جوسيب غوارديولا.. كيف حالك يا صديقي؟
وصلني أنك في حالٍ يُرثى لها، شابت هيئتك، وأظلمت عيناك، وازدادت لحيتك كثافةً وبياضاً كفيلسوف إغريقي في العصور الوسطى ضاقت به سُبل الحياة ونفدت منه خُططه وأفكاره.
انتصاراتك في معاركك المحلية داخل بريطانيا لم تزدك قوةً وحصانة كما حدث معك في ألمانيا، الجميع ينظر إليك كقائد عظيم يقترن اسمه دوماً باحتلال أوروبا وليس إحدى دُويلاتها.
بل ما زاد الطين بلة أنك قد هُزمت في إحدى حروبك المحلية أمام غريمك يورغن كلوب، وأصبحت مُهدداً بالسقوط عن عرشك الكروي كما لم يحدُث من قبل. أعلم أن القدر قد خانك في بعض الأحيان، فقد سقط لابورتي، قائد حصونك الدفاعية مُصاباً لعدة أشهر، كما أنك فقدتَ مُحاربَك الصغير ليروي ساني لنفس السبب أيضاً، لكن دعني أعترف لك يا صديقي بأنك قد فقدت جُزءاً من حكمة أفكارك وبراعة تخطيطك وحُسن مُسايرتك لما يفرضه القدر عليك.
لكن دعك من هذا الأمر الآن، استحضار ما حدث في الماضي، والبكاء على أطلاله لن يزيدك سوى حزن وكآبة، أُريدك أن تنظر إلى المُستقبل، وإلى شمسٍ قد تُشرق من جديد على تاجك الذهبي لتزيده بريقاً ولمعاناً في حال انتصرت على ملك البطولة الأوروبية ومُروّضها.
أُدرك أنك تعلم جيداً أن خصمك يترنح، أسقطته رماح منافسيه الإسبان، محاربو الباسك ألحقوا به هزيمة قاسية وسط ميدانه في كأس الملك، ولم يلبث ملياً وانبسطت يداه لتُسقط صدارة الليغا ليلتقطها أبناء جلدتك الكتلان.
لكن عليك أن تعلم أن قائدهم لم يُهزم مطلقاً في معركة أوروبية حتى الآن، وأن محاربيه يتحولون إلى وحوش كاسرة فور سماع نشيد الأبطال. لا أريد أن يتحول عقلك من نعمة إلى نقمة عليك بإسرافك في التخطيط لتلك الحرب كما حدث في الماضي، عليك فقط أن تضع الأمور في نصابها الصحيح دون أدنى عُقد، وتقود محاربيك لاستغلال ثغرات خصمك الملكي، وما أكثرها، لذلك دعني أُلقي عليك مشورتي ورؤيتي وأترُك لك حرية التنفيذ.
بداية عليك أن تختار الاستراتيجية المناسبة لترفع راية الانتصار، نقطة ضعف خصمك تكمُن في السرعة، السرعة في ضرب خطوطه، وتناقل الكرة سريعاً بين لاعبيك وبين خطوطه، سرعتك في التحول من الدفاع إلى الهجوم والعكس ستكون هي مفتاح الربح الذي سوف نراهن عليه، بجانب استغلال سوء لاعبي النادي الملكي في السيطرة على الكرة الثانية. سنتّبع نسقاً سريعاً في شن غاراتنا وهجماتنا، وسنُسقط جنوده في الصراعات الهوائية والأرضية.
لذلك سنضع ثلاثة مدافعين في الخط الخلفي، هذا سيضمن خروجاً آمناً للكرة، وسرعة أكبر في التحول عن طريق محاربي الأطراف، أيضاً أنت تعلم جيداً أن حصونك مكشوفة للجميع، وهي نقطة ضعفك التي دائماً ما تُلدغ منها، وتلك هي أفضل وسيلةٍ لتأمينها، والآن دعنا نختار محاربينا الأساسيين على ميدان المعركة.
إيدرسون سيكون هو حامي العرين، يتقدمه على الجبهة اليمنى جنديك الوفي فيرناندينيو، وعلى يساره سيكون لابورتي حاضراً بدرعه الفولاذي، بينما يتواجد ستونز بينهما في دور الليبرو.
