، لا أعرف ما إن كانت الولايات المتحدة مستعدة لرئيس اشتراكي أم لا، لكنها قد تكون الآن أكثر استعداداً مما مضى.

– هذه المدونة مترجمة عن صحيفة The Guardian البريطانية.

كاتبة عمود في صحيفة The Guardian وخبيرة في استراتيجيات تسويق العلامات التجارية

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أروى مهداوي
كاتبة في صحيفة The Guardian البريطانية
كاتبة في صحيفة The Guardian البريطانية
تحميل المزيد