اليوم لن ننتظر حُكم التاريخ.. الله حَكَم

عدد القراءات
2,649
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/26 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/26 الساعة 15:44 بتوقيت غرينتش

ستكون جنازته مهولة مهيبة، من هول حاشيته ومن هيبة عساكره، طولها طول السنين العجاف أربعة أضعاف وأكثر، طولاً يُذكّرنا باصطفاف الثوّار وطوابير العيش والقطارات المحروقة وتكدُّس العشوائيات وطول المجاري الطافحة، طول ليالي الفراق المُجحفة.

يقولون بطل، يقولون زعيم، سيُسمّى ما يُسمّى ويزفّه النياشين والرُّتَب لكن في النهاية ستُدار له ظهورهم ويُقابله مصيره وعمله المحتوم.

هذه لحظة من اللحظات التي من أجلها نحمد أن للعالم رباً وأن الموت يقين.

سيقولون وداعاً وسنقول سنلتقي.. هُناك حيثما سنكون عبيداً لله وفقط، لا لسُلطتك ولا جبروتك لا للعساكر والبنادق.

ستُفتَح الملفات جميعها حتى التي أُحرِقَت في المقرّات، ستُقال كل شهادة دون اعتبار وسيُتلى التاريخ دون تشويه أو زور.

سنفتح صندوقنا الصغير الذي خبّأنا فيه خيبتنا وجروحنا وكل ليالي الصبر والآلام والجَلَد؛ هذه الآلام المُمتدة من بذرة الظُلم، المُلتفّة كأغصان شجر خبيث مُتشابك حول رقاب العبيد.

اعذرني.. كبرت ورأيت الظالمين يكبرون، مات إخوتنا ورأيت الظالمين يكبرون، غرقت العبّارات، واحترقت القطارت، وتفحّم الناس، ورأيت الظالمين يكبرون حتى كِدت أن أنسى أنهم سيموتون يوماً، من كِبر كِبرهم كِدت أن أنسى أن هناك أكبرهم.

هذه ليست شماتة، تُعيب عليّ الشماتة إن كُنت أفرح في موت خالتك، لكني الآن أفرح أن كل جلسات المحاكم المؤجلة ستبدأ، سيقف الفرعون بكل استكباره أمام قاضي السماء، قاضي القضاة، حيث لن ينفعه سُلطة أو جبروت.

ولو سمّيناها شماتة مثلاً! أتستكثر على مظلوم أن ينتصر ولو بالشعور مرة؟!

أنا من ضعفي وقلة حيلتي كل ما أستطعه أن أشمت، تخيّل حتى في المرة الوحيدة التي انتصرنا عليه فيها في حياته كسرَنا!

صدّقني لا شماتة أحد أو ترحّمه ستنفعه أو تضرّه أساساً، نحن من الغُلب ننتصر لانكسارنا بالموت، مَا لم نستطعه، نفرح بأن الله سيفعله.

أنا وإن أنكرت أنت وغيرك، جزء من حكايته وتاريخه، جزء من قصّته، راعٍ من رعيّته.

كان مسؤولاً عنّي بكامل قواه وأهليته.

لُم عليّ إن كنت دفعته بيدي للجحيم، لكنه وكل ظالم أوقد جحيمه بحطب فساده وطغيانه.

كنت أتمنى أن تكون إرادته تمُسّه وحده، لكنها ومع الأسف كانت إرادته تطولني وتمسّ حياتي.

سنتلو على قبره ما تلا الثوار في يناير، ونسكب فوق قبره تراب هزائمنا ورماد أعمارنا، ونصُب عليه من دموع الأمهات الثكالى ومن دماء المنكوبين.

ونكتب على قبره: "أهلَك الله طاغوت ولم يُخلِف وَعده".

أنت برحمتك ومثاليتك وإنسانيتك وعشرة الثلاثين عاماً لك حق التخلّي عن حقك فيها، لكنّي والله أبداً أبداً ما أتخلّى.

وفي النهاية أنا لا أتجنّى عليه، ولا أريد أن أختصمه فيما لم يفعل، ولا أنتظر له جحيماً في أسفل السافلين يليق بطغيانه، كل ما يُريح صدري فكرة أنه بكل استكباره ومُدَد سُلطته سيطويه التراب، مسكين كالبقية لا حول ولا قوة، والبقاء لله.

أُذكّرك فقط أن الغفور الرحيم الذي تؤمن به هو نفسه المُنتقم الجبّار شديد العذاب شديد العقاب لعن الظالمين وأهلَك الطغاة.

أهلَكت يا رب الطغاة فيا رب البقية وعبيدهم.

يا عزيزي أتمنّى أن تسعنا الجنة جميعاً، وأن تأكل النار نفسها، لكنّ إبليس يأبى وفرعون تبعه.

خُلاصة القول.. صفحة طاغٍ في الدنيا انطوت وقد خاب مَن حمل ظُلماً، خُذ التاريخ وما له وما عليه في يدك.

اليوم لن ننتظر حُكم التاريخ.. الله حَكَم.

هناء جبر هي باحثة سياسية وكاتبة وتخرجت من كلية العلوم السياسية بجامعة بني سويف في مصر 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
هناء سيد جبر
باحثة سياسية وكاتبة
هناء جبر هي باحثة سياسية وكاتبة وتخرجت من كلية العلوم السياسية بجامعة بني سويف في مصر
تحميل المزيد