تُحب فيرناندينيو كثيراً، أُدرك هذا الأمر، لكن الزمن لا يرحم مع مرور الوقت، محاربك البرازيلي أصبح قريباً من منتصف العقد الثالث من عُمره، قلت سرعته من دون الكرة، وحدة افتكاك للكرات من بين أقدام الخصوم لم تعد كالسابق، وقد تفنن خصومك في تعرية ظهر البرازيلي عن طريق التمريرات الطولية أو البينية، وأيضاً إجباره على دخول سباقات السرعة مع أصحاب المهارات، لذلك سيتواجد جون دائماً خلفه من أجل تقديم العون.
عليك ألا تنسى أيضاً أن جون يُجيد التحكم في الكرة بقدميه، هذا سيضمن لنا جودة أكبر في نقل الكرة من خطوطنا الخلفية، وتخطي مصيدة ضغط النادي الملكي بسرعة تمريرات جون وإيدرسون.
بينما سيتكفل لابورتي بالتصدي لوابل الكرات العرضية القادمة من الأطراف المدريدية.
ميندي وكايل ووكر سيكونان لاعبي الأطراف، أعلم أن خيار زينتشينكو وكانسيلو قد يتبادر إلى ذهنك، ولكن انتبه نحن هنا بحاجة إلى السرعة لا الاستحواذ، وجود الفتى الأوكراني يعني تحركه أكثر من الطرف إلى العمق، وهو ما سيترك فراغاً كبيراً في جبهتك اليسرى، قد تكون تلك الفكرة مناسبة في حال وجود رباعي في الخط الخلفي، لكننا اتفقنا مُسبقاً أن ثلاثي الدفاع هو أفضل حل لتلك المواجهة.
وجود بينجامين سيُعطيك صلابة بدنية أمام الجبهة الأقوى للمدريديين، كما أن تمريرات الفرنسي العرضية الأرضية إلى الخارج ستكون سلاحاً فعّالاً للقادمين من الخلف مع معاناة الملكي في تغطية تلك البقعة من الميدان.
كما أنك مازلت حتى الآن لم تُعط كانسيلو ثقتك المطلقة والدفع به في حرب مصيرية كتلك قد يكون رهاناً في غير محله، أضف إلى ذلك أنك بحاجة إلى سرعة وقوة ووكر البدنية، وأيضاً تميزه في الثنائيات والصراعات الهوائية، ستكون بأمسّ الحاجة لكايل في المقدمة من أجل أن يحتل الطرف الأيمن عقب تحرك جناحك إلى عُمق الملعب، تلك الأدوار مازال جواو بعيداً عن إجادتها رغم جودته الكبيرة.
في المنتصف وجود رودريغو أمر حتمي، وكذلك الحال بالنسبة إلى ديبروين. كيفين هو وزيرك في رقعة الشطرنج، القطعة التي تتحرك يميناً ويساراً وطولاً وعرضاً، لكن حُريتها وفاعليتها مقرونة بمدى المساحة التى يتم خلقها من أجلها. الرجل الحر هو تكتيك يتّبعه الجميع بمختلف الاستراتيجيات، وهو أساس خططك وأفكارك الهجومية من أجل أن تمنح كيفين الحرية التي يحتاجها، يتواجد الجناح في أنصاف المساحات، ثم يصعد ظهيرك الأيمن سريعاً بشكل عمودي من أجل أن يسحب ظهير الخصم معه، هنا بعد تحرك كيفين لمساندة الجناح أصبحت الأفضلية العددية لديك، بضعة ثوانٍ فقط هي ما يحتاجه البلجيكي من أن أجل أن يُرسل إحدى تمريراته مُتناهية الدقة نحو القائم البعيد، والتي في غالب الأحيان تُشكل خطراً ملحوظاً على مرمى المنافس.
الآن تبدأ الحيرة الحقيقية، التي تكمن في تشكيل أجنحة كتيبتك، برناردو وستيرلينغ هُما المُفضلان لديك في حروبك الكُبرى، ولكن أدعوك ملياً للتفكير في هذا الأمر.
