قبل أربعة عشر عاماً كنتُ طالبة في الجامعة الأردنية، وكنت أعرف كل صغيرة وكبيرة عن القضية الفلسطينية، لم أترك كتاباً عنها إلا وقرأته. في محاضرة من محاضرات مادة التربية الوطنية كان الدكتور الفاضل عبدالمجيد الشناق يتحدث عن القضية الفلسطينية وانطلقت أفيض بكل ما عندي، واشتد النقاش لمحاضرتين على التوالي، في المحاضرة الثالثة دخلت القاعة وجلست مقطبة الحاجبين، بادرني الدكتور: إيناس كيف حالك؟ هل انتهت معلوماتك؟
إن ما حدث في تلك المحاضرة هو توجيه الأستاذ الدكتور لطريقة قراءتي وأسلوب نقاشي، طلب بعدها إقامة نشاط في كيفية إلقاء محاضرة، تطوعت بذلك تحت إشرافه وألقيتها على الزملاء لمدة نصف ساعة عن التحديات التي تواجه الأردن في العشر سنوات القادمة، الأمر الذي جعلني أغيّر طبيعة الكتب ومصادر المعرفة التي أستعين بها لرفد معلوماتي وأنتبه لفكر المؤلف وتوجهاته.
انتقلت بعدها لجامعة العلوم التطبيقية، كانت أول محاضرة في مادة العلوم العسكرية، طلب وقتها أستاذ المادة المقدم محمد الدبابنة من القوات البرية في الجيش الأردني من الطلبة التحدث عن تاريخ الأردن، معظم الطلبة لا يقرؤون ولا يعرفون لا التاريخ ولا الحاضر ولا المستقبل، وإذا كانوا يملكون علماً يلقونه بطريقة غير واعية، كيف سنحمي ونبني أوطاننا إذا كنا لا نملك المعرفة ولا أسلوب حوار؟
مرّت 10 دقائق لم يبادر أحد، فرفعت يدي وارتعبت عندما قال لي: "أوقفي وشدي حالك وارفعي صوتك"، قلت لنفسي ليتني لم أقرأ ولم أرفع يدي، استجمعت قواي وبدأت من تاريخ تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، وصلت حينها حتى تاريخ ذلك العام 2009 وأنهيت بكلمة وسيبقى الوطن حراً أبياً.. ابتسم بفخر، وسجل اسمي عنده، عافاني من تقديم امتحانات المادة، علمني كيف تكون الوقفة عندما نتحدث عن الوطن، وأهمية الثقة بالنفس وعدم الخوف أبداً عندما نناقش فكراً لا يتخطى حدود أحد، ولا يتجاوز العرف والدين، ولا يثير فتنة، لو أنني لم أعرف تاريخ الوطن لما علمني وأعطاني من وقته مشكوراً أينما كان هو الآن.
في معظم مدرجات الجامعات عندما تسأل الطلبة عن شيء يخصّ الوطن لن تجد أيادي كثيرة تُرفع، لكن لو سألتهم عن آخر صيحة موضة أو فيلم هابط لأحد الفنانين ستجد الأيادي تكتظ وتزدحم المعلومات ويتبارى كل طالب بما يعرف من الإسفاف والهبوط.
مزروع بخوخ ورمان لعيون الهاشمية
يا شمس اصحي احنا هون
مع نورك تواعدنا
من قبل اطلي عالكون
ضوي على بلدنا
نرعاها جوا العيون
نبنيها بسواعدنا
على النشامى بتمون
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.