يعرفون آخر صيحات الموضة والأفلام الهابطة ولا يعرفون شيئاً عن وطنهم.. كيف ننقذ أجيال المستقبل؟

عدد القراءات
689
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/25 الساعة 08:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/25 الساعة 08:39 بتوقيت غرينتش
يعرفون آخر صيحات الموضة والأفلام الهابطة ولا يعرفون شيئاً عن وطنهم.. كيف ننقذ أجيال المستقبل؟

قبل أربعة عشر عاماً كنتُ طالبة في الجامعة الأردنية، وكنت أعرف كل صغيرة وكبيرة عن القضية الفلسطينية، لم أترك كتاباً عنها إلا وقرأته. في محاضرة من محاضرات مادة التربية الوطنية كان الدكتور الفاضل عبدالمجيد الشناق يتحدث عن القضية الفلسطينية وانطلقت أفيض بكل ما عندي، واشتد النقاش لمحاضرتين على التوالي، في المحاضرة الثالثة دخلت القاعة وجلست مقطبة الحاجبين، بادرني الدكتور: إيناس كيف حالك؟ هل انتهت معلوماتك؟

إن ما حدث في تلك المحاضرة هو توجيه الأستاذ الدكتور لطريقة قراءتي وأسلوب نقاشي، طلب بعدها إقامة نشاط في كيفية إلقاء محاضرة، تطوعت بذلك تحت إشرافه وألقيتها على الزملاء لمدة نصف ساعة عن التحديات التي تواجه الأردن في العشر سنوات القادمة، الأمر الذي جعلني أغيّر طبيعة الكتب ومصادر المعرفة التي أستعين بها لرفد معلوماتي وأنتبه لفكر المؤلف وتوجهاته.

انتقلت بعدها لجامعة العلوم التطبيقية، كانت أول محاضرة في مادة العلوم العسكرية، طلب وقتها أستاذ المادة المقدم محمد الدبابنة من القوات البرية في الجيش الأردني من الطلبة التحدث عن تاريخ الأردن، معظم الطلبة لا يقرؤون ولا يعرفون لا التاريخ ولا الحاضر ولا المستقبل، وإذا كانوا يملكون علماً يلقونه بطريقة غير واعية، كيف سنحمي ونبني أوطاننا إذا كنا لا نملك المعرفة ولا أسلوب حوار؟

مرّت 10 دقائق لم يبادر أحد، فرفعت يدي وارتعبت عندما قال لي: "أوقفي وشدي حالك وارفعي صوتك"، قلت لنفسي ليتني لم أقرأ ولم أرفع يدي، استجمعت قواي وبدأت من تاريخ تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، وصلت حينها حتى تاريخ ذلك العام 2009 وأنهيت بكلمة وسيبقى الوطن حراً أبياً.. ابتسم بفخر، وسجل اسمي عنده، عافاني من تقديم امتحانات المادة، علمني  كيف تكون الوقفة عندما نتحدث عن الوطن، وأهمية الثقة بالنفس وعدم الخوف أبداً عندما نناقش فكراً لا يتخطى حدود أحد، ولا يتجاوز العرف والدين، ولا يثير فتنة، لو أنني لم أعرف تاريخ الوطن لما علمني وأعطاني من وقته مشكوراً أينما كان هو الآن.

في معظم مدرجات الجامعات عندما تسأل الطلبة عن شيء يخصّ الوطن لن تجد أيادي كثيرة تُرفع، لكن لو سألتهم عن آخر صيحة موضة أو فيلم هابط لأحد الفنانين ستجد الأيادي تكتظ وتزدحم المعلومات ويتبارى كل طالب بما يعرف من الإسفاف والهبوط.

لم أكن لأحظى باهتمام أساتذتي وتوجيههم لو لم أملك معرفة أخذتها من القراءة الذاتية، المعرفة الواعية هي أول خطوة في تحقيق الأهداف والصبر على السعي في طريق الوصول إليها. معظم عائلات الطلبة على مقاعد الدراسة تطالب وزارة التربية والتعليم بوضع مناهج تخدم الوطن وتبني جيلاً واعداً، متناسية دورها وواجبها ومسؤوليتها في جعل القراءة والمعرفة روتين الأبناء اليومي، والاطلاع على ما يتلقونه من معلومات تعرض لهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء والكتب التي يطالعونها ونوعيتها. واجب الأب والأم توعية الأطفال لأهمية القراءة الذاتية وانتقاء واعٍ لوسائل الإعلام التي تتحدث عن تاريخ الوطن وحاضره والتحديات التي تواجهه، وتعليمهم أسلوب نقاش منفتحاً على الرأي الآخر دون اللجوء للتخوين والنزاعات التي تبعثر الجهود وتهدم الطاقات.

أول خطوة لمواجهة "صفقة القرن" هي استثمار الثروة التي نملكها ونعول عليها للمئة سنة القادمة وهي الأجيال الناشئة، فسلاح العلم والمعرفة وتطوير مهارات التواصل في النقاش هو مفتاح التغيير وواجبنا لمواجهة التحديات القادمة، نبدأ بأنفسنا وتدريجياً سيتعلمون منا، عندها سيأتي يوم يُسأل في الجامعات عن تاريخ الوطن وتحدياته وتجد عشرات الأيادي ترفع وتتحدث بثقة وفخر، وإذا سألتهم عن رؤيتهم للمستقبل كانت رؤى واضحة وخطط قيد التنفيذ بسواعد شباب الوطن بكل تفاؤل.

نحن سنضع بداية جديدة وسنكتب لأبنائنا التاريخ من جديد، علموهم التاريخ واجعلوهم يقرؤون ويعرفون معرفة الاستفادة وتدارك الثغرات لا قراءة التربص وتضييع البوصلة، ولنصل إلى نوع واعٍ من الثقافة والمعرفة يهدف للمضي قدماً، وتحقيق الآمال وعزة الوطن، وستتدفق على لسانهم من القلب:

طريق الأردن بطوله مزروع بشجرية

مزروع بخوخ ورمان لعيون الهاشمية

يا شمس اصحي احنا هون

 مع نورك تواعدنا

من قبل اطلي عالكون

ضوي على بلدنا

نرعاها جوا العيون

نبنيها بسواعدنا

على النشامى بتمون

هالأردن النشمية

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إيناس مسلط
صيدلانية وكاتبة متنوعة
إيناس مسلط، صيدلانية وكاتبة متنوعة، أكتب قصصاً قصيرة ومسرحاً ومقالات، وحالياً قارئة بكثافة، أحمل كثيراً من الآراء من واقع خبرتي العملية في عملي السابق كصيدلانية. لديَّ كثير من الآراء في قضايا مجتمعية بهدف الإصلاح وتنوير الشباب، وأحمل فكراً إنسانياً بحتاً تستشفه من كتاباتي، فلا أحمل أي عنصرية دينية أو عرقية، وأتمنى لأفكاري وتجاربي الانتشار أكثر.
تحميل المزيد