يعرف الجمهور الرياضي العربي الكثير عن نجوم أبناء جلدتهم المتألقين في مختلف الأندية الأوروبية الكبرى على غرار المصري محمد صلاح والجزائري رياض محرز والمغربي حكيم زياش، كما يتابعون أيضاً أخبار لاعبين عرب آخرين بدأوا يشقون طريقهم بثبات نحو النجومية العالمية، كالجزائريين إسماعيل بن ناصر ويوسف عطال والمغربي يوسف النصيري.
وبالمقابل يوجد لاعبون عرب آخرون ينشطون ويتألقون في الدوريات الأوروبية الكبيرة، لكنهم لا يُحظون بنفس الشهرة والاهتمام الإعلامي، بسبب تواجدهم ضمن أندية متوسطة المستوى، لا يتعدى طموحها البقاء ضمن دوري الأضواء، ونخص بالذكر في هذا المقام اللاعب الدولي التونسي إلياس السخيري الذي يؤدي في موسم جيد رفقة نادي كولن الألماني، والذي فضلت التحدث عنه والتعريف به باختصار من خلال هذا المقال.
إلياس السخيري، البالغ من العمر 24 عاماً، ينشط في مركز متوسط ميدان دفاعي، ولذلك لا تنتظروا منِّي أن أتحدث عن أهدافه الكثيرة أو الجميلة، فمهمة الشاب على أرضية الميدان تتمثل في قطع واسترجاع الكرات من الخصوم وإعادة بعث وتدوير اللعب والتحكم في الإيقاع وصنع الفرص لزملائه المهاجمين.
وقد أكد المدير الرياضي لنادي كولن، آرمين فيه، المهمة المنتظرة من اللاعب الجديد لفريقه، عندما قال عنه، بعد إبرام العقد في الصيف الماضي، مبرزاً ميزاته الكبيرة: "إلياس السخيري لاعب قوي وسريع، ويتسم بطول القامة والقوة في استخلاص الكرات، ويتمتع برؤية جيدة للملعب، بالإضافة للمهارة الكبيرة في المراوغات".
ولم يخيب السخيري ظن الرجل الذي جلبه إلى ألمانيا في الميركاتو الصيفي الماضي، قادماً من نادي مونبيلييه الفرنسي، مقابل 8 ملايين يورو، حيث فرض النجم التونسي نفسه ضمن التشكيلة الأساسية لفريق كولن التي يشرف عليها المدرب الألماني ماركوس غيسدول.
وما يؤكد هذا الكلام هو مشاركة السخيري في 21 مباراة في مسابقة الدوري الألماني لكرة القدم للموسم الجاري، وغيابه عن مباراتين فقط، وسجل خلالها هدفاً واحداً، وصنع 3 أهداف أخرى، وذلك إضافة طبعاً لعمله المميز في توقيف الحملات الهجومية للفرق المنافسة. ما جعله يُسهم بشكلٍ كبيرٍ في نجاح نادي كولن، إلى حد الآن، في إنجاز المهمة التي حددها قبل بداية الموسم، والمتمثلة في تفادي السقوط إلى الدوري الألماني للدرجة الثانية، بحيث يحتل الفريق المركز الـ11 برصيد 29 نقطة، بفارق 8 نقاط كاملة، ومباراة ناقصة، عن أقرب مرتبة مؤدية للهبوط، والتي يحتلها نادي فورتونا دوسلدورف، المتواجد في المركز 16، وذلك قبل 10 جولات من اختتام المنافسة.
رحلة في الجذور
ولد إلياس السخيري يوم 10 مايو/أيار 1995 بمدينة لينال بجنوب فرنسا، وقد بدأ ممارسة رياضة كرة القدم في سن مبكرة جداً، ضمن نادي بلدته "غاليا كلوب لينال"، لما كان يبلغ من العمر 4 سنوات فقط، قبل أن ينضم للمركز التكويني لنادي مونبلييه في سن الخامسة، حيث تدرج في جميع الفئات السنية لهذا النادي إلى غاية انضمامه للفريق الأول في صيف 2014، وخوضه لأول مباراة في دوري الدرجة الأولى الفرنسي يوم 10 مايو/أيار 2015، أمام نادي لانس، أي في عيد ميلاده العشرين، ثم وقع على أول عقد احترافي يوم 25 يونيو/حزيران 2015 لمدة 3 سنوات.
