أذكر أني ناديتُ والدتي، التي أعطتني فوطة صحيّة وعلّمتني كيف أستعملها، قبل أن تخرج وتُخبر العائلة ثمّ أهالي الحيّ بأن ابنتها بلغت. لم يبقَ منزل في حيّ مارجرجس في جبيل، إلا وتناول البقلاوة لهذه المناسبة.
تخيّلوا الخجل الذي اعتراني مع كلّ كلمة "مبروك" قيلت لي، وأنا في حيرةٍ من أمري، لا أفهم لماذا علينا أن نخبر الجميع "إنه إجِتني"؟! في وقتٍ لاحق من هذا اليوم "التاريخي"، توقّف الدم عن السيلان، لتعود الدورة الشهريّة بشكلٍ منتظم بعد عامٍ. أظنّها – مثلي – خافت من هول الاحتفالات التي عمّت في الحيّ.
لستُ أدري إن كنا، كفتيات، نشعر بالخجل من الدورة الشهريّة فقط؟ أم من كلّ التحوّلات الجسديّة التي ترافق هذه المرحلة؟ فنحن ننتقل، في أقلّ من عام، من اللعب في الشارع مع الصبية (كنتُ آخذ دور حارس المرمى في مباريات كرة القدم) إلى محاولة استيعاب التغيّرات التي تُفرض على جسدنا. تنتفخ صدورنا فجأة، ينمو الشعر في جسمنا، نكتشف رغباتٍ غريبة. وكأننا نختبر ولادة هويّة، جسديّة ونفسيّة، جديدتين.
التغريدة لاقت انتشاراً واسعاً، نسبةً للانتشار الذي تلقاه تغريداتي في العادة. وبحسب معظم التعليقات التي وردتني، يبدو أنني تحدثتُ في موضوعٍ غير مهمّ، مقرف، سخيف، ومعيب. وكالعادة، شعر الرجل العربي بضرورة المشاركة في موضوعٍ يخصّ النساء. فهو، بالإضافة لشعوره الدائم بأنه وصيّ على أجسادنا، ينهار إن لم يكن هو محور الحديث. فيشعر بضرورة أن يدليَ بدلوه ويقدّم النصائح.
توزّعت النصائح لي في هذا اليوم، بين أن أستعمل المنشفة بدل الفوطة، وبين أن أسأل جدّتي كيف كانت تتعامل مع الموضوع في صباها. هناك من طالبني – ساخراً – بالخضوع لعملية إزالة الرحم، هناك من شتمني لأني مقرفة، وآخر أخبرني أن تغريدتي أشعرته بالغثيان. شعر بالغثيان من دماء حيضي، لكني متأكدة أن بإمكانه مشاهدة الدماء التي تغطّي الجثث عبر التلفزيونات ومواقع التواصل، بكلّ شغف، لساعاتٍ ومن دون تذمّر.
في عام 2016، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه لم يكن يعرف أن السدادات القطنيّة، أو ما يُعرف بالـ Tampons، تعتبر ترفاً وتخضع للضريبة في كثيرٍ من الولايات. تخيّلوا رئيساً عربياً يُعير أهميّةً لموضوعٍ مماثل. حتماً، سيخرج من يقول له "ما هذا الموضوع السخيف؟ يا لَفضاوة بالك".
في سياقٍ متّصل، هناك سؤالٌ شهير (ينتشر كثيراً عبر مواقع التواصل) طرحته الناشطة النسويّة الأمريكية غلوريا شتاينم في أكتوبر/تشرين الأول 1978، نُشر ضمن مقالٍ لها في Ms. Magazine. تسأل شتاينم: "ماذا سيحدث، لو أصبحت الدورة الشهريّة – وبطريقةٍ سحريّة ومفاجئة – تُصيب الرجال؟ الإجابة واضحة بالنسبة لها: "سيصبح الحيض حدثاً بيولوجياً يُحسد الرجال عليه، وسيتباهون بغزارة دمائهم واستمرار دورتهم الشهريّة".
مشكلة الرجل مع الدورة الشهرية إذاً، أنها لا "تُصيبه". هي "تصيب" النساء، والدماء تخرج من المهبل. هذا العضو العار، الموجود في الجسد العورة، الذي يشغل المجتمع العربي من المحيط إلى الخليج.
في الفيلم، تُخفي المراهقات شعورهنّ بالحرج من خلال ضحكاتٍ خجولة، حين يُسألن عن الدورة الشهريّة. ورغم أنهنّ تجاوزن سنّ البلوغ، غير أن معلوماتهنّ عن الدورة وعن التغيير الذي يطرأ على أجسادهنّ هي شبه معدومة. وفي الوقت نفسه، عندما يُسأل الصبية عن الدورة الشهريّة، يشعر معظمهم بالحرج ويبدو الجهل واضحاً من خلال إجاباتهم، لدرجة أن أحدهم يقول "هذا مرض يصيب النساء". من جهتهنّ، لا تختلف نساء القرية عن المراهقات والمراهقين، فإحداهنّ تقول إن الدم "القذر" يخرج من المرأة خلال فترة الحيض، وإنها حتى لو حاولت الصلاة بمفردها خارج المعبد – لأنه لا يمكنها دخوله إذا تُعتبر قذرة وغير طاهرة – فإن الآلهة لن تستمع إليها، لأن المرأة كائن يفتقر للطهارة الدينيّة في فترة الحيض.
الفيلم، المُتاح عرضه على منصّة نتفلكس، يوضّح أن 10% فقط من النساء في الهند يمكنهن الحصول على الفوط الصحيّة، التي تعتبر ترفاً، لأنها باهظة الثمن لكثير من المواطنات. 90% من السيّدات في الهند لا يمكنهنّ الحصول على الفوط الصحيّة، أبسط حقوقهنّ. هنّ لم يخترن أن يُخلقن نساء. بعد فوزه بجائزة الأوسكار، غرّدت المخرجة الهنديّة قائلة: "من كان ليصدّق.. أن يفوز فيلم عن الدورة الشهرية بالأوسكار".
هذا التعامل الحذر مع الدورة الشهريّة، من قِبل المجتمع، مرتبط بشكلٍ أساسيّ بنظرته الحذرة لأجسادنا، نحن النساء. أجسادٌ تُنتهك باستمرار، وتعتبر فتنة ومصدر إغواء. فأن تكوني امرأة في هذا المجتمع، هو أمرٌ مرهق.
الحُبّ، كلّ الحُبّ، لهذه الأجساد التي نحملها علينا، فتتحمّل معنا الكثير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.