دعنا نُقسم أفكارنا ونُلخصها في نقاط قصيرة، ولنبدأ برحيم.
الفتى للتو قد عاد من إصابة ألمّت به، ما يعني أن جاهزيته البدنية ليست في أكمل صورها، ناهيك عن سوء مستواه الرهيب هذا الموسم، وروعونته في قتل خصومه. قُدرته على اختيار الأماكن المُناسبة بين خطوط الخصم للتمركز فيها تُعطى زملاءه الأفضلية للتحرك سريعاً خلف خط دفاع منافسك، كما أن مردوده الدفاعي مقبول إلى حد كبير بالنسبة إلى لاعب بخصائص هجومية، ولكن رحيم يفقد الكثير من الكرات بسهولة، التي تتحول في كثير من الأحيان إلى مُرتدات خاطفة تستطيع أن تؤذي دفاعك، ناهيك عن أن مراوغاته لم تعد بمثل كفاءتها كما كانت في السابق، لذلك دعنا نُبقيه على الدكة كورقة رابحة يُمكن استغلالها حسب مُجريات المُباراة.
برناردو هو أبعد ما يكون عن رحيم، البرتغالي القصير يُجيد الحفاظ على كُرته، يستطيع مراوغة خصومه ببراعة، يدور مثل النحلة في كافة الاتجاهات، ويمتلك مخزوناً بدنياً لا مثيل له، ورغم قِصر قامته فإن باستطاعته الفوز بالكُرات الثانية والصراعات الهوائية، لكن وجوده على أحد الرواقين كلاعب جناح يقوم بإظهار نواقصه وتقليل ميزاته، برناردو يُفضل دائماً التواجد في العمق، والمشاركة في تدوير الكرة وإكمال تسلسل الهجمات، هو لاعب يُفضل التحرك بالكرة لا من دونها، إقحامه على الطرف الأيمن من أجل أن يخلق المساحة المطلوبة لكيفين في أنصاف المساحات يحد كثيراً من قُدرات هذا البرتغالي، التواجد بين خطوط الخصم ليس الخيار المثالي بالنسبة إلى برناردو، لذلك ثنائي الأجنحة يجب أن يكون محرز، ودافيد سيلفا.
أعلم جيداً أن دافيد يدخل آخر مراحله الكروية، وأن آثار الزمن ألقت بظلالها على مجهوده وسرعته، ولكن سيلفا هو أحد أبرع اللاعبين في التمركز في المساحات الضيقة، في وبين الخطوط، عقله يُحلل ما يحدث حوله، يختار القرار المناسب دائماً قبل أن تصل الكرة نحو قدميه، وجود دافيد سيمنح الكثير من الحرية لكيفين وبينجامين لمُحاصرة دفاعات مدريد، وستكتمل قوتك الهجومية بوجود رياض على الجبهة الأُخرى من الملعب.
محارب الصحراء لا غنى عنه في تشكيل اليوم إذا ما أردت أن تنتصر يا صديقي، الجزائري لاعب مباشر، تُحركاته دائماً ما تكون نحو الهدف، يستطيع إصابة خصومه بعدة طرق، إما من خلال تسديداته بعيدة المدى، أو عن طريق القطع إلى الداخل ليُسدد بقدمه اليسرى، أو عن طريق مراوغاته ومهارته التي تخلق الفوضى في دفاع منافسك، وجود محرز وسيلفا سيرفع من إيقاع المُباراة وهو الإيقاع والنسق الذي تحتاجه من أجل القضاء على خصمك.
بينما لا خلاف على وجود هدّاف ناديك التاريخي الكون أغويرو كمهاجم أساسي للفريق.
لم يتبق الآن سوى سيناريو وحيد وأخير، وهو تشكيلتك المثالية، بوجود رباعي في الخط الخلفي، لابورتي وفرناندينيو أمام إيدرسون، كايل وزينيتشينكو على طرفي الملعب، وثلاثي في المُنتصف يتكون من رودري، دافيد، وكيفين، بينما يتواجد برناردو ورحيم على الرواقين الأيمن والأيسر توالياً، ويكون أغويرو هو مُهاجمك الرئيسي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.