وسمح له تألقه مع مونبيلييه في موسم 2015- 2016 بتجديد عقده لسنتين إضافيتين إلى غاية يونيو/حزيران 2020، لكنه غادر فريق الجنوب الفرنسي قبل نهاية العقد بموسم واحد، حيث استفاد النادي من مبلغ 8 ملايين يورو التي تمثل قيمة تحويله الى نادي كولن الألماني يوم 29 يوليو/تموز 2019.
وبقية القصة معروفة بحيث تألق السخيري مع الصاعد الجديد إلى مسابقة "البوندسليغا"، ويظهر جلياً أنّ اللاعب التونسي قد أحسن الاختيار بالانضمام لنادي كولن الذي منحه فرصة المشاركة بانتظام ضمن التشكيلة الأساسية للفريق في واحد من الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى، حيث يواجه كل أسبوع تقريباً أندية من المستوى العال تضم في صفوفها العديد من نجوم الكرة العالمية، ما يسمح له بكسب المزيد من التجربة الدولية تحسباً للانتقال مستقبلاً نحو نادٍ أوروبي كبير.
الطريق نحو كبار أوروبا
فمن المؤكد أنّ التونسي السخيري، مثله مثل أي لاعب طموح يتطلع للانضمام مستقبلاً لنادٍ أوروبي كبيرٍ يتنافس كل موسمٍ على الألقاب المحلية والقارية، ولذلك فانه يكون قد اتخذ نادي كولن كمحطة حاسمة في مشواره الرياضي للتعلم أكثر وتطوير مستواه في انتظار تغيير الأجواء نحو فضاء أفضل.
فقد كان بإمكان السخيري الانضمام في الصيف الماضي لنادي فيورنتينا الإيطالي الذي يطارده منذ عام 2017، لكنه فضَّل التعاقد مع كولن لأسباب قد تكون مالية ولكنها رياضية أيضاً بعد التشاور، طبعاً، مع وكيل أعماله ومحيطه المقرب، لأنّ النجم التونسي يرى أنّ الوقت لم يكن مناسباً للانتقال إلى فريق "الفيولا" وأنّ مستواه في حال التطور مع النادي الألماني قد يسمح له باللعب ضمن نادٍ إيطالي، أو أوروبي آخر، أفضل من الذي طلب خدماته في الميركاتو الصيفي وجدّد محاولاته في يناير/كانون الثاني الماضي.
اختار اللعب لمنتخب تونس بعد تردد كبير
وبالموازاة مع سعيه للتألق مع نادي كولن لجلب اهتمام الأندية الأوروبية الكبيرة، فإن إيلياس السخيري مدعو أيضاً للإسهام في بروز منتخب بلاده تونس على المستوى العالمي، والذي انضم إليه رسمياً في مارس/آذار 2018، قبل المشاركة في نهائيات مونديال روسيا التي جرت في صائفة نفس العام، وذلك بعدما تردد من قبل في الفصل في مشواره الدولي بين اللعب لصالح منتخب بلد مولده ونشأته، فرنسا، أو لصالح منتخب أصوله، تونس، وذلك على الرغم من أنه كان قد شارك في عام 2015 في مباراة واحدة مع المنتخب الأولمبي لـ "نسور قرطاج".
وقد برّر السخيري تردده في الانضمام للمنتخب التونسي الأول بتصريحه، عند حسم قراره في فبراير/شباط 2018: "لقد أخذت الوقت الكافي للتفكير في اختياري الرياضي. اليوم أصبح خياري اللعب مع المنتخب التونسي وأنا على استعداد لتقديم كل ما عندي من جهد مع المنتخب التونسي.. اختيار اللعب مع تونس كان عن قناعة تامة، علماً أنه سبق لي أن مثلت 19 المنتخب الأولمبي، كما كانت لي اتصالات متواصلة طيلة السنتين الأخيرتين مع الاتحاد التونسي من أجل اللعب مع المنتخب الأول